الشهيد أبو جندل أحد قادة معركة مخيم جنين.. قسم الشهداء وعهد الأبطال

فدائي فلسطيني أصيل، ما نسي يوماً عهده مع فلسطين، وما غابت عن عيونه صورة الأقصى الأسير، وبقي مخلصاً ووفياً لرسالة الجندية التي حملها يوم أن خان عهدها وقسمها الكثير ممن غرتهم أوهام السلام الزائفة مع  أحفاد القردة والخنازير من قتلة الأنبياء ÙˆÙ†Ø§Ù‚ضي العهود على مر الأزمان، حمل البندقية والمصحف وانطلق ليسطر مع رفاقه المجاهدين في معركة التصدي والصمود على أرض مخيم جنين القسام ملحمة بدر الكبرى في وقت نسي فيه البعض أمجاد أمتهم وتاريخ شعبهم، فكان هو ورفاقه ممن حق فيهم قول الله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم
ويشف صدور قوم مؤمنين).
مقاتل أحبه الجميع، علماً أنه لم يعمل تحت إطار سياسي محدد ولم يكن ينتمي إلى تنظيم بعينه، وكان جل اهتمامه الجهاد والشهادة وحب الوطن، لقد كان قريبا جداً من كتائب القسام، وعمل مع العديد من كوادرها في جنين، وكثيرا ما نسقوا هجمات موجعة للعدو وتدارسوا سبل تطوير المقاومة، حتى إن بعض وسائل إعلام العدو قد حسبته على حركة حماس، إلا أنه في حقيقة الأمر كان يحب العمل مع المقاومة الجادة متجاوزا البعد التنظيمي فكان نعم القائد.
وفي مقامه هذا يعود إلى الذاكرة رفيق دربه الذي خاض معه مرحلة كفاحية متلازمة حيث كانا لا يفترقان إلا للقاء وهو الشهيد القسامي البطل جمال ضيف الله حسن "أبو ضياء من مخيم جنين" نقيب في الأمن الفلسطيني الذي شاءت الأقدار أيضا أن تكون حتى  قصة استشهادهما متشابهتين رغم وجود فارق زمني بينهما يصل إلى تسعة أشهر، فكلاهما تم إعدامه بعد أن القي عليه القبض وهو على قيد الحياة، ولشدة احترام حركة المقاومة الإسلامية حماس لهذا القائد، ولقربه الشديد من مقاتلي كتائب القسام في جنين، فقد عممت حركة حماس على مقاتليها أن يطيعوا أوامر هذا القائد دون غيره، لشدة ثقتهم في انتمائه وصلابته في المقاومة، وتقديراً له على تاريخه الطويل في المقاومة ضد المحتل والتي نال خلالها أذى العدو وأذى ذوي القربى أيضا.  

