أحمد الجعبري.. في عيون الأسرى المحررين

اختلف وقع نبأ اغتيال أحمد الجعبري، نائب القائد العام لـ"كتائب القسام"، الذراع العسكري لحركة "حماس"، على مسامع الأسرى المحررين في صفقة التبادل مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، كيف لا وهو من كان مسئولا عن أسر الجندي وإخفائه لخمس سنوات والمفاوضة عليه حتى الإفراج عن مئات الأسرى في الثامن عشر من تشرين أول أكتوبر لعام2011 .
يصف المحرر مراد أبو ركاب 29 عامًا والذي قضى ثمانية أعوام في سجون الاحتلال وهو احد محرري صفقة التبادل، كيفية تلقي نبأ استشهاد الجعبري: "للوهلة الأولى كان الحزن سيد الموقف. ففقدان هؤلاء العظماء ليس بالأمر السهل، ولكن من منطلق إيماني بأن الشهادة هي اصطفاء رباني، وأن مثل هؤلاء الرجال وبعد سنوات من التفاني في الجهاد والمقاومة لم نكن لنتمنى لهم غير هذه الشهادة المشرفة".
ويقول: "تقف الكلمات عاجزة عن أن تعبر أو تسطر المدح والثناء لأولئك العظماء بعد أن كان لهم الفضل بعد الله بأن أخرجونا من مقابر الأحياء في سجون الظلم والاضطهاد الصهيونية".
واغتال الاحتلال الصهيوني يوم الرابع عشر من تشرين ثان/ نوفمبر الجاري أحمد الجعبري وهو مهندس صفقة التبادل وإخفاء الجندي الصهيوني جلعاد شاليط؛ حيث شنت بالتزامن مع اغتياله عدوانًا كبيرًا على القطاع استمر ثمانية أيام متتالية سقط فيه 166 شهيدا وحوالي  1300جريحا، وخلف دمارًا كبيرًا في قطاع غزة.

خسارة كبيرة
واعتبر أبو ركاب رحيل الجعبري ليس خسارة للشعب والقضية الفلسطينية فحسب بل هو خسارة للأمة الإسلامية جمعاء. وقال: "إن دماء الجعبري كانت نورا ونارا؛ وقد أضاء نور استشهاده قلوب الأمة بأن زوال الاحتلال بات أقرب من أي زمن مضى، وقد كان نارًا على أعداء الله فقصفت تل الربيع وزلزلت القدس ودكت عسقلان وهجرت اسدود وسديروت وانتفضت الضفة لدمائه الزكية وحدت شمل الفلسطينيين في غزة والضفة بل في العالم أسره و في المنافي والشتات".
ووصف الجعبري بأنه كان شهمًا بشوشا في وجه الجميع متواضعا جدا يسمعك حتى النهاية ولا يرفض طلبا، صاحب حنكة ورباطة جأش.
من جانبه؛ وصف المحرر أحمد ديرية 44 عامًا والذي أمضى عشر سنوات في سجون الاحتلال وهو المبعد من رام الله إلى قطاع غزة خبر استشهاد الجعبري بأنه "صدمة كبيرة مؤلمة ومفرحة في نفس اللحظة".
وقال ديرية: "تألمنا كثيرا لفقدان قائد له أثر كبير في بناء قوة المقاومة ولكنا سعدنا بأن مّن الله عليه بالشهادة التي طالما تمناها".

دوره في صفقة التبادل
وعن دور الجعبري في إنجاح صفقة التبادل قال: "لقد كان له دور مميز في تحريرنا، فقد قهر اليهود ومرغ أنفهم في التراب بقدرته على الاحتفاظ بالجندي لخمس سنوات، حيث عجزت كل مخابرات الدنيا في الحصول على معلومة واحدة تدل على الجندي وأدار المفاوضات بكل حكمة وأجبر اليهود على دفع أكبر ثمن في تاريخ الكيان الصهيوني".
وفيما يتعلق بخسارة المقاومة بعد اغتيال الجعبري أضاف: "لا شك في ذلك ولكن كان للجعبري بصمة خاصة على المقاومة لا بل على الأمة بكاملها لأنه في حياته كان مقاومًا وفي استشهاده أحيا الأمة فكان دمه نورا يضيء لنا الطريق إلى القدس".
وأما المحرر محمد أبو عطايا والذي أمضى في سجون الاحتلال عشرين سنة؛ فقال: "إن اللحظات الأولى التي تلقينا فيها خبر استشهاد أبو محمد الجعبري كانت لحظات صعبة جدًا، أن نفتقد قائدًا عظيمًا بمستوى أبو محمد، قائدًا عرفناه وعايشناه سنوات في سجون الاحتلال فهو ممن تعهدوا وعاهدوا الله أن لا ينسى قضية الأسرى وأوفى بعهده".
وأضاف أبو عطايا: "نحن نقول لأبي محمد لقد وعدت فوفيت الوعد وكان فعلا هو وفاء الأحرار، فوعد الأحرار كان يقابله وفاء من الأحرار، فأبو محمد عندما ودعنا وهو خارج من السجن تعهد إلينا أن لا يطول السجن علينا وأننا سنلتقي يوما على أرض غزة محررين".

