عملية جسر الموت النوعية

القدر أن يقف الفلسطينيون وحدهم مودعين ووحدهم الشهداء والشاهدين.. وحدهم في المخيمات ووحدهم في المواقع.. ووحدهم في فلسطين.. ووحدهم خارج فلسطين.. ووحدهم الذين يصمدون في وجه الزحف.. ووحدهم الذين يستشهدون دفاعاً عن الجدار الأخير للأمة.. ووحدهم الذين يرابطون ويصمدون ويذبحون.. فيا وحدنا..!!
أيها الشهداء بالأمس كنتم بيننا واليوم ترحلون وإخوانكم عنا.. ورسالتكم الأخيرة هي دمكم كما كل الشهداء وتنتظرون جوابنا دمنا.. هي فلسطين.. القدس.. والقدس جوهر التاريخ والتحدي.
أيها الإخوة الشهداء ترحلون عنا ولا ندري من سيرحل بعدكم.. فدمنا مفتوح على كل الجبهات.. فها هوالعدو يلاحقنا واحداً تلوالآخر في شوارع وأزقة وكهوف وطننا المبارك.. ها هو يفتش ما بين جلدنا ولحمنا بحثاً عن مقاوم.. وها هو يختال مغروراً في أرضنا وسمائنا وبحرنا، فليس من عوائق تمنعه من الوصول لمخادع نومنا من المحيط إلى الخليج.. ولكن نطمئنكم أننا سنبقى نقاوم ولن ننكسر ..إنها روح الإسلام التي لن تنكسر.. روح الإسلام الخالدة.
 
(عملية جسر الموت).. نفذها الاستشهاديان يحي أبو طه من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي و طارق ياسين من كتائب الأقصى- فلسطين فوق الجسر الواصل بين مستوطنات غوش قطيف بالقرب من حاجز أبو هولي بدير البلح والذي أقامه العدو الصهيوني قبل الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 من أعقد العمليات التي شهدتها المستوطنات الصهيونية التي كانت تحيط بقطاع غزة قبل الانسحاب منها وأكثرها تعقيدا.
عملية جسر الموت لن ينساها قادة الاحتلال، حيث كان الشرف لأبطال المقاومة الفلسطينية في تمريغ أنف قادة الأمن الصهاينة من خلال توجيه ضربة قوية للأمن الصهيوني الذي بات ألعوبة في يد المقاومين الأشاوس.
وقد شكلت العملية التي بدأت أحداثها مساء السبت 23-7-2005 وانتهت فجر اليوم التالي ضربة قاصمة لنظرية الأمن الصهيونية، حيث احتاج تنفيذ المهمة لقدرات وامكانيات كبيرة مثلها الجهد الجماعي والتخطيط المميز من قبل قادة سرايا القدس وكتائب الأقصى .
 
أحد أبرز قيادات سرايا القدس كان شاهداً على هذه العملية ومتابعاً لتفاصيلها المثيرة التي رواها للإعلام الحربي لسرايا القدس..
 
بداية الفكرة

بدأت فكرة تنفيذ العملية على جسر الموت الرابط بين مستوطنات الاحتلال ووسط قطاع غزة بعد أن ساء زمرة من أبطال المقاومة الفلسطينية مشهد العذاب الذي يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني على حاجزي المطاحن وأبو هولي بسبب هذا الجسر الذي كان مخصصا لمرور قوافل جنود الاحتلال ومستوطنيه.
الشهيد/ محمد الشيخ خليل قائد سرايا القدس في جنوب قطاع غزة عرض على قادة من كتائب الأقصى فكرة عملية معقدة تتم فوق الجسر وطلب من قيادة الكتائب ترشيح استشهادي وإعداده للمهمة.
عملية رصد الهدف و تصويره ورفع التقارير للقيادة المشتركة استمرت لأكثر من شهرين، لأن المنطقة مرعبة وتضاريسها صعبة للغاية ومحاطة بالأبراج العسكرية، لذلك ارتأت القيادة التروي وعدم التسرع في وضع الخطة بشكلها النهائي، وبعد انتهاء فترة الرصد اجتمعت القيادة الثلاثية وأعطت الموافقة على تنفيذ العملية على الجسر.
تم اختيار يحي أبو طه من سرايا القدس ويسكن في مدينة رفح و طارق ياسين من كتائب الأقصى و يسكن حي الزيتون جنوب مدينة غزة لتنفيذ المهمة بدقة متناهية، لأن العملية تحتاج للياقة بدنية عالية وسرعة حركة منقطعة النظير.
كما تم إعداد مجسم في منطقة تدريب الاستشهاديين شبيه بمنطقة العملية وهو عبارة عن تلة رملية يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار على شكل التلة التي تحد الجسر من الجهة الجنوبية، حيث كان على منفذي العملية صعود التلة والركض بسرعة لمسافة سبعين مترا في فترة زمنية قصيرة جدا، وتلقى الاستشهاديان تدريبات مكثفة على القنص والرماية واقتحام مواكب و سيارات العدو وإطلاق النار عليها لإيقاع أكبر عدد من القتلى بين الجنود والمستوطنين، إلى جانب تدريبات اللياقة البدنية المكثفة صباح مساء و جلسات التثقيف الديني المستمرة.
 
