التعريف بمجزرة جنين

مجزرة جنين هو اسم يطلق على عملية التوغل التي قام بها الجيش الصهيوني في جنين في الفترة من 3 إلى 12 أبريل/ نيسان 2002 واستمرت نحو 10 أيام.
وتشير مصادر الحكومة الصهيونية وقوع معركة شديدة في جنين، مما اضطر جنود الجيش الصهيوني إلى القتال بين المنازل، بينما تشير مصادر السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى أن القوات الصهيونية أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين قامت بارتكاب أعمال القتل العشوائي، واستخدام الدروع البشرية، والاستخدام غير المتناسب للقوة، وعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية.
وقد كانت هذه العملية ضمن عملية اجتياح شاملة للضفة الغربية، أعقبت تنفيذ عملية تفجير في فندق في مدينة نتانيا، وقد هدفت عملية الاجتياح القضاء على المجموعات الفلسطينية المسلحة التي كانت تقاوم الاحتلال، وكانت جنين وبلدة نابلس القديمة مسرحًا لأشرس المعارك التي دارت خلال الاجتياح، حيث قرر مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين محاربة القوات الصهيونية حتى الموت، الأمر الذي أدى إلى وقوع خسائر طفيفة في صفوف القوات الصهيونية، ومن ثم قامت باجتياح مخيم جنين والقضاء على المجموعات المقاتلة حيث تم قتل واعتقال معظمهم، كما قامت القوات الصهيونية بعمليات تنكيل وقتل بحق السكان - حسب المصادر الفلسطينية ومعظم المصادر الإخبارية العالمية المحايدة والجمعيات الدولية أدى إلى سقوط العشرات، فيما حملت قوات الاحتلال المقاتلين الفلسطينيين مسؤولية تعريض حياة المدنيين للخطر.

نتائج المعركة
وقد قتل في هذه المعركة بحسب تقرير الأمم المتحدة 58 فلسطينيا، ومن الذين شهدوا المعركة وأكدوا على وقوعها: لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، منظمة العفو الدولية، تيري رود لارسن - منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، الوفد البرلماني الحزبي الأوروبي، ووفد (الأدباء والمفكرين العالميين) الذي يمثل (البرلمان العالمي للكتّاب)، وهو وفد يضم شخصيات ثقافية وأدبية عالمية مثل: الروائي الأمريكي راسل بانكس، ورئيس البرلمان العالمي للكتاب وول سوينكا، الحائز جائزة نوبل للآداب، ورئيس البرلمان السابق البرتغالي خوسيه ساراماغو، الحائز كذلك على جائزة نوبل للآداب، وبي داوو الصيني وهو أحد مؤسسي برلمان الكتاب، والشاعر والروائي برايتن برايتناخ (جنوب أفريقيا)، وكرستيان سالمون (فرنسا)، وفيشنزو كونولو (إيطاليا)، وخوان غويتسولو (اسبانيا).

أقوال بعض الشهود
ومن ضمن روايات الشهود المحايدين على هذه المعركة، قال خوسيه ساراماغو بعد زيارته للمخيم ابّان المعركة: "كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقًا ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم.. أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز.. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الصهيوني تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني".
وقال راسل بانكس رئيس البرلمان العالمي للكتاب: "إن الساعات التي قضيتها في فلسطين حتى الآن حفرت في ذاكرتي مشاهد لن أنساها أبدًا.. عندما اجتزنا الحاجز أحسست بأن الباب أغلق خلفي وأني في سجن"، إن جميع أعضاء الوفد متأكدون أنه سيتم اتهامهم بـ (اللاسامية) خصوصًا في الولايات المتحدة؛ لكن هذا لا يخيفنا، يجب أن نرفض هذا النوع من (الإرهاب الثقافي) الذي يدعي أن توجيه الانتقادات للجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين هو نوع من معاداة السامية".
أما خوان غويتسولو فقد قال: "كيف يفسر حق الدفاع عن النفس بأنه إرهاب، والإرهاب دفاع عن النفس!! إني أستطيع أن أعدد دولًا تمارس الإرهاب، (وإسرائيل) هي إحدى هذه الدول، يجب أن نخرج أنفسنا من الكليشهات، وألا نساوي بين القاتل والضحية، بين القوة المحتلة والشعب الذي يرزح تحت الاحتلال ويقاومه، ونحن ممثلو شعوبنا غير المنتخبين، وعلينا أن ننقل بأمانة ما تشاهده أعيننا، وتحسه قلوبنا".