الميلاد والنشأة
إنه الشهيد البطل "يوسف أحمد محمد ريحان قبها" المشهور (أبو جندل) أحد قادة معركة مخيم جنين الصمود، ولد الشهيد يوسف ريحان في قرية يعبد القسام بتاريخ 12/5/1965Ù… لعائلة فلسطينية قروية متدينة، حيث تربى فيها على حب وطنه والوفاء لدينه وشعبه، تلقى الشهيد البطل تعليمه الأساسي والإعدادي في مدارس قريته يعبد لغاية المرحلة الثانوية، حيث لم يكمل تعليمه الثانوي، أثر بعدها السفر للأردن حيث التحق هناك بالثورة الفلسطينية ولم يكن عمره قد تجاوز (16) عام، وفي الأردن أكمل تعليمه في معهد البولتكنك الصناعي قسم الكهرباء إلى جانب التحاقه بعدد من الدورات العسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، وبعد (8) شهور من التعليم والتدريب المتواصل للشهيد يوسف في الأردن ذهب لسوريا حيث التحق هناك بدورة المدفعية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني هناك، انتقل بعدها للبنان حاملا لرتبة (رقيب أول) لينضم Ù„لواء (ياسين سعادة) من قادة كتائب جيش التحرير الفلسطيني في لبنان.
في فترة مكوثه في لبنان استطاع الشهيد البطل يوسف المشاركة في كثير من عمليات المقاومة  ضد الأهداف الصهيونية المتواجدة بين  الحدود اللبنانية والأراضي الفلسطينية المحتلة وقام  بقيادة وتخطيط العديد منها، ومع زيادة حدّة Ø¹Ù…ليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من الأراضي اللبنانية ضد المواقع العسكرية الصهيونية، قام  جيش الاحتلال الصهيوني عام (1982)Ù… بقيادة رئيس أركان الجيش السفاح (شارون) Ø¨Ø¹Ù…لية اجتياح واسعة للأراضي اللبنانية Ùˆ محاصرة العاصمة بيروت التي دارت حولها Ù…عارك عنيفة بين الجيش الصهيوني وقوات جيش التحرير الفلسطيني والتي قاد فيها الشهيد يوسف ريحان Ø­Ø±Ø¨ الشوارع وهو لم يتجاوز من العمر (17) عام.
أصيب الشهيد يوسف خلال حصار بيروت بعدة إصابات في منطقة الفم والصدر حيث استقرت إحدى  الرصاصات على بعد نصف (سم) من القلب، كما وأصيب  في يده اليمنى نقل على إثر هذه الإصابات لمستشفى (بار إلياس) في منطقة زحلة  حيث حاول "جيش لحد" المتعامل مع الاحتلال اغتياله هناك لولا تدخل أحد الأطباء الذي قام بنقله مباشرة إلى أحد المستشفيات التابعة لقوات التحرير الفلسطينية.
وبعد (40) يوما من الحصار تم الاتفاق على خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، والانتشار في عدد من البلاد العربية، نقل على إثرها الشهيد يوسف للمغرب، حيث تلقى هناك عدد من الدورات العسكرية في قوات الصاعقة منها دورة الضفادع البشرية وبعد أن أتم الشهيد يوسف هذه الدورات بنجاح، نقل إلى العراق حيث جند هناك في معسكر العزيزية (قوات الأقصى) ÙˆØªÙ… ترقيته لرتبة (مساعد أول).
بقي الشهيد يوسف في العراق حتى توقيع اتفاقية "أوسلو" بين العدو الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث كان الشهيد يوسف ريحان أحد العائدين  بموجب الاتفاقية، استقر وعين بعدها مدربا لقوات الشرطة والأمن الفلسطيني في أريحا، وبعد (8) أشهر من عمله في أريحا انتقل للعمل في منطقة بيت لحم حيث بقي فيها مدة سنتين ونصف.
وفي بيت لحم وبالتحديد عام 1996Ù… هذا العام الذي شهد أحداث انتفاضة النفق (نسبة إلى نفق "الحشبونائيم"  الذي قام بحفره اليهود تحت الحرم القدسي الشريف) وقعت مواجهات عنيفة في محيط قبة Ø±Ø§Ø­ÙŠÙ„ الواقعة بالقرب من مدينة بيت لحم من جهة القدس، قامت على أثرها مشادات كلامية بين جنود الاحتلال وأفراد الأمن الفلسطيني المتواجدين على مدخل بيت لحم، تشاجر خلالها الشهيد يوسف ريحان مع ضابط صهيوني برتبة (ميجر جنرال) قام بعدها الشهيد يوسف بإطلاق النار على الجنود الصهاينة مما أدى لمقتل جندي فر بعدها من المكان حيث قام جيش الاحتلال بمطالبة السلطة الفلسطينية بعد هذا الحادث بتسلم الشهيد يوسف لهم، وبعد تنسيق ومباحثات تم الاتفاق على نقل الشهيد يوسف لمدينة جنين وتعليق ترقيته العسكرية.
في جنين عمل الشهيد يوسف على تأسيس وحده عسكرية من أفراد الأمن أطلق عليها اسم الوحدة (التنفيذية) كما وأشرف على عملية التدريب لكثير من الدورات العسكرية والأمنية في المدينة مما أكسبه شعبية كبيرة بين أفراد الأجهزة المختلفة لتواضعه وحسن خلقه في التعامل.
لقد تعود الشهيد يوسف دوما على قول كلمة (لا) لكل ما يخالف وطنيته وشرف الجندية التي تربى عليها فقام وللمرة الثانية بإطلاق النار على الجنود الصهاينة المتواجدين في منطقة أحراش السويطات الواقعة شرق مدينة جنين  مما أدى لإصابة أحدهم وذلك عندما تشاجر معهم حين طالبوه بمنع المتظاهرين المعتصمين في تلك المنطقة من رشق الحجارة وقد وقع الحادث عندما هم أحد الجنود بإطلاق النار على الشهيد يوسف فأصيب مرافقه (ضرغام عزات زكارنة) بدل عنه، وعلى الفور قام الشهيد يوسف بتوجيه سلاحه نحو قائد الوحدة وأصابه برأسه وترك المكان على الفور ليصبح بعد هذا الحادث المطلوب رقم واحد من أفراد الأمن الفلسطيني للكيان الصهيوني.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام (2001) Ù… كان للشهيد البطل يوسف ريحان دور كبير في المقاومة الوطنية والإسلامية ضد أهداف العدو الصهيوني، فقد أشرف وخطط لبعض العمليات العسكرية، كما وقام بتشكيل وحدتين من أفراد الأمن لضرب الأهداف الصهيونية، الوحدة الأولى تكونت من (56) عنصراً والوحدة الثانية ضمت (36) عنصرا آخر، كان من بين هذه العمليات، إطلاق النار على المستوطنات المحيطة بمدينة جنين وإرسال بعض الأفراد لتنفيذ عمليات من ضمنها عملية حاجز ترقوميا العسكري والتي نفذها مرافق الشهيد يوسف وهو الشهيد ضرغام عزات زكارنة  من بلدة دير غزالة الواقعة قضاء مدينة جنين.