تجهيز الاستشهاديين

جهز القائد الشهيد محمد الشيخ خليل الاستشهاديين وقام بعملية تدريب متواصلة منها الياقة البدنية.
وكانت الروح القتالية العالية والإصرار والعزيمة لدى الاستشهاديين لتنفيذ مهمة شاقة ومعقدة كعملية جسر الموت.
وواصل القيادي: في أي عملية استشهادية يكون لدينا مجموعة استشهاديين يتم اختيار منفذي العملية فتم اختيار المنفذين، و كان التدريب قاس جدا وكان حلمهم هو قتل أكبر عدد من جنود و مستوطني الاحتلال قبل استشهادهم و عدم الوقوع كفريسة سهلة، فامتازوا بالقدرة العالية على التخفي والحركة السريعة.
لقد خرج الشهيد المجاهد ورفيق دربه "طارق ياسين" عدة لمعاينة مكان العملية قبيل تنفيذها بيوم واحد وشاهده صورا عدة مرات حتى تتم العملية بنجاح دون وجود أي ثغرات.
 
طرائف..!
ومن الطرائف التي حدثت أثناء اختيار الاستشهادي طارق ياسين أن القائد محمد الشيخ خليل عندما رآه للوهلة الأولى استغرب بشدة و قال: لا أظن أن هذا الشخص يصلح لتنفيذ العملية" و كان السبب في ذلك أن طارق كان قد أصيب بعدة رصاصات في الحوض واليد أثناء تنفيذه عملية استشهادية مشتركة في مستوطنة نتساريم سببت له بعض المشاكل الصحية وأثرت خاصة على لياقته البدنية.
ولكن بعد أن رأى الشهيد الشيخ خليل الروح القتالية العالية والإصرار والعزيمة لدى طارق اقتنع أن هذا الشخص هو فعلا المناسب لتنفيذ مهمة شاقة ومعقدة كعملية جسر الموت.
في أي عملية استشهادية يكون لدينا مجموعة استشهاديين يتم اختيار منفذي العملية من بينهم، وطارق أثر بطريقة إلهية على قائده واقنعه بأنه جدير بالقيام بأي مهمة تأخذ طابعا قتاليا وتتطلب لياقة بدنية، فتم اختياره للعملية، وكان التدريب قاس جدا لدرجة أن طارق كان يخفي آلامه ويحمل على جراحه ويؤدي دوره التدريبي على أكمل وجه، لأنه كان يحمل حلما يريد أن يحققه وهو قتل أكبر عدد من جنود ومستوطني الاحتلال قبل استشهاده وعدم الوقوع كفريسة سهلة، فامتاز بالقدرة العالية على التخفي والحركة السريعة، فكان دائما يقول: أنا لن أستشهد بسرعة وستجدون مشقة في التعامل معي أثناء تنفيذ العملية، وحدث ذلك بالفعل خلال المهمة.
ومن طرائف التدريب أيضا أن طارق و يحي أثناء صعود التلة خرج عليهما ثعبان كبير فمرا من فوقه دون الاكتراث له وأكملا التدريب و كأن شيئا لم يحدث.
 
لحظة الصفر
قبل الانطلاق للعملية بأربع و عشرين ساعة أوصينا الاستشهاديين بزيادة احتياطاتهم الأمنية وكتابة وصيتهما وتوديع أهلهم بنظرات العين فقط حفاظا على السرية، وتم رصد الهدف الرصد الأخير على مدار الساعات الأربع والعشرين.
وقبل نقطة الصفر تم تأمين منفذي العملية في منطقة سرية، وراجعت القيادة معهما تفاصيل الخطة ونقاطها الحساسة، وتم تزويدهم بأجهزة خلوية للاتصال و متابعة التنفيذ معهم من غرفة العمليات المشتركة.
في تمام الساعة العاشرة من مساء السبت 23-7-2005 تحركت السيارة التي كانت تقل الاستشهاديين باتجاه الهدف، وعند الوصول إلى نقطة معينة لا يمكن للأبراج العسكرية ملاحظة المنفذين فيها قفز يحي وطارق من السيارة أثناء سيرها- لم تتوقف السيارة- وتمكنا من اجتياز أصعب مرحلة في العملية وهي الوصول للتلة الرملية وأخذ مواقع آمنة دون أن يشعر بهما أحد.
كمن الاستشهاديان تحت الجسر لأكثر من ساعتين قبل بدء التنفيذ لأن الأوامر لديهم ألا يتحركوا من كمينهم لأي سبب من الأسباب، و كان الاتصال بينهما و بين الغرفة مستمرا لحظة بلحظة.
في هذه الأثناء بدأت المرحلة الثانية من العملية و هي قيام وحدة الإسناد المشتركة بإطلاق نيران قنص باتجاه الأبراج العسكرية الصهيونية المحيطة بالجسر لخلق حالة من الإرباك في صفوف الجنود مكنت طارق و يحي من أخذ مواقعهم بشكل أفضل، وانتظار الهدف المخطط له وهو قوافل المستوطنين.
 