وعلى لسان تيري رود لارسن منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط: "إن الوضع في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق، إن الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أنحاء المخيم، يبدو كما لو أنه (أي المخيم) تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين يخرجون جثثا من بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره، أنا متأكد بأنه لم تجر عمليات بحث وإنقاذ فعلية".

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن مجزرة جنين
أُعد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تقريرًا بناء على قرار الجمعية العامة المتخذ في 7 مايو/ أيار 2002 والذي طلبت فيه الجمعية من الأمين العام تقديم تقرير عن الأحداث التي وقعت في جنين وفي المدن الفلسطينية الأخرى مستفيدا من الموارد والمعلومات المتاحة، وقد طلبت الجمعية العامة هذا التقرير عقب حل فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة الذي شكله الأمين العام تلبية لقرار مجلس الأمن رقم 1405 (2002) المؤرخ 19 أبريل/نيسان 2002، وأوردنا الجزء المتعلق مباشرة بجنين وملاحظات الأمين العام فقط، وللاطلاع على التقرير كاملا وحيثياته يمكن العودة للمصدر.

توغل الجيش الصهيوني في مدينة جنين ومخيم اللاجئين 3-18 أبريل/ نيسان ‏2002‏
بالرغم من أن الروايات المباشرة المتاحة جزئية ويتعذر التثبت من صحتها وغفل في كثير من الأحيان، فإنه من الممكن عبر مصادر الحكومة الصهيونية والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة وغيرها من المصادر الدولية تتبع تسلسل زمني تقريبي للأحداث التي وقعت داخل مخيم جنين في الفترة من 3 إلى 18 أبريل/ نيسان 2002، فقد استمر القتال نحو 10 أيام وتميـّز بمرحلتين مستقلتين: المرحلة الأولى بدأت في 3 أبريل/ نيسان وانتهت في 9 أبريل/ نيسان، في حين استغرقت المرحلة الثانية يومي 10 و11 أبريل/ نيسان، وحدثت معظم الوفيات على كلا الجانبين في المرحلة الأولى ولكن يبدو أن معظم الأضرار المادية حدثت في المرحلة الثانية.
ادعت السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان بأن قوات جيش الدفاع الصهيوني قامت أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين بارتكاب أعمال قتل غير مشروعة، واستخدام دروع بشرية، واستعمال القوة بصورة غير متناسبة، وبعمليات اعتقال وتعذيب تعسفية، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية، ويشير جنود جيش الدفاع الصهيوني الذين اشتركوا في اجتياح جنين إلى حدوث انتهاكات للقانون الإنساني الدولي من جانب المقاتلين الفلسطينيين داخل المخيم، بما في ذلك تمركزهم في منطقة مدنية مكتظة بالسكان واستخدامهم للأطفال لنقل الشراك المفخخة وربما نصبها.
وفي رواية الحكومة الصهيونية عن العملية، قامت القوات الصهيونية أولا بتطويق مدينة جنين وفرضت سيطرتها على مداخل المدينة ومخارجها وسمحت للسكان بمغادرتها طواعية، وهناك نحو 11 ألف شخص فعلوا ذلك. ووفقا للمصادر الصهيونية فإن القوات الصهيونية اعتمدت في توغلها في المخيم على المشاة بالدرجة الأولى وليس على القوة الجوية والمدفعية في محاولة منها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى أدنى حد ممكن، ولكن روايات أخرى عن المعركة تشير إلى أن عددا يصل إلى 60 دبابة ربما يكون قد استخدم حتى في الأيام الأولى. وتشير المقابلات التي أجرتها منظمات حقوق الإنسان مع شهود إلى أن الدبابات والمروحيات وقوات برية تستخدم أسلحة صغيرة كانت سائدة في اليومين الأولين، وبعدها استخدمت الجرافات المدرعة لتدمير المنازل والهياكل الأخرى لكي توسع الممرات داخل المخيم.
