القائد العسقلاني ولحظات ما قبل الرحيل

في الحلقة الثانية يتحدث براء ريان عن الأيام الأخيرة من حياة والده قبل أن يلقى الله شهيداً مع خمسة عشر آخرين من زوجاته وأبنائه...
يواصل الابن الحي براء نزار ريان، خواطره التي خصصها للحديث عن ذكريات حرب الفرقان التي ارتقى فيها ستة عشر شهيدا من عائلته بينهم والده القائد العسقلاني كما يحب تسمية نفسه في إشارة إلى تمسكه بحق العودة إلى بلدته الأصلية.
وفي الحلقة الثانية يتحدث براء عن الأيام الأخيرة التي سبقت رحيل والده والعائلة الكريمة شهداء خلال قصف استهدف منزل العائلة قبل أربعة أعوام.

يقول براء:
ومنذ أشرقت شمس ثاني أيام الحرب إلى أن مضى إلى ربّه، كان رحمه الله - وعلى شدة الخطر- لا يفوت شيئًا من الصلوات في المسجد، وقد خطب في كلّ يومٍ من أيام الحرب التي أدركها، يثبّتُ النّاس بكلماته ويقوّي عزائمهم، فصُوّرت بعضُ خطبه.
لم يترك جنازةً إلا وشارك فيها، وكنتُ أسير معه في معظمها، فلاحظتُ ضعف صحّته وشدّة اعتلال جسده، فكان إذا دخل باب المقبرة أهوى إلى الأرض وجلس على الرمل مُنهك القوى، وكان يفعل هذا في كلّ مرة.
وكنا لشدّة تعبه من المشي نسارع في البحث عن سيارة تحمله في طريق الإياب، فانطلق عمّي حمزة مرّة فأحضر له سيارة من الطريق، ولم يخبر السائق أنه سيحمل نزار ريّان.
فلما وصل الوالد، رأى في ذلك غشًا للرجل وتوريطًا، وأنه ينبغي أن يعلم حجم المغامرة والمخاطرة في نقله، فمال الوالد إلى السائق وقال له: أنا نزار ريان، هل أركب؟
فقال: تفضّل يا شيخ، على راسي والله.
قال عمي حمزة: فظل الرّجل يرتجف من الخوف طيلة الطريق، ورغم خوفه لم يتخاذل عن حمل الشيخ المحبوب، فأعطيتُه خمسة أضعاف الأجرة.
وكان الوالد رحمه الله يسيرُ في الشوارع علنًا، فيراه الناس فتتثبّت أفئدتهم وتدعو له، وكان يدخلُ المحلّات والدكاكين، يشكر أهلها على فتحهم، يقول لهم: من يفتح دكانه للنّاس هو شريكُ المرابط بالعبوة الناسفة على الحدود، كلكم مجاهدون.
ويقول: أنا أريد أن تخرج "الزناّنة" لتصور، فترى شوارعكم ملآى وأحياءكم عامرة، نريد أن نقول لهم: "مش فارقة معنا".
وقال يومها لأخي محمد: يا ولدي يا محمّد، خذ هذه ثلاثة آلاف دينار، اصرفها كلّها من فئة المائة شيكل، لأن أشغال الناس تعطّلت في الحرب ولعلّ بعضهم لا يجد ما يأكل، فنعطي من نلقى مائة يتسوّق بها.
قال محمّد: فلمّا جئتُه بها لقيه رجلٌ فقال: يا شيخ، زوجتي تلد، وهي تحتاج إبرة ضرورية، أريد ثلاثمائة شيكل. فأعطاه والدي رحمه الله.
فقال له محمّد، وكان يعرفُه: يا والدي هذا كذّاب، إنّ زوجته لتلدُ مرّة كل أسبوع.
فقال له والدي: لقد حمله على ذلك الحاجة، اسمع يا ولدي: أنا كسبتُ حسنات عند ربي بإعطائه، وأنت اكتسبت سيئات بغيبته والتخذيل عن الصدقة.

(المصدر: فلسطين الآن، 2/1/2013)