ومن الطرائف التي حصلت أثناء اشتباك وحدة الإسناد مع الأبراج العسكرية أن قوات الاحتلال أغلقت الحاجز أمام المواطنين، وركز الجنود والتعزيزات التي حضرت للمكان على الاشتباك مع وحدة الإسناد في منطقة بعيدة عن مكان طارق ويحي فكانت منطقة المهمة أكثر أمانا للاستشهاديين.
بعد الساعة الثانية عشرة انسحبت وحدة الإسناد و بدأت الحركة تعود إلى الجسر بشكل طبيعي، وعند الساعة 12:10 أعطت وحدة الرصد إشارة بأن سيارة مستوطنين ستصل إلى مرمى طارق ويحي خلال أربعين ثانية، وهي الفترة الزمنية التي يحتاجها المهاجمان لوصول الجسر، وبالفعل كان التوقيت موفقا، فتزامن وصول السيارة تماما مع وصول الاستشهاديين إلى المنطقة التي ستبدأ منها الرماية وأعطيت التعليمات بالهجوم، فأطلق المجاهدان النار باتجاه السيارة وأرديا من فيها قتلى قبل أن يرجعا إلى الكمين.
حضر للمكان جيب عسكري اشتبك مع يحي وطارق اللذين أكدا أنهما تمكنا من تطهير من بداخله.
بعد ذلك تحركت قافلة مستوطنين باتجاه المكان فتمكن الاستشهاديان منها أيضا بسهولة، وكل هذه الأحداث تمت في غضون ساعة، أطلقت خلالها الدبابات والطائرات قذائفها و صواريخها في المكان بكثافة، إلى جانب النيران المكثفة من أبراج المراقبة.
بعد الجولة الأولى تحركت مجموعة الإسناد وأطلقت دفعة جديدة من الصواريخ والرصاص و قذائف الأ ربي جي على مواقع العدو لإعطاء المجاهدين قدرة على المناورة والتحرك.
 
معركة جديدة
بعد ساعتين تقريبا من العمل النوعي انقطع الاتصال بيحيى أبو طه في إشارة إلى ارتقاءه شهيدا، بينما تمكن طارق ياسين من أخذ موقع متقدم يتابع من خلاله تحركات المستوطنين.
خيم الهدوء على المنطقة واعتقد جنود العدوان العملية انتهت، بينما كان طارق يكمن في عرينه، و حضرت سيارة إسعاف صهيونية إلى المنطقة لنقل الجرحى، كان ذلك عند الساعة الخامسة فجرا تقريبا، عندها خرج طارق من عرينه وانقض على سيارة الإسعاف لتبدأ معركة جديدة، فأردى طارق من بسيارة الإسعاف بين قتيل و جريح.
الغريب في الأمر أن الاتصال انقطع مع طارق بعد آخر جملة قالها: أنا الآن في موقع أرى من خلاله المستوطنين و لا يروني" و من ثم أغلق الهاتف النقال لدواعي يبدو أنها أمنية مع أننا كنا على يقين بأنه لم يستشهد بعد، حيث ارتقى بعد الساعة الخامسة من فجر الأحد 24-7-2006، فحصل ما أراد طارق، ألا يكون فريسة سهلة للصهاينة.
العملية حققت نجاحا جيدا واعترفت القناة العشرة العبرية بسقوط ستة قتلى صهاينة من بينهم ضابط بحرية، وخمسة جرحى بينهم عامي شكيد مسئول أمن مستوطنات غوش قطيف.
وأغلقت قوات الاحتلال الطريق بعد العملية لمدة يومين، و لم نتمكن من دفن طارق الذي كانت جثته ترقد في مشفى ناصر بخان يونس إلا بعد فتح الطريق والتنسيق مع الأمن الفلسطيني.

(المصدر: موقع سرايا القدس، 6/8/2011)