وقامت القوات الصهيونية مستخدمة مكبرات الصوت بحثّ المدنيين باللغة العربية على إخلاء المخيم، وتشير بعض التقارير بما في ذلك المقابلات التي أجريت مع جنود جيش الدفاع الصهيوني إلى أن هذه التحذيرات لم تكن كافية وتجاهلها كثير من السكان، وقد فرّ عدد كبير مـن سكان مخيم جنين من المخيم قبل بدء الاجتياح الصهيوني أو مع بدايته، وغادر آخرون بعد 9 أبريل/ نيسان، وتختلف التقديرات بشأن عدد المدنيين الذين بقوا في المخيم طوال الفترة ولكنه قد يصل إلى 4 آلاف شخص.
وكما جاء في وصف الحكومة الصهيونية "وقعت معركة شديدة في جنين اضطر خلالها جنود جيش الدفاع الصهيوني إلى القتال بين المنازل المفخخة وحقول القنابل في جميع أنحاء المخيم الذي أعدّ مقدما كميدان قتال مفخخ".
وتعترف السلطة الفلسطينية بأن "عددا من المقاتلين الفلسطينيين قاوموا الهجوم العسكري الصهيوني وكانوا مسلحين ببنادق فقط ومتفجرات بدائية"، وقدّم متحدث باسم جيش الدفاع الصهيوني صورة للمقاومة تختلف عن ذلك اختلافا طفيفا، حيث ذكر أن الجنود واجهوا "أكثر من ألف عبوة متفجرة، وعبوات متفجرة حية، وبعض العبوات المتفجرة الأكثر تطورا... مئات من القنابل اليدوية... [و] مئات من الرجال المسلحين".
وتؤيد تقارير حقوق الإنسان الروايات التي تؤكد أن بعض المباني كانت مفخخة من جانب المقاتلين الفلسطينيين، وليس هناك شك في أن جيش الدفاع الصهيوني واجه مقاومة فلسطينية عنيفة، وليس هناك شك أيضا في أن المقاتلين الفلسطينيين في المخيم وفي أماكن أخرى انتهجوا أساليب تشكل انتهاكات للقانون الدولي أدانتها وما برحت تدينها الأمم المتحدة، بيد أن الأمور ما زالت تفتقر إلى الوضوح والتيقن فيما يتعلق بسياسات وحقائق رد القوات الصهيونية على هذه المقاومة.
وتؤكد الحكومة الصهيونية أن قوات جيش الدفاع الصهيوني "اتخذت بصورة واضحة جميع التدابير الممكنة لعدم تعريض حياة المدنيين للخطر" ولكنها ووُجهت بـ"إرهابيين مسلحين تخفّوا عن عمد بين السكان المدنيين"، ومع ذلك فإن بعض جماعات حقوق الإنسان وشهود العيان الفلسطينيين يؤكدون أن الجنود الصهاينة لم يتخذوا جميع التدابير الممكنة لتجنب إصابة المدنيين، بل واستخدموا بعضهم كدروع بشرية.
وبينما توغلت القوات الصهيونية في المخيم، انتقل المقاتلون الفلسطينيون - حسبما تفيد التقارير- إلى وسط المخيم، وتشير التقارير إلى أن أعنف القتال وقع في الفترة ما بين 5 Ùˆ 9 أبريل/ نيسان مما أسفر عن أكبر خسائر في الأرواح على كلا الجانبين، وهناك تقارير تفيد بأنه خلال هذه الفترة زاد الجيش الصهيوني من قصفه بالقذائف من الطائرات المروحية ومن استخدام الجرافات – بما في ذلك بغرض هدم المنازل لدفن Ù…ÙŽÙ† رفضوا الاستسلام تحت أنقاضها حسبما ادعي – كما قام بإطلاق النار "بصورة عشوائيـة"ØŒ وفقدت القوات الصهيونية 14 جنديا، 13 منهم في اشتباك واحد وقع يوم 9 أبريل/ نيسان، ولم تتكبد القوات الصهيونية أية خسائر أخرى في الأرواح في جنين بعد 9 أبريل/ نيسان.
وتشير التقارير الصحفية من الأيام المشار إليها والمقابلات اللاحقة التي أجراها ممثلو المنظمات غير الحكومية مع سكان المخيم إلى أن خمسة فلسطينيين في المتوسط ماتوا كل يوم خلال الأيام الثلاثة الأولى من الغارة وأن يوم 6 أبريل/ نيسان شهد زيادة حادة في عدد القتلى.
