عائلة القواسمة.. ما بين الشهادة والاعتقال والإبعاد

لا تجد والدة ثلاثة أسرى وشهيدين ومبعد سوى الانزواء دائما في ركن من منزلها وتسلية نفسها بالبكاء وذرف الدموع، متضامنة مع نفسها التي تصعقها كل مرة زيارات الاحتلال الثقيلة لانتزاع أبنائها من بين أحضانها وزجهم من جديد داخل أقبية سجونه.
"أم حسين" القواسمة والدة الأسرى حسين المحكوم بالسجن المؤبد وزياد المحكوم بالسجن 15 عاما وحجازي حديث الاعتقال في سجون الاحتلال، وهي والدة الشهيدين مراد وأحمد ووالدة المبعد محمود إلى قطاع غزة.
قبل أيّام، عاشت العائلة حوالي 48 ساعة من الفرحة المؤقتّة وهي تستقبل نجلها حجازي المفرج عنه من سجن مخابرات سلطة رام الله بعد ما يزيد عن شهر من الاعتقال والتعذيب، لكن سرعان ما تغيّرت الحال بعد حضور الاحتلال لاعتقال نجلها ونقله إلى عالم المجهول.
تقول الوالدة والدمع يملأ مقلتيها:" فرحت للإفراج عنه من سجن السلطة، وكنت أتمنّى أن يبقى إلى جواري لأنّه الوحيد الذي تبقّى لنا بعد استشهاد واعتقال وإبعاد أشقائه، لكن الاحتلال جاء ليعتقله ويحرمنا منه مجددا".
وتكشف الوالدة وهي تتحدّث بحرقة شديدة عن صنوف عديدة من التعذيب التي تعرّض لها نجلها أثناء اعتقاله في سجون السلطة، مشيرة إلى الضرب المبرح والشبح الطويل الذي تعرّض له أثناء اعتقاله، مشيرة إلى أنّه كان يعاني أوجاعا وآلاما شديدة وكانت قلقة على حالته الصّحية وترجو أن يتماثل للشّفاء، لكنّه تبين بأنّ الاحتلال حضر لاعتقاله وتغييبه وزجّه في سجونه دون أدنى مبرّر.
ولا تنفكّ الوالدة عن ترديد كلمات الحمد والرضى بما كُتب لها من ألم ومعاناة بسبب اعتقال وتغييب الأبناء، وتلفت إلى أنّها ترفع رأسها دائما ببطولات أبنائها في سبيل الله وفي طريق تحرير الوطن من الاحتلال، قائلة : رغم حجم الضريبة الكبير في سبيل الوطن؛ إلّا أنّ الله يمنّ علينا بالصبر والاحتساب دون أن نجزع أو أن نملّ أو أن نسخط.
وتتابع: "لي أكثر من عشرين عاما وأنا أعاني من اليهود.."، مشيرة إلى أنّ الاحتلال بدأ بالدوس على رأس ابنها الطفل أحمد وقتله بدم بارد في وسط مدينة الخليل دون أن يكون له أيّ ذنب... وهم من أجبروا أبنائي على اختيار سبيل المقاومة للانتقام من الاحتلال وللدفاع عن أنفسهم من اعتداءاته المتواصلة.
أمّا الوالد علي القواسمة فيقول بألم: "أنجبت عشرة أبناء ويا للأسف لا يوجد منهم الآن سوى أربعة...".
ويبين أنّ كثيرا من المعاناة تتجرّعها العائلة جرّاء اعتقالات واستهداف أبنائها، لافتا إلى أنّ لا أحد مكترث بما يصفه بالكوارث المتلاحقة التي تحلّ به في كلّ فترة، مشيرا إلى أنّ كلّ الدول والمؤسّسات التي تدّعي حمايتها لحقوق الإنسان لا تكترث بخصوصية حالة عائلتي وأبنائي، وفي ذات الوقت يقول: "السلطة الفلسطينية التي وجدت من أجل حماية شعبها يا للأسف... لا تعمل لصالح شعبها".
وحول قدرته على الصبر والتحمّل في ظلّ هذه الظروف، يقول القواسمة" لقد تعوّدنا على الهموم والآلام التي تسببت بها الملاحقة الأمنية المشتركة من جانب الاحتلال وأجهزة السلطة الأمنية"، مشيرا إلى أنّ هذه الاستهدافات لم تثن عزائمنا يوما، وقد تمكنت من تزويج أبنائي وكونوا عائلات".
ويقول: "نستعين على كلّ ذلك بالصبر والصلاة والتوكل على الله"، مبينا بأنّ الله يمنّ عليه وعلى بقيّة العائلة بالصبر، لدرجة أنّ مداهمات الاحتلال واعتداءاته وحتّى تخريبه لمنازلنا وإفزاعه للنساء والأطفال أصبحت أمرًا اعتياديا تعوّدت عليه العائلة بكامل أفرادها.
ويطالب الوالد بتدخّل كافّة المعنيين والجهات لرفع الظلم والقهر عن عائلته بشكل خاصّ وعن كافّة العائلات الفلسطينية بشكل عام، معتبرا ما يجري بحقّ عائلته بالمجزرة، والتي لم تشفع لها كلّ الاعتداءات ليأتي اليوم الذي تتوقف فيه كافّة الاعتداءات، ويعيش من تبقّى من أفراد العائلة بمنأى عن اعتداءات الاحتلال وملاحقاته.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 15/2/2014)