الأسرى قضيته المركزية
وأشار إلى أن القضية المركزية التي كانت تشغل بال الجعبري منذ لحظة خروجه من سجون الاحتلال هي قضية الأسرى، فمنذ اللحظة الأولى ابتدأ العمل في جمعية النور والتي تعنى بقضايا الأسرى.
وقال: "أبو محمد الجعبري أصبح يعمل جاهدًا ليل نهار في قضية الأسرى حتى تم أسر الجندي جلعاد شاليط، ومنذ البداية قرر أنه لن يتنازل عن هذا الجندي ولن يرى النور حتى يرى الأسرى النور. وفعلا دار دفة المفاوضات بصعوبتها وجدف بعكس التيار، حيث اجتمعت كل الأمم للضغط على حركة "حماس" لإطلاق سراح الجندي الصهيوني بدون أي ثمن ولكن أبا محمد ومن خلفه كتائب القسام وحركة "حماس" عملت جاهدة على انتزاع هذا الحق وإطلاق سراح 1027 أسيرا من ذوي المحكوميات العالية، فكانت نصرا للمقاومة ولأبي محمد خاصة وسنعمل نحن جاهدين حتى يتم إطلاق سراح كافة الأسرى المعتقلين".
واعتبر أن الاحتلال ارتكب خطأ كبيرا باغتيال الجعبري فأمطرتهم المقاومة بمئات الصواريخ التي وصلت إلى القدس وتل أبيب". وقال: "لقد رحل أبو محمد ولم يترك خلفه جنداً بل ترك خلفه جيشًا من القادة الذين سيديرون الأمر من بعده والذين سيقودون المعركة القادمة معركة التحرير وهي معركة الفتح المبين بإذن الله"، حسب قوله.

ميلاد جديد
أما المحرر أحمد الفليت، والذي أمضى عشرين سنة في سجون الاحتلال وخرج ضمن صفقة التبادل، أكد على أن الشهيد الجعبري هو أكثر شخص كان حاملا لقضية الأسرى، وقد كللت جهوده بأسر الجندي جلعاد شاليط ومواصلة المشوار لمدة خمس سنوات ونصف والمفاوضات إلى أن تم تنفيذ الصفقة والتي كانت بمثابة ميلاد جديد لعدد كبير من الأسرى وذويهم.
وأشار إلى أن خبر اغتياله كان مؤلما للجميع ولكن في النهاية هو من كان يتمنى الشهادة . وقال: "أبو محمد كان في الأيام الأخيرة يستشعر بأنه راحل فجهز وصيته وأدى فريضة الحج لهذا العام ومن ثم استشهد".

وفيما يتعلق بفقدان المقاومة لقائد بثقل الجعبري، قال الفليت: "في الحرب التي استمرت ثمانية أيام أظهرت بشكل كبير وبدون مبالغة ما أعده أبو محمد منذ لحظة الإفراج عنه من سجون الاحتلال عام1996 م، ونسأل الله أن نكمل مشوار النصر والتحرير، وأقول وبدون مبالغة نحن اليوم اقرب لتحرير فلسطين كامل فلسطين من أي وقت مضى".
واعتبر أن رحيل الجعبري "خسارة لكل الشعب الفلسطيني، ولكننا نستحضر بأنه في كل اغتيال لأحد القادة يقول الصهاينة بأن اغتياله ضربة لحماس وهذه عبارة تكررت مرات عديدة على مدى سنوات" ولكن من غباء الصهاينة وعنجهيتهم لم يفهموا بأنهم في كل مرة يغتالون قائدًا يأتي مكانه قائد أكثر كفاءة"، حسب تعبيره.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 30/11/2012)