دوره في معركة مخيم جنين
تقول زوجة الشهيد يوسف ريحان (جاء زوجي إلى البيت قبل المعركة بشهرين بالتحديد 28/3/2002م حيث بدل ثيابه واطمأن على صحة أبنائه الثمانية، وبعدها قال لي: "وصيتك الأطفال وادعوا الله لي الشهادة ثم خرج ولم يعد للبيت".
ومع اقتراب موعد المواجهة في مخيم جنين وقف الشهيد البطل يوسف ريحان مع رفاقه الذين عقدوا العزم على الصمود والرباط حتى آخر رجل منهم  في ساحة المخيم وأقسموا مجتمعين قسم الشهادة والرباط ÙØ¥Ù…ا النصر وأما الشهادة ثم هتف الشهيد يوسف وقال: (نحن جيش محمد، نحن جيش القعقاع) إيذانا ببدء المعركة.
وتضيف زوجة الشهيد يوسف قائله: (أن زوجي كان على اتصال دائم فينا أثناء المعركة حيث كان يقول دائما لن يتمكن اليهود من دخول مخيم جنين ما دام فينا نفس) وفي آخر اتصال للشهيد يوسف مع زوجته وأهله تقول زوجته: (في آخر اتصال مع زوجي قال لي: "قولي لأولادي أني سأكون شهيدا وسمي الولد الجديد، حيث زوجته كانت حاملا به قبل استشهاده - جيش الرحمن) ثم أخبرها أنه مصاب بقدمه ولكنه سيقاوم حتى الشهادة).
وفي يوم الأحد 13/4/2002م فجرا استشهد يوسف ريحان الملقب أبو جندل بعد أن نفذت الذخيرة التي بحوزته، حيث قام جنود الاحتلال باعتقاله وإعدامه بعد أن تعرف عليه أحد العملاء ممن باعوا أرضهم وعرضهم،
وفي رواية أحد من سكان المخيم ويدعى (حسن أبو سرية) والذي شاهد جثة الشهيد يوسف ريحان قال: (بعد أن تراجع الجنود الصهاينة من ساحة المخيم، خرجت من المنزل لتفقد المكان لأجد على بعد 200متر من المنزل جثة أحد المقاومين، حيث بدا عليها علامات في منطقة الوجه والجبين، وبعد اقترابي من الجثة تبين أن هذه العلامات كانت لرصاصتين واحدة في منطقة الفم وأخرى في الجبين) ويكمل حسن كلامه قائلا: (من وضع الجثة كان واضحا أن صاحب هذه الجثة قد تم إعدامه ووضعه على كومة من التراب، وبعد دقائق تجمع عدد من السكان في المخيم، حيث أجمعوا أن هذه الجثة هي ليوسف ريحان (أبو جندل).
لقد صدق هذا الفدائي العملاق ربه، فصدقه الله وعده، ومضى على درب رفاقه الشهداء: جمال ضيف الله وطارق درويش وأشرف أبو الهيجا ومحمود طوالبة وغيرهم من أبطال معركة مخيم جنين القسام.

رحمك الله يا أخانا الحبيب، هنيئا لك الجنة، وهنيئا لوالديك تاج الوقار...

(المصدر: مهجة القدس، 3/4/2014)