والدة الأسير أحمد.. 12 عاما من الاعتقال بصورة واحدة

تزينت بأناقة لباسها التي اكتملت بثوبها الفلسطيني وبالكوفية التي تتدلى على صدرها... وبملامح وجهها المغمور بالحزن والسعادة استقبلتنا ...التقطت صورته ليخبرنا بريق الأمل الذي في عيونها أن ظلم السجان لا يدوم مهما طال.. لا تريد والدة الأسير "احمد سليم" من مدينه سلفيت إظهار لوعة فراقه عنها، لتصرخ بصبر وعزيمة "اصبر فلا بد للقيد أن ينكسر".
جلست مقابلنا بابتسامة وهي تحتضن صورته، وما تخفيه عن ابنها عند كل زيارة لم تسطع إخفاءه أمامنا، فسرعان ما تحولت ابتسامتها إلى ارتعاشه باهتة، تتأرجح بين الحسرة ولوعة الفراق تحت وطأة أنين قلب الأم الذي غرسه الاحتلال، لتبدأ حديثها بحرقة شديدة عن ابنها الأسير احمد قائلة": أشتاق لأحمد كثيرا، لم تذهب صورته عن مخيلتي، أتذكره في كل شيء وفي كل مكان ولكن لم أجده إلا خلف القضبان، فلولا الأمل لما واصلت حياتي كما هي، فحرمان الاحتلال من احمد منذ عام 2001 كسرني وجعل من قلبي نارا مشتعلة لا تنطفئ أبدا، صمتت واحتضنت صورته إلى صدرها بقوة وكأنها تحاول إطفاء حرقة ولوعة فراقه عنها.
أغمضت عينها وأخذت نفسا عميقا لتستجمع قواها، لتواصل حديثها ":في يوم اعتقاله كنا في أواخر شهر رمضان، وكالعادة كان يخرج بعد الفطور للسهر مع أصدقاءه، وفي الليلة السوداء التقى بأصدقائه في الساحة العامة للسهر، ليفاجئهم مجموعة من القوات الصهيونية الخاصة وقاموا بإطلاق النار عليهم ليتم إصابته بعدة إصابات بحوضه وقدميه ،وبنبرة صوتها الحزين تكمل: سمعنا اطلاق النار ولم نكن نعرف أن أحمد وأصدقاءه هم المستهدفين، دقائق لينتشر الخبر بإصابتهم واعتقالهم، وما أصعبها من لحظات بكينا وصرخنا ولكن ..".
انهمرت الدموع من مقلتيها فلا يسمع إلا صوت دقات قلبها التي تئن متألمة ليخرج الصوت ضعيفا لتكمل قائلة": تم نقل احمد إلى سجن صهيوني بعد أن اعتقلوه لعلاجه واستخراج الرصاص من جسده ليتم علاجه بوضع "بلاتين وسياخ" في قدمه وحوضه، وبعدها ليكون الحكم عليه بمؤبدين و25 عاما، أمضى 12 عاما داخل القضبان، وعمره الآن 32 عاما،" اختلطت دموعها بابتسامة لتقول ":لم أحتضن أحمد إلا مرة واحدة منذ 12 عاما عند التصوير معه فما أجملها من لحظات ,والتي لم أنساها لغاية الآن، رائحته ما زالت في مخيلتي وصوت أنفاسه ما زالت تحتضن أنفاسي، وما أجمله من إحساس، لا أريد تركه، أبعدونا حراس السجن عن بعضنا بالقوة، صمتت وكأنها تتذكر تلك اللحظات".
وبشهقة عادت لتتابع عن معاناتهم مع الاحتلال قائلة": لم يقف الحال عند اعتقال وحرماننا من احمد، ليتم هدم منزلنا بعد اعتقاله بثلاثة أيام، فقاموا الجنود باقتحام المنزل وعاثوا فيه فسادا، أخرجونا بالقوة لينسفوه رأسا على عقب، لتكون الغصة والألم في قلوبنا، فلم يحتمل والد احمد ما حدث لنا ليأتيه القدر ليفارق الحياة دون رؤيته ووداعه."
وبدون توجيه سؤال لها أشارت على لباسها قائلة ":اتدرين لماذا ارتدي هذا الثوب الفلسطيني المطرز لأن احمد يستشعر قوته من خلال ارتداءه، وكل زيارة أرتديه ليستمد قوته منه، أحاول أن أكون قوية عند زيارته فأمسك دموعي إلى أن انتهي من زيارته التي تكون لدقائق معدودة بعد يوم شاق، والتفنن في إهانتنا من قبل جنود الاحتلال والسجانين، علاوة على ذلك التفتيش العاري الذي نتعرض له كل فترة من قبل المجندات بحجج واهيه، بالرغم من احتجاجنا ولكن لا حياة لمن تنادي، فإذا كان القاضي هو الجلاد لمن نشتكي غير لله".
بالرغم من كل هذا فإن والدة الأسير احمد لا تنفكّ عن ترديد كلمات الحمد والرضى بما كُتب لهم من ألم ومعاناة بسبب اعتقال وتغييبه عنهم لتتابع قائلة": بالرغم من حجم الضريبة التي دفعها احمد وجميع الأسرى في سبيل الوطن إلا أننا سنبقى صامدين وأنّ الله يمنّ علينا بالصبر، ويبقى الأمل برؤية أبناءنا خلف القضبان مهما طال الزمان، وتنهي حديثها قائلة": أطالب الرئيس محمود عباس ووزير الأسرى عيسى قراقع والمسؤولين بإعطاء قضية الأسرى أهمية وان تكون على سلم الألويات، وعدم إهمالها، ولا نريد خطب وفعاليات ومهرجانات التي تكون مخجلة في كثير منها، نريد وقفة جديه تليق بالأسرى وبمعاناتهم، ويبقى أمل والدة الأسير احمد باحتضانه مرة أخرى معلقا، ليبقى السؤال هل ستحظى بقدر احتضانه مرة أخرى خلف القضبان..!!؟؟

(المصدر: وكالة معا، 17/04/2014)