وأكد مستشفى جنين وفاة 52 بحلول نهاية مايو/ أيار 2002، كما يقدر جيش الدفاع الصهيوني أيضا عدد الخسائر في الأرواح بنحو 52 شخصا، وقد ادعى أحد كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية في منتصف أبريل/ نيسان أن نحو 500 شخص قد قُتلوا، وهو رقم لم يثبت في ضوء الأدلة التي ظهرت.
ومن المتعذر أن يحدد بدقة عدد المدنيين بين القتلى الفلسطينيين. وقدرت حكومة الاحتلال، أثناء توغل قواتها في المخيم أنه كان هناك "عشرات فقط من القتلى في جنين... وأن الغالبية العظمى منهم كانوا يحملون أسلحة وأطلقوا النار على القوات الصهيونية.
وقد أبلغ مسؤولون صهاينة أفراد الأمم المتحدة بأنهم يعتقدون أن 38 من بين القتلى الـ 52 كانوا من المسلحين و14 من المدنيين. وقد اعترفت السلطة الفلسطينية بأنه كان هناك محاربون من بين القتلى، وقامت بتسمية بعضهم، ولكنها لم تضع تقديرات دقيقة للعدد في كل من الفئتين، وتضع منظمات حقوق الإنسان الخسائر بين المدنيين عند رقم أقرب إلى 20 حيث وثّقت منظمة رصد حقوق الإنسان 22 مدنيا من بين القتلى الذين يبلغ عددهم 52 شخصا، في حين ذكرت منظمة الأطباء المناصرين لحقوق الإنسان أن "الأطفال دون سن 15 سنة والنساء والرجال فوق سن 50 سنة كانوا يشكلون نحو 38% من جميع حالات الوفاة المبلّغ عنها".
وذكر جيش الدفاع الصهيوني في ذلك الوقت أن أساليبه قد لا تتغير "لأن الافتراض الأساسي هو أننا نعمل في حي مدني"، غير أن الروايات الأخرى عن المعركة تشير إلى أن طابع العملية العسكرية في مخيم جنين للاجئين تغير فعلا بعد 9 أبريل/ نيسان 2002، ففي ذلك اليوم قُتل 13 جنديا صهيونيا وجُرح عدد آخر فيما تصفه السلطة الفلسطينية والحكومة الصهيونية على السواء بأنه "كمين خطط له جيدا" ومات الجندي الصهيوني الرابع عشر في مكان آخر من المخيم في ذلك اليوم، مما أوصل خسائر القوات الصهيونية في الأرواح خلال العملية في جنين إلى 23 شخصا.
وفي أعقاب الكمين يبدو أن القوات الصهيونية غيّرت تكتيكاتها من تفتيش المنازل وتدمير بيوت المقاتلين المعروفين إلى توسيع نطاق القصف بالدبابات والقذائف، كما استخدمت القوات الصهيونية الجرافات المدرعة تدعمها الدبابات لهدم أجزاء من المخيم، وتؤكد الحكومة الصهيونية أن "القوات الصهيونية لم تدمِّر المباني إلا بعد أن وجهت نداء عدة مرات للسكان بمغادرة المباني التي لم يتوقف منها إطلاق النار"ØŒ وتدعي إفادات الشهود وتحقيقات منظمات حقوق الإنسان أن التدمير كان عشوائيا وغير متناسب حيث كانت بعض المنازل تتعرض للهجوم من الجرافات قبل أن تتاح الفرصة لسكانها لإخلائها، وتؤكد السلطة الفلسطينية أن قوات الاحتلال "كانت لديها معرفة كاملة وتفصيلية بما يحدث في المخيم عن طريق استخدام الطائرات التي تطير دون طيار والكاميرات المثبتة في بالونات… وأن أيا من الفظائع التي ارتكبت لم يكن غير متعمد".
وشككت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية فيما إذا كان هذا التغيير في التكتيكات متناسبا مع الهدف العسكري ووفقا للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وتدعي رواية السلطة الفلسطينية عن المعركة أنه استخدمت "المروحيات الحربية لإطلاق قذائف (تو) على هذه المنطقة الكثيفة السكان... مدافع مضادة للطائرات قادرة على إطلاق ثلاثة آلاف قذيفة في الدقيقة... وعشرات الدبابات والمركبات المدرعة المزوّدة بمدافع رشاشة… وجرافات بلدوزر لهدم المنازل وشق ممرات واسعة".
