في السجدة الأخيرة.. صاروخ يقتل الجد وحفيدته

سارعت الفتاة أميرة أحمد أبو طير (14عامًا) في تلبية طلب عمتها، بالذهاب لمناداة جدها إبراهيم، وعمها محمد (35 عامًا)، اللذين يعملان بجمع محصول الزيتون من الحقل المجاور لمنزلهم ببلدة عبسان الكبيرة شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، لتناول طعام الغداء.
وبعد مضي خمس دقائق وصلت "أميرة" بالقرب من جدها المسن، وصاحت عليه "يا جد إجيبلك الأكل ولا تجي على البيت تأكل"، لم يرد جدها على ندائها، لأنه كان يُصلي، بينما كان نجله "محمد" فوق الشجرة يعمل.
وما إنّ وضع رأسه على سجادة الصلاة في لسجدة الأخيرة، حتى سقط صاروخ من إحدى طائرات الاستطلاع، التي كانت تُحلق وبشكلٍ مكثف جدًا وبمستوياتٍ مُنخفضة بأجواء المنطقة بسابع أيام الحرب، فوق رأسه مباشرة وقطعه أشلاءً وفصل جسده نصفين، وأصاب "أميرة" برأسها، واستشهدت على الفور، وأصيب عمها بشظايا الصاروخ.
ولم يكُن بمقدور عمها محمد (35 عامًا) الشاهد على الجريمة، والذي أصيب بشظايا بمختلف أنحاء جسده، أن يتذكر كافة معالم الجريمة، سوى اللحظات التي سمع بها القصف، وسقط عن السُلم الذي كان يقف فوقه، من شدة الانفجار، ليُصاب بإغماء فور أن شاهد والده مُقطعًا.
وما إنّ وصل مستشفى المدينة، حتى أيقن بأن والده وابنة شقيقه قد استشهدا، وهو تعرض لإصاباتٍ بالفخد والبطن والظهر والذراعين والقدم اليُمنى، ليعود لبيته بعد ثلاثة أيام من الرعاية داخل المستشفى، متكئًا على أكتاف أشقائه، ويتنقل بكرسي مُتحرك!

أنقذت شقيقها ورحلت!
والدة "أميرة" باسمة أبو طير كانت تعتمد عليها عندما تغيب، وآخر لقاء جمع بينهما عندما ذهبا لمصر قبل أشهر، برفقة والدها المُقعد مُنذ أكثر من 25 عامًا بفعل رصاصة بالفخد إبان الانتفاضة الأولى، وأخيها (محمود) المصاب بمرض "أنيميا البحر المتوسط"، لكي تتبرع له بنخاعها العظمي.
وبعد أن أنقذت أميرة حياة شقيقها، قررت الوالدة البقاء برفقة زوجها بجوار ابنهما المريض لمتابعة علاجه، وإعادة "أميرة" للبيت لكي ترعى أشقاءها الصغار وتتابع شئون البيت، وذلك قبل العدوان الأخير بنحو أسبوع.
وما إن بدأ العدوان، حتى ازداد خوفها على أبنائها، و"أميرة" تهاتفها يوميًا وتطمئنهم على نفسها وأشقائها، لكنها قالت لوالديها قبل يوم من استشهادها: "متى راح تجي يا ماما، يا بابا إحنا خايفين، الموت أمامنا البيت يهتز من القصف، فأجاب الوالد: "لا تخافي يوم وزائل يابا، راح نجي قريبًا، دير بالك من إخوانك".

عناق في ثلاجة الموتى!
وعاودت الوالدة الاتصال بابنتها وإخبارها بنفس اليوم أنها ستأتي غدًا، أي باليوم الأخير الذي أعلن فيه انتهاء العدوان، فجهزت نفسها وقامت بشراء خمس دجاجات، ووضعتهم بالثلاجة تنتظر عودتهم.
وقبل أن تجهز الأم نفسها للعودة، مضت ساعات قلائل حتى وصلها نبأ وفاة عمها من أقربائها، فاعتقدت أنه مات بشكلٍ طبيعي لأنه كبير بالسن، وبعد دقائق هاتفها زوجها وأخبرها بضرورة تجهيز نفسها للعودة لحضور دفن والده، دون أن يخبرها باستشهاد ابنتها.
وبعد وقت قصير،، علمت الأم باستشهاد ابنتها، فتعالت صرخاتها وسط الشقة السكنية المُقيمة بها بالقاهرة، فتجمع الجيران عليها لتهدئتها، قبل أن تقرر العودة ودخول غزة الساعة 2 فجرًا، بعد إعلان التهدئة، وأصرت على الذهاب لرؤية ابنتها، لكنهم أخبروها بأن ثلاجة الموتى مُقفلة.
وسارعت للثلاجة بالصباح الباكر لرؤيتها، وعانقتها وقالت لها "سلمي على أخوكي إبراهيم (توفى بمرض الأنيميا)"، وهنا انتهى اللقاء الأخير بين "أميرة" ووالدتها، التي لم تتناول الدجاج الذي جهزته ابنتها لها وبقي بالثلاجة!.

(المصدر: سرايا القدس، 25/11/2012)