الأسرى المضربون: عندما يكون الموت أهون ألف مرة من الاعتقال الإداري!!

لازال الأسرى الإداريون يخوضون معركة الجوع منذ حوالي شهر ضد سياسة الاعتقال الإداري التعسفي بحقهم، وقد دخلوا مرحلة الخطر الشديد بعد 27 يوما من إضرابهم المفتوح.
رائحة موت وجريمة منظمة ورسمية تحيط بهم من كل اتجاه ، فهم معزولون تماما عن العالم وفي سجون وخيام وزنازين بائسة لا رائحة للحياة الإنسانية فيها، انهارت أجسادهم، وبدأوا يفقدون الوعي وعدم القدرة على الحركة ومعاناة شديدة لا تطاق.
في رسالتهم الأخيرة قالوا: أن الموت أهون ألف مرة من الاعتقال الإداري الذي ليس أكثر من حكم جائر بالمؤبد وعلى مراحل وبالتقسيط، وهو العدو المجهول لأي أسير يعتقل تحت طائلة هذا القانون الذي تستخدمه حكومة الاحتلال لأسباب انتقامية وسياسية.
لأول مرة منذ عام 1967 يخوض الإداريون إضرابا جماعيا موحدا ضد سياسة الاعتقال الإداري بعد أن هيأت سلسلة إضرابات فردية ضد هذه السياسة لهذه الخطوة التي تعتبر ذات مدلول استراتيجي وقانوني ونوعي، كونها موجهة ضد تشريع صهيوني بائد وأحد أدوات السيطرة على الشعب الفلسطيني.
وإذا سقط قانون الاعتقال الإداري فإن هذا يفتح الصندوق الأسود للتشريعات الصهيونية العنصرية والقوانين والإجراءات التعسفية الكثيرة التي تطبقها حكومة دولة الاحتلال على الأسرى، وتنتهك بذلك كافة الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإنسانية.
الإضراب موجه نحو قانون احتلالي وجدت فيه دولة الاحتلال وسيلة سهلة لاعتقال أي مواطن فلسطيني دون تهمة أو محاكمة عادلة، وإبقاءه في السجن بشكل مفتوح ووفق أرادة جهاز المخابرات الصهيوني وما يسمى الملف السري ، بحيث لا يعرف الأسير لماذا هو معتقل ومتى سوف يفرج عنه، بكل ما يعني ذلك من تعذيب شديد واحتجازه رهينة سياسية إلى وقت غير معلوم.
لقد استخدم الاعتقال الإداري سيفا مسلطا على رقاب الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، وحسب الإحصائيات فإن 23 ألف أمر اعتقال إداري صدر منذ عام 2000 وشمل ذلك أكثر من 60 نائبا منتخبا في المجلس التشريعي، وأن نسبة تجديد الاعتقال وصلت إلى 35 % من مجموع الإداريين المعتقلين حاليا وعددهم 200 معتقل.
واضح أن حكومة الاحتلال قررت ارتكاب جريمة بحق المضربين عندما بدأت تجري تدريبات داخلية في السجون تهيئ نفسها لموت فجائي لأحد المضربين، وما ابلغه مسؤول الاستخبارات في إدارة السجون الصهيونية للجنة قيادة الإضراب بأنهم سيتركونهم حتى الموت أو محاولات سن قانون لإجبار الأسرى على تناول الطعام بالقوة وكل هذا يطلق أسئلة الفاجعة القادمة إلى كل المؤسسات الدولية والحقوقية والى الأمم المتحدة وقداسة البابا الذي سيزور فلسطين قريبا عن مدى قربهم على وقف كارثة إنسانية سيذهب ضحيتها أسرى يدافعون عن حقوقهم وإنسانيتهم وحقهم بالحياة والحرية.
عندما يصف الأسرى المضربون حالتهم الصعبة، وهم يسقطون فاقدي الوعي، ولا يستطيعون الوقوف أو الذهاب إلى الحمام، انخفاض في أوزانهم وفي دقات القلب، خدران في أطرافهم وآلام شديدة من الرأس حتى أخمص القدمين ، ليس معهم سوى الملابس والصبر والإيمان أمام جلادين ينتظرون سقوطهم موتى، حينها لا لون للصلاة في كنيسة المهد، ولا معنى للحديث عن المحبة والسلام ، وقد التقى الجميع من السياسي إلى الديني في جنازة أو جنازات والصلاة واحدة.
حكومة الاحتلال تراهن على الوقت، والزمن يمضي والأجساد تذوب، وأمهات الأسرى الحاملات صور أبنائهن ينكمشن في خيام التضامن ويحدقن في شعار الصليب الأحمر ، وينظرن إلى السماء طويلا، وهل رأى أحد تلك الدموع الناشفة وتلك الصورة لأسير حي يصارع السجان والقيد من أجل الحياة.
هي إرادة حرية وثورة حياة، شعار المضربين عن الطعام التي تجاوزت مطالبهم مجرد مطالب حياتية أو معيشية وقفزت نحو المساس بقوانين حربية واحتلالية، واقتربت من تحريك نصوص اتفاقيات جنيف الرابعة وقرارات الأمم المتحدة ووجهتها نحو سجون الاحتلال حيث يحتجز البشر هناك بعيدا عن النص والقانون والعدالة الإنسانية.
الآن، وعقارب الساعة بطيئة في حياة المضربين، الشبابيك مغلقة، الأجساد جافة، فإن العالم بكل مكوناته القانونية الإنسانية الحقوقية والدينية أمام امتحان الحياة، فإما أن تطل الحياة على الأسرى، وإما أن يعلن هذا العالم هزيمته أمام دولة بوليسية قررت أن تكون فوق القانون وترتكب الجريمة علنا وتحت غطاء القانون.

(المصدر: صحيفة القدس، 20/05/2014)