المحرر الطقوق.. بطل عملية "الساقوف" يحلق حرًا طليقًا

"أتوق إلى السير في شوارع البلدة القديمة وأحياء نابلس وحاراتها، أشتاق لرؤية كل أصدقاء الشباب والطفولة، سأزور قبر والديّ رحمة الله عليهما، حيث يرقد جثمانيهما اللذين أهلكتهما الهموم والأحزان، وسأعيش ما بقي من حياتي بين أهلي الذين صبروا وجفت عيونهم من فرط البكاء"ØŒ بهذه الكلمات عبر المحرر إبراهيم الطقوق عن أمنيات وأحلام عجز عن تحقيقها لمدة تزيد عن25   عامًا.
الطقوق أحد الأسرى الذين أطلق سراحهم فجر الثلاثاء الماضي، ضمن الدفعة الثالثة من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاقية "أوسلو"، ليرى النور ويتنفس عبق الحرية، ويكحل عينيه برؤية أحبابه، وليكتب له عمرًا جديدًا وحياة ستحمل له ما هو أفضل، خصوصاً إذا ما قورنت بعتمة السجن وقهر السجان والغياب عن الأهل والخلان.
ووصف المحرر مشاعره بعد معانقة الحرية بالقول: "سعادتي لا توصف ولم أستوعب ما حصل معي، فلم أكن أتخيل في يوم من الأيام أن أرى النور، واليوم أنا بين أهلي".
واستدرك قائلا: "لكن فرحتي ينغصها ذكرى والديّ اللذين توفيا وأنا في السجن، واليوم لم أكحل عيني برؤيتهما، ومع ذلك فقدر الله أكبر منا وسأضمد جرحي وأتناسى أحزاني وذكرياتي المريرة لأرسم من جديد حياة أجمل مع من تبقى من الأهل والأحبة والأصدقاء".
وأضاف: "كل شيء تغير، المدينة والبلدة القديمة والناس، لكن الثابت الوحيد هو رائحة العراقة والتحدي والصمود التي تركت مدينتي عليها، وبالأخص بلدتي القديمة والتي ما زالت حاضرة فيها".
وغادر النعاس عيني الطقوق بعد أن كان يجد في النوم هروبًا من واقع السجن المرير، وها هو اليوم يعوض ما مضى من سنوات الحرمان بالنظر والتمتع بكل زاوية من زوايا المدينة ويجلس مع الجميع يستذكر طفولته وشبابه ليروي لهم حكايته مع البلدة القديمة وأهلها، ويصف لهم كيف كانت تلك الأيام وليصفوا له كيف باتت الأيام من بعده.
ووسط سعادته الغامرة وانغماسه بلذة التحرير، لم ينسَ الطقوق من خلفه الأسرى في سجون الاحتلال؛ قال: "لنا إخوة هناك في الأسر يعانون الموت البطيء يتذوقون مرارة السجن رغم إيمانهم العميق بحتمية التحرير".
وطالب الجميع وعلى رأسهم فصائل المقاومة المختلفة بالعمل على تحرير هؤلاء الأسرى، وإنهاء معاناتهم المتفاقمة جراء ممارسات الاحتلال الصهيوني القمعية والتعسفية.
ويحلم الطقوق بالزواج وتكوين أسرة والعيش بكرامة كأي شاب لكنه يطمح في الوقت ذاته بالتغلب على تلك الكوابيس التي أوجدها الاحتلال في حياته بعد سنوات الاعتقال الطويلة.
واعتقل الطقوق عام1989 ، بعد مطاردة استمرت عدة أشهر، إثر تنفيذه عملية في البلدة القديمة بمدينة نابلس، حيث ألقى حجرًا كبيرًا من أعلى إحدى البنايات على أحد جنود الاحتلال الصهيوني، ما أدى إلى مقتله على الفور، وسميت تلك العملية آنذاك بعميلة "الساقوف".

(المصدر: صحيفة فلسطين، 2/1/2014)