التغذية القسرية وجه آخر للموت

بقلم/ رياض الأشقر

تناقلت وسائل الإعلام العبري في الشهور الأخيرة تصريحات صادرة من جهات أمنية عن إقرار قانون يسمح للاحتلال بفرض أسلوب التغذية القسرية على الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام؛ لإجبارهم على فك إضرابهم رغمًا عنهم.
هذا القانون طرحته على المستشار القضائي لحكومة الاحتلال "يهودا فاينشتاين" وزارة الأمن الداخلي، وجهاز (الشاباك)، وما يسمى وزارة العدل، في شهر يوليو من العام الماضي، وذلك بعد تصاعد حالات الإضراب داخل السجون، ما خلق حالة من الإرباك لدى إدارة مصلحة السجون، في التعامل مع تلك الظاهرة، وقد أعطى المستشار القضائي بدوره ضوءًا أخضر لعرضه على اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات للتصديق عليه وتطبيقه؛ لتشريع أعلى مؤسسات الكيان العبري له بشكل قانوني، فالاحتلال يشتهر بإضفاء صفة "الشرعية" على القرارات التي من شأنها أن تثير جدلاً قانونيًّا أو معارضة داخلية أو خارجية، كما حدث عندما شرَّع قانون "شاليط".
التغذية القسرية تعني إطعام الاحتلال الأسير المضرب عن الطعام بالقوة ورغمًا عنه، وذلك عن طريق إدخال الطعام عبر خرطوم يصل إلى معدة الأسير من الأنف أو الفم بعنف؛ بغرض كسر إضرابه، ما يعرض حياته للخطر الشديد، ويؤدي إلى اختناقه أو حدوث نزف حاد يؤدي إلى الوفاة، ويتحجج الاحتلال بأنه يريد بذلك إنقاذ الأسير من الموت نتيجة الامتناع عن الطعام، ويطلق على اللجنة التي تقوم بذلك "لجنة الأخلاقيات"؛ بهدف إعطائها صورة إنسانية أمام الرأي العام.
أسلوب التغذية القسرية استخدمه الاحتلال عامي 1970م، و1980م، وأدى في حينه إلى استشهاد 3 من الأسرى، وهم: "عبد القادر أبو الفحم"، و"راسم حلاوة" من جباليا، و"علي الجعفري" من نابلس، وكانت الاستخبارات الأمريكية قد استخدمت هذا الأسلوب مع المعتقلين المضربين في سجن (غوانتنامو)، وأثار في حينه ضجة إعلامية، واعتراضًا شديدًا من قبل المؤسسات الحقوقية بالنظر إلى أنه ينافي مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني.
الموافقة على هذا القانون وتطبيقه خطورة حقيقية على حياة الأسرى الفلسطينيين، ووصفة جديدة، وتصريح واضح لعناصر إدارة السجون بقتل الأسرى، وسيكون له انعكاساته الخطيرة على واقع الأسرى المضربين عن الطعام، أو من سيلتحق بهذه القافلة خلال المدة القادمة.
وقد أجمعت العديد من المنظمات الحقوقية والطبية على مخالفة هذا الأسلوب مبادئ حقوق الإنسان؛ لأن القانون الدولي يكفل للأسير حق الخصوصية وحرية التحكم في جسده والإضراب عن الطعام، في حال انتهاك حقوقه، وقد جرَّم إعلانا (مالطا) و(طوكيو) استخدام هذا الأسلوب مع الأسرى، وعده "اتحاد الأطباء العالمي" الذي يضم أكثر من مائة اتحاد وطني "أسلوبًا غير أخلاقي"، وشكلًا من أشكال التعذيب والإهانة، وأنه ما من أحد يمكن أن يبرر تغذية شخص عاقل بالغ قسرا، وعدته منظمة (هيومن رايتس) مخالفة للمعايير الأخلاقية المهنية والطبية، وصنفته أحد أشكال سوء المعاملة للأسير، التي يحرمها القانون الإنساني.
والسؤال المهم هنا: هل ستتدخل تلك المنظمات الدولية التي عارضت التغذية القسرية؛ لمنع تطبيقه على الأسرى الفلسطينيين في حال إقرار مؤسسات الاحتلال الرسمية له بالفعل؟، أم ستفضل الصمت؛ لأن الأمر يتعلق بـ"الدولة المدللة" (إسرائيل)؟!

(المصدر: صحيفة فلسطين، 25/3/2014)