الشهيد المجاهد "أحمد الزعانين".. بدمه سطر قصته وجهاده

ترجلت أيها الفارس الهمام لتبرهن أن الدم يطلب الدم وأن الشهيد يحيي فينا روح المقاومة والفداء... وها نحن نستنفر بلاغتنا وندخل ممرات الشهادة؛ لكن أي الكلمات تلك التي تصل إلى حدود دمك وطهارتك... صعبة هي المحاولة... فكلما نزف دم الشهداء خفت ضوء الشمس ليفسح بريق الشهداء دروبا تنير أرجاء الكون وليملأ عبق الشهداء الأرض... يعلمونا كيف يبقى شلال الدم زاحفا... فالشهداء تعانق أرواحهم عنان السماء، ولهم تنحني الأقلام إجلالاً وإكبارا لصنيعهم... فلا يمكن لمداد البحر أن يفي  Ø­Ù‚هم... أبا إسلام رحلت بعدما قدمت الواجب على الإمكان... فأنت العنوان ودمك البرهان.

ميلاد مجاهد
في يوم أشرقت فيه الشمس كعادتها على أرض فلسطين المقدسة ضاحكة مستبشرة، تزف لرمل الأرض ومائها بشرى ميلاد فارس من فرسان الجهاد وأسد من أسود السرايا، الشهيد المجاهد أحمد محمد الزعانين "أبو إسلام"، كان اليوم هو يوم الواحد والعشرون من شهر مارس لعام ألف وتسعمائة واثنان وتسعين ، بمدينة بيت حانون شمال قطاع غزة.
وتربى وترعرع شهيدنا المقدام في كنف أسرة مؤمنةً مجاهدةً كريمةً تعرف واجبها نحو دينها ووطنها، فقدمت على مذبح الحرية والفداء العديد من الشهداء والجرحى والأسرى الذين لا زال البعض منهم في عرينه خلف قضبان وزنازين المحتل الغاصب، لاسيما شقيقه الأسير حسام الزعانين الذي اعتقلته قوات الاحتلال على حاجز بيت حانون "ايرز" قبل أشهر خلال رحلة سفره للعلاج ومازال يقبع في سجونها.
درس شهيدنا أحمد الزعانين المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس بيت حانون وأكمل تعليمه الثانوي في كلية الزراعة ببيت حانون، ونشأ شهيدنا أبو إسلام نشأة ملتزمة، فمنذ نعومة أظفاره تربى على موائد القرآن وحلقات الذكر، حيث كان (رحمه الله) حريصاً على الصلوات الخمس في مسجد "الاستقامة"، لاسيما صلاة الفجر التي كان يوقظ رفاق دربه وأصدقائه وأحبائه دوماً لها، وكان مداوماً على قيام الليل والالتزام في جلسات العلم والذكر في مسجد "التوحيد" أيضاً.

مسيرة مستقيمة وخلق قويم
عُرف  Ø§Ù„شهيد محمد  Ø¨Ø¯Ù…اثة أخلاقه، وابتسامته التي لم تفارق وجهه،  ÙÙƒØ§Ù† يستقبل الجميع بابتسامته المرحة، كما تميز الشهيد أبو إسلام بصلابته وشجاعته  Ù…نذ كان طفلاً صغيراً مقداماً واثقاً بنفسه، أحبه كل من عرفه، وهو ما بدا ظاهراً خلال تشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير.
وكان شهيدنا الفارس أحمد الزعانين، على علاقات طيبة مع الجميع، وتميز بحسن أدبه والتزامه، وصفاته الحميدة، فكان مثالاً للشاب المتواضع، الهادئ الصبور والمتسامح، صاحب الابتسامة الجميلة التي لم تفارق محياه أبداً.
كان شديد البر بأمه... شديد الحنان عطوفا كريما يحسن لها ويحاول إكرامها وإراحتها وخدمتها بكافة الوسائل وبأقصى ما يستطيع عملاً بقوله تعالى "وبالوالدين إحسانا".
وارتبط الشهيد بصداقة حميمة بعدد من الشهداء رفاق دربه، عُرف منهم الشهيد المجاهد إسماعيل أبو عودة ومحمد شبات وعبد الله الزعانين، وتأثر باستشهادهم وواصل نهجهم حتى  Ù†Ø§Ù„ ما تمنى وأحب بعد رحلة مليئة بالتضحية والعطاء في سبيل الله.

رحلة الجهاد والعطاء
تعرف شهيدنا المجاهد أحمد الزعانين على الخيار الأمل، خيار حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فكان انضمامه إلى صفوفها في العام 2008م، وعمل شهيدنا في اللجان الجماهيرية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في منطقة بيت حانون، وشارك في معظم الفعاليات والأنشطة الحركية التي كانت تدعو إليها الحركة في كافة المناسبات.
والتحق شهيدنا أبو إسلام بصفوف سرايا القدس في عام 2011 وتلقى في بداية التحاقه بالعمل العسكري العديد من الدورات العسكرية الأكاديمية والميدانية وكان من المجاهدين المميزين في تلك الدورات.
وعمل الشهيد المجاهد أحمد الزعانين في وحدات المرابطين على الثغور، وشارك في العديد من المهام الجهادية ضد العدو الصهيوني، منها إطلاق العديد من الصواريخ وقذائف الهاون على المغتصبات والمواقع الصهيونية المحاذية لقطاع غزة.
وشارك شهيدنا المجاهد في تفجير عبوة ناسفة في جيب عسكري لجيش الاحتلال قرب موقع الإرسال الصهيوني شمال بلدة بيت حانون، ونجا المجاهد أبو إسلام من محاولة اغتيال صهيونية بواسطة طائرة استطلاع، استهدفته مع رفيقي دربه الشهيدين المجاهدين عبد الله الزعانين وجهاد كامل أبو شباب قرب منطقة السكة غرب بلدة بيت حانون، مما أدى إلى استشهادهما ونجاته من عملية الاستهداف.

رحلة الخلود
في مساء يوم الأربعاء الموافق 22/1/2014 كان شهيدنا المجاهد أحمد محمد الزعانين على موعد مع  Ø§Ù„رحيل نحو جنان الرحمن التي وعد المولى عز وجل بها الشهداء، برفقة ابن عمه الشهيد محمد الزعانين، عندما قامت طائرة استطلاع صهيونية بإطلاق صاروخين باتجاههما قرب منزل الشهيد أحمد، مما أدى إلى تحول جسديهما إلى أشلاء وارتقائهما شهداء مقبلين غير مدبرين، لتصعد روحهما إلى علياء المجد والخلود.
أبا إسلام هنيئاً لك لذّة الأنس ومجاورة الأنبياء العظام والأولياء الكرام وشهداء الإسلام، فسلامٌ عليك في الأحياء أبدا، وأنت الذي سطرت هذا الإباء بدم الشهادة وحبر الدم القاني، وارتقيت منبر الشهادة ليستضيء التائهون بنور دربك، فعذرا إن توقفت أقلامنا عند هذا الحد، فنم قرير العين أبا إسلام فقسما سيعلمنَّ عدُوُنا أنَّا ليوث في الوغى تَتوثب وأنك أنجبت جيلاً هماما سيواصل حفظ الوصية ومواصلة درب الأباة، حتى اندحار العدو البائد حتما عن أرضنا.

(المصدر: سرايا القدس، 12/2/2014)