وتشير مصادر أخرى إلى الاستخدام الواسع النطاق للجرافات المدرعة والمروحيات الحربية يومي 9 و10 أبريل/ نيسان، وعلى الأرجح حتى بعد أن بدأ القتال يهدأ، وخلال هذه المرحلة حدث معظم الضرر المادي ولا سيما في حارة الحواشين في وسط المخيم التي سوِّيت بالأرض عمليا، ودمِّر تماما الكثير من المساكن المدنية وأصيب عدد أكبر بأضرار بالغة، كما أصيب بأضرار شديدة عدد من المرافق التابعة للأونروا في المخيم بما في ذلك مركزها الصحي ومكتب الصرف الصحي.
وفي غضون يومين بعد 9 أبريل/ نيسان أخضعت القوات الصهيونية المخيم وهزمت ما تبقى فيه من عناصر مسلحة، وفي 11 أبريل/ نيسان استسلم آخر المقاتلين الفلسطينيين في مخيم جنين لقوات جيش الدفاع الصهيوني بعد أن طلبوا وساطة منظمة "بتسالم"، وهي إحدى منظمات حقوق الإنسان الصهيونية التي تعمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، لضمان عدم تعرضهم لأي أذى، ووفقا لمصادر السلطة الفلسطينية، كان من بين مَن استسلموا عدد من قيادات الجهاد الإسلامي وفتح المطلوبين وكذلك ثلاثة أشخاص مصابين وولد عمره 13 سنة.

انتهاء التوغل الصهيوني وعواقبه، 11 أبريل/ نيسان – 7 مايو/ أيار 2002
بينما اقترب توغل جيش الاحتلال في جنين من نهايته برزت طائفة من المشاكل الإنسانية، أو ازدادت سوءا، بالنسبة لأربعة آلاف من المدنيين الفلسطينيين ممن بقوا في المخيم، وتمثلت أولى هذه المشاكل في التأخير المطوّل في الحصول على الرعاية الطبية للجرحى والمرضى داخل المخيم، وعندما بدأت حدة القتال تنحسر، منع جيش الاحتلال سيارات الإسعاف وأفراد الأطقم الطبية من الوصول إلى الجرحى داخل المخيم على الرغم من المناشدات المتكررة الموجهة إليه بتسهيل مرور سيارات الإسعاف ومندوبي المنظمات الإنسانية بمن فيهم مندوبو الأمم المتحدة، وعلى مدى الفترة من 11 إلى 15 أبريل/ نيسان قدمت الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى التماسات إلى قوات الاحتلال وتفاوضت معه من أجل تمكينها من دخول المخيم وبذلت محاولات كثيرة لإرسال قوافلها، دونما طائل، وأُبلغ مسؤولو الأمم المتحدة الذين زاروا قيادة جيش الاحتلال في 12 أبريل/ نيسان بأنه سيسمح لموظفي المساعدة الإنسانية التابعين للأمم المتحدة بالوصول إلى السكان المتضررين، غير أن هذه الإمكانية لم تتحقق على أرض الواقع ولم تسفر عدة أيام من التفاوض مع كبار المسؤولين في جيش الاحتلال وموظفي وزارة الحرب الصهيونية عن تأمين إمكانية الوصول الضروري رغم ما قدموه من تأكيدات مخالفة لذلك.
وفي 18 أبريل/ نيسان انتقد كبار موظفي الأمم المتحدة بشدة إسرائيل للطريقة التي تعالج بها وصول المساعدة الإنسانية في أعقاب المعركة، وخاصة رفضها تسهيل إمكانية الوصول الكامل والآمن إلى السكان المتضررين، منتهكة التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
وجهزت الأونروا عملية كبيرة لإيصال الأغذية والإمدادات الطبية للاجئين المعوزين الذين كانوا قد فروا من المخيم، وإلى مستشفى جنين، غير أنه لم يسمح لها بدخول المخيم، وزاد حدة الأزمة الإنسانية تفاقما قيام قوات الاحتلال منذ أول يوم من أيام الهجوم بقطع التيار الكهربائي عن المدينة والمخيم، ولم يُستعد التيار الكهربائي إلا في 21 أبريل/ نيسان.
