مقابر الأرقام.. حكاية ما بعد الشهادة

في كل يوم يفتح جرح لم يندمل لدى عائلة فلسطينية فارقها ابنها قبل سنوات طويلة ولم يعد إلا في صندوق خشبي رفاتا، فهذا هو الحال الذي تعيشه عائلات شهداء مقابر الأرقام الذين احتجزهم الاحتلال لأعوام ضمن مخططه للتنغيص على الفلسطينيين.
ولكن الملف الشائك ذاك يفتح الكثير من التساؤلات حول سبب الموعد المتأخر لتسليم جثامين الشهداء ليلا، وعدم تسليمهم دفعة واحدة؛ إضافة إلى أمر في غاية الخطورة يكمن في سؤال واحد: هل يسرق الاحتلال أعضاء الشهداء؟.

حلكة الليل
ولا شك أن ظلام الليل الذي يتم خلاله تسليم رفات الشهداء لا يختلف كثيرا عن الذي عاشته عائلاتهم طيلة فترة احتجاز أجساد أبنائها، ولكن الاحتلال هذه المرة رفض أن يتم تسليم الجثامين دفعة واحدة أو في وضح النهار.
ويقول منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء سالم خلة: "إن الاحتلال أبلغهم بأنه سيقوم بتسليم الجثامين تباعا بعد انتهائه من فحص الحمض النووي لكل رفات، وهذا الأمر هو الذي يفسر سبب قيامه بتسليم الجثامين في أيام متفاوتة".
ويضيف خلة بأن الحملة كانت طالبت بأن يتم تسليم جثامين 36 شهيدا خلال الأشهر الأولى من العام الحالي وهو ما يتم على دفعات.
ولكن النائب عن كتلة حماس البرلمانية من طولكرم فتحي القرعاوي، يؤكد بأن هناك مغزى واضحا من تسليم جثامين الشهداء بشكل منفرد وفي ساعة متأخرة من الليل وهو عدم تأجيج مشاعر الفلسطينيين مما قد يؤدي إلى إشعال المقاومة ضد الاحتلال.
ويرى القرعاوي، أن التقاء المواطنين حول الجثامين واستحضار أعمال الشهداء الجهادية وما قدموه لنصرة القضية يجدد شيئا من الروح الثورية والمقاومة لديهم وهو الأمر الذي لا يريده الاحتلال أن يحدث ولا حتى السلطة كذلك، وفق تعبيره.
ويضيف:" الحالة التي تحاول السلطة أن تفرضها على الضفة هو أن المنطقة تعيش جوا سلميا وتوافقيا مع الاحتلال وهي لا تريد أن يعود الناس إلى معاني المقاومة كي تحافظ على هذه الحالة، وأعتقد أن هناك نوعا من التنسيق بين الطرفين حول موعد التسليم وكيفيته كي لا يحصل شيء من استذكار الشهداء وأعمالهم المقاومة والسير على نهجهم".
ويشير النائب إلى أن الاحتلال حين قام بتسليم جثماني شهيدين من طولكرم قبل أيام خرج المواطنون بالآلاف في
الساعة التاسعة مساء وصولا إلى المشفى وهو الأمر الذي يبين ضخامة المشهد لو كان في وضح النهار، لافتا إلى أن السلطة قامت بنقل جثمان الشهيد مؤيد صلاح الدين من المستشفى إلى خارج حدود المدينة وقالت لأهله إنه سبقهم إلى بلدة حزما شرق القدس التي كان يسكنها، ولم يمكث سوى ساعات قليلة في طولكرم لأنها لا تريد للحشد الجماهيري أن يستمر.

جريمة أقسى
وفيما يتعلق بملف أخطر بكثير تبقى عائلات الشهداء على قناعة بأن الاحتلال سرق جثامين أبنائها واحتجزها كي يقوم بأعمال سرقة لأعضائهم وهو ما تؤكده كل الدلائل.
ويقول مسؤول الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء في محافظة الخليل أمين البايض:" نحن متأكدون أن الاحتلال مارس سرقة الأعضاء من أجساد الشهداء، فقبل ثلاث سنوات هرب طبيب صهيوني من مشرحة صهيونية إلى السويد وقال في شهادته: إن الاحتلال سرق أعضاء لبعض الفلسطينيين، ومجلس حقوق الإنسان تحقق من الموضوع وحاول رفع قضية ضد الاحتلال ولكن الأخير قام بطرح موضوع تسليم رفات 91 شهيدا قبل عامين في مقابل التغاضي عن رفع القضية".
ويؤكد البايض بأن الشهداء الذين تعرضت أجسادهم لسرقة الأعضاء ليسوا من الاستشهاديين الذين نفذوا عمليات ولكن من الشهداء الذين تم اغتيالهم وسرقة جثثهم كالشهيد عبد الله القواسمي؛ أو الشهداء الذين تمت تصفيتهم بعد اعتقالهم مثل الشهيدين عماد وعادل عوض الله من البيرة اللذين اعتقلا وهما على قيد الحياة ولكنّ اسميهما كانا في قوائم شهداء مقابر الأرقام، مبينا بأن هذا الأمر كان باعتراف الطبيب الصهيوني.
ويتابع:" القضية معقدة وغير سهلة أبدا ونحن في الحملة الوطنية مستمرون في القضية ونحاول العثور عن طريق محامين على أي طبيب يشهد أنه تمت عمليات لسرقات الأعضاء، وما يدلل على أن الاحتلال قام بهذه الجريمة هو أنه طرح في إحدى المرات أن يتم تسليم أعضاء كان سرقها من جثامين شهداء وأننا أيضا تسلمنا جثامين كانت ما تزال تقطر دما وهو ما يدلل على أنها دفنت مؤخرا".
ويعتبر البايض بأن الاحتلال يرتكب عدة جرائم في آن واحد الأولى بإعدام الفلسطينيين ثم سرقة جثامينهم ثم اعتقالها لمبررات أمنية وبعدها سرقة الأعضاء، وهو الأمر الذي يحاسب عليه القانون الدولي والإنساني، لافتا
إلى أن السلطة لو وقعت على ميثاق قانون محكمة الجنايات الدولية لكان الجنود والضباط والجنرالات الصهاينة وكل من شارك في تلك الأعمال بمثابة مجرمي حرب يعرضون على المحاكم الدولية.

(المصدر: صحيفة فلسطين، 2/3/2014)