المحرر العماوي.. دفع ثمن افتخاره بمقاومة غزة 4 أعوام بالسجن الانفرادي

ضابط السجن يقتحم سجن النقب، يحاول الحديث إلى أسرى غزة قائلاً: "جيش الاحتلال سيخرج من غزة، وسيمنحها لكم كرمًا منه"، كلمات ضابط السجن التي جاءت إبان دحر الاحتلال من قطاع غزة في أيار مايو2005 م أثارت غضباً واسعًا في نفوس الأسرى.
فلم تقتصر الكلمة على حدها، وسرعان ما جاء الرد المناسب لها على لسان الأسير المحرر حلمي حمد العماوي 46 عامًا، قائلاً: "غزة العزة أذاقتكم الذل، وضربتكم بالحذاء، لذلك ستخرجون منها غصبًا عنكم".
ضابط السجون يتلعثم لسانه بالرد على الأسير الغزي العماوي، ويأمر جنوده باقتحام الغرفة واستجواب العماوي، والزج به في العزل الانفرادي 4 أعوام عقابًا على كلمة "غزة العزة".
ذاك الموقف يرويه الأسير المحرر العماوي، في أول يوم من أيام حريته بعد أسر دام 20 عامًا من أصل محكوميته السجن المؤبد، على خلفية قتله مستوطنًا صهيونيا في رعنانا.
وتنسم العماوي المعتقل منذ عام1993 م الحرية فجر الأربعاء الماضي، مع 25 أسيرًا آخرين ضمن الدفعة الثانية للأسرى القدامى، في إطار المفاوضات الثنائية بين السلطة والاحتلال.
وأبدى الاحتلال استعداده إلى إطلاق سراح الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو، والبالغ عددهم 104 أسرى على دفعات، فيما وصفه بأنه مقدمة "حسن نوايا" لعودة المفاوضات، وسبق أن أفرج عن 26 أسيرًا منهم في منتصف آب أغسطس الماضي.
ولم يكن العزل الانفرادي السابق هو العزل الأول للأسير المحرر، فقد سبقه عزل انفرادي آخر في أعقاب محاولته الهروب من سجن عسقلان عام1994 م، التي باءت بالفشل.
ويقول: "حكايتي مع السجن حكاية، وكل يوم قصة ورواية مع زملائي الأسرى، ومع إدارة السجون من جانب آخر التي تنغص حياتك المعيشية بالذل والقهر".
ويضيف: "إذلال إدارة السجون للأسير الفلسطيني في كل شيء، في حياته اليومية، ومرضه، وزيارة ذويه دون حول ولا قوة من أسير محاط بالجدران و"الدشم" العسكرية"، متهمًا ما تسمي نفسها "المؤسسات الحقوقية" بإهمال الأسرى، والخنوع لقرارات الاحتلال ضد الأسير الفلسطيني.
ويرى العماوي أن إدارة السجون نجحت في جانبين ضد الأسرى الفلسطينيين: أولهما إخضاع المؤسسات الحقوقية والإنسانية تحت إملاءاتها وقراراتها، وثانيهما التفريق بين الأسرى، وخاصة أسرى التنظيم الواحد.
وبين أن أسرى التنظيمات مشتتون بين السجون، في حين تختلف معاناة الأسرى من سجن إلى آخر، وهو الأمر الذي يدفع إلى عدم إجماع الأسرى على كلمة سواء في خطواتهم الاحتجاجية ضد إدارة السجون، ومحاكم الاحتلال.
ويقبع في سجون الاحتلال قرابة 5 آلاف أسير، بينهم16  Ø£Ø³ÙŠØ±Ø©ØŒ يعانون تفشي الأمراض بينهم، وتجاهل حقوقهم الإنسانية والمعيشية.

لا وصف
ولعل الأمر الجلي في خروج العماوي قضاؤه سنوات الأسر تزامنًا مع كبر سن نجله الوحيد الذي تركه في سن الثالثة.
ويقف النجل الوحيد إبراهيم بجانب والده الأسير لاستقبال المهنئين بحرية والده، وسط شعور بالفرح والسعادة، معلقًا: "الفرحة الوحيدة التي عشتها منذ ولادتي أعيشها الآن فرحًا بخروج والدي".
ولم يتوقع الوالد رؤية نجله البكر الذي انقطع عن رؤيته منذ عام2006 م بفعل منعه من زيارة والده؛ بشخصية كبيرة، يساويه طولاً وحجمًا.
ويقول: "رأيت إبراهيم يقبلني ليلاً، وفي الصباح رأيته واقفًا أمام سرادق التهنئة لكنني لم أعرفه، وحينما أقدم على السرادق عرفته من علامة في أذنه أذكرها وقت صغره".
ويتمني إبراهيم لوالده العيش بفرح وسرور في سنوات عمره الباقية بعد تحرره من السجن، داعيًا المولي أن يمن بالحرية على كافة الأسرى للعيش بين أبنائهم وعوائلاهم.
أما الأسير المحرر فلا أمل له بعد ذلك سوى رؤية زملائه أحرارًا بين أهلهم وذويهم، مطالبًا فصائل المقاومة الفلسطينية بالعمل الجاد على إنهاء معاناة الأسرى المرضى، قبل التفكير بتحرير أي أسير من سجون الاحتلال.
وتشير الإحصائيات الفلسطينية إلى وجود أكثر من  1200أسير مريض في سجون الاحتلال، منهم  25أسيرًا مصاباً بالسرطان.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 2/11/2013)