وتضمنت العديد من تقارير جماعات حقوق الإنسان روايات عن انتظار مدنيين جرحى عدة أيام من أجل الحصول على المساعدة الطبية، وعن رفض الجنود الصهاينة إتاحة حصولهم على العلاج الطبي. وفي بعض الحالات توفي أناس نتيجة لهذه التأخيرات. وبالإضافة إلى الأشخاص الذين أصيبوا بجراح في أثناء القتال، عانى أيضا سكان مدنيون في المخيم وفي المدينة من نقص الدواء وتأخر الحصول على العلاج الطبي للحالات التي كانوا يعانون منها قبل العملية العسكرية. وعلى سبيل المثال أفيد في 4 أبريل/ نيسان بأن 28 مريضا بالكلى في جنين عجزوا عن الوصول إلى المستشفى لعمل الغسيل الكلوي.
وبدا أن تشغيل مستشفى جنين الذي يقع خارج المخيم مباشرة قد تعرّض لإرباك خطير من جراء عمليات جيش الدفاع الصهيوني بالرغم مما جاء في بيانات الجيش بأن "المستشفى لم يمسّه شيء"، فقد تأثرت بشدة إمدادات المستشفى من الكهرباء والمياه والأوكسجين والدم بسبب القتال وما تلاه من انقطاع في الخدمات، وفي 4 أبريل/ نيسان أمر جيش الاحتلال جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن توقف عملياتها وأغلق أبواب المستشفى، وأفاد العاملون بالمستشفى بأن القذائف والأعيرة النارية أصابت المعدات بأضرار جسيمة في الطابق العلوي بالمستشفى، وأن مريضين على الأقل قضَيَا بسبب الضرر الذي لحق بإمدادات الأوكسجين. ولم يسمح لأي من الفلسطينيين الموجودين بالمستشفى بمغادرته حتى 15 أبريل/ نيسان.
ويبدو أنه بالإضافة إلى منع وصول الإسعاف، استهدف جيش الدفاع الصهيوني في بعض الحالات أفراد الأطقم الطبية، ففي 4 مارس/ آذار قبل التوغل في جنين قُتل رئيس خدمات الطوارئ الطبية التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني في جنين بقذيفة أطلقتها دبابة صهيونية على سيارة الإسعاف التي كان يستقلها والتي كانت تحمل العلامة الواضحة لسيارات الإسعاف، وفي 7 مارس/ آذار قتل موظف في الأونروا عندما أطلق جنود صهاينة عدة عيارات نارية على سيارات إسعاف تابعة للأونروا كان يستقلها بالقرب من طولكرم بالضفة الغربية، وفي 3 أبريل/ نيسان أفيد بأن ممرضة فلسطينية تعرضت لإطلاق النار داخل مخيم جنين من جانب جيش الاحتلال رغم أنها كانت ترتدي زي الممرضات، وفي 8 أبريل/ نيسان أطلقت النيران على سيارة إسعاف تابعة للأونروا أثناء محاولتها الوصول إلى رجل جريح في جنين.
وقد دأبت حكومة الاحتلال على توجيه اتهام مؤداه أن المركبات الطبية تستخدم لنقل الإرهابيين، وأن المباني الطبية تستخدم لتوفير الملجأ لهم، واستلزم ذلك، وفق ما أعلنته قوات الاحتلال، إخضاع إيصال المساعدة الإنسانية لقيود صارمة، كذلك فإنه في حالة مخيم جنين بالذات عزا المتحدثون باسم الاحتلال هذا المنع إلي ضرورة تطهير المخيم من الألغام المفخخة بعد أن خفّت حدة القتال، وقال متحدث أيضا: "إن الفلسطينيين يرفضون في واقع الأمر عروضنا بتقديم المساعدة الإنسانية لهم" وإن "أي شخص يحتاج إلى المساعدة يحصل عليها"، وثمة توافق في الرأي بين موظفي المساعدة الإنسانية الذين كانوا موجودين في الميدان بأن التأخيرات عرّضت للخطر حياة كثير من الجرحى والمرضى داخل المخيم.

(المصدر: موقع فلسطيننا)