الشهيد امتياز مرتجى: المنتقم لدماء شهداء الحرم الإبراهيمي

كانت الانتفاضة الأولى لا تزال في أوجها والصهاينة يبذلون جهوداً مضنية ومستميتة للقضاء على جذوتها المستعمرة.. ولكن هيهات فقد أصبحت الانتفاضة على جدول أعمال الجميع حتى الأطفال الذاهبون إلي مدارسهم.. مما زاد من شراسة المحتل الصهيوني من أجل وقفها، فواجهوها بحقدهم وعلهم ومكرهم، فقام المجرم "باروخ غولدشتاين" بارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف بتاريخ 15 رمضان 1415هـ الموافق 25-2-1994م في مثل هذا اليوم، والتي ارتقى فيها (25) شهيداً، وعندما خرجت مدينة الخليل لتودع شهداءها قتل جنود الاحتلال خمسة وعشرين آخرين، ليصل العدد لخمسين شهيداً في يوم واحد بالإضافة لمئات الجرحى.

بطولة وإقدام
وفي تلك الأجواء تحولت كل شوارع وأزقة مدن ومخيمات وقرى فلسطين إلى ساحة حرب دامية بين المواطنين الفلسطينيين العزل إلا من إيمانهم، وبين المحتلين الغاصبين أعداء الدين والأمة.. حيث كان شهيدنا الفارس امتياز مرتجى، يشاهد بأم عينيه بشاعة المجزرة الصهيونية بحق أهله وإخوانه في مدينة الخليل وكل فلسطين، وشاهد غزة العزة والكرامة وهي تخرج عن بكرة أبيها لترشق الاحتلال بالحجارة كما يرشق المسلمون في الحج إبليس الرجيم، فقرر أن يكون رده لمقولته الدائمة: "تقديم الواجب على الإمكان".. وانسل بسكينه المقدسة باتجاه المكان الذي سيحط فيه رحله للمرة الأخيرة، حتى يفوز بحب الله والجنة. وما هي إلا لحظات حتى تمكن من طعن جندي صهيوني في رقبته، وقبل أن يستدير ليطعن آخر باغته جندياً برصاصة من جبان مرتجف.. لترتسم البسمة التي لم ترتسم على شفتيه من قبل، وهو يحتضن الوطن بذراعيه ويضمه إلى صدره ليرويه بدمه الطاهر لينال ما تمناه.. بينما كان الجندي الصهيوني الذبيح بضربة مجاهدنا امتياز يصرخ ويولول ويستغيث بأمه كي تنقذه من الموت.. فيما كان شهيدنا مرتجى يودع أمه وأبيه وأهله وهو يعلم أنه سيلتقي بهم مرة أخرى في جنات النعيم في جميعاً، مستقر رحمة الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ميلاده ونشأته الإيمانية
الشهيد امتياز مرتجى قد بزغ فجر ميلاده بحي الشجاعية (قلعة الجهاد الإسلامي) في عام ١٩٧٧، حيث تميزت طفولته بالهدوء والبراءة، وتلقى الشهيد امتياز - رحمه الله - تعليمه الابتدائي بمدرسة حطين وأنهاها بتفوق واضح، ومن ثم التحق بالمرحلة الإعدادية، وكان في هذه الفترة من حياته قد ارتبط بالمسجد ارتباطاً وثيقاً، والذي كان يشغل حيزاً كبيراً من حياته.. وكان الشهيد امتياز يقرأ القرآن في حلقات مع إخوانه من الذاكرين لله آناء الليل وأطراف النهار، ويستمع إلى الندوات العلمية من الوعاظ والمثقفين، ويحضر الندوات الفكرية التي تفتح عقل الشاب المسلم وتبرز له مساوئ الاحتلال وخطورته على الأمة الإسلامية، وتوضح كيفية مواجهة مخططاته العدوانية تجاه شعبنا.. وقد تأثر بهذه الأجواء مما نمّى لديه الوعي بمجريات الحياة السياسية، وكانت الانتفاضة المجيدة أصدق دليل على بشاعة الاحتلال وجبروته، رغم أن شهيدنا لم يكن بحاجة إلى دلائل إضافية، فالواقع الذي يراه ماثلاً أمام عينه؛ ولأنه على قناعة تامة بأن اليهود هم أعداء الإسلام على مر التاريخ، وأن دورهم كان بمحاولة زعزعة استقرار البلدان الإسلامية دائماً مقترناً والسيطرة على خيراتها بالقوة والمكر والدهاء.. كان بأخلاق الإسلام الحنيف، هكذا كان شاباً يافعاً، ومهذباً، ملتزماً ورقيقاً".. بالضبط الشهيد امتياز كما حدثنا العديد من أهله ورفاقه، كذلك امتاز الشهيد مرتجى بصفات حميدة أهلته بالفعل لأن ينال شرف الشهادة بهذه الكيفية العالية، فقد كان يتمتع بحسن الخلق، وطيبة القلب، والرحمة بالضعفاء، والشدة على البغاة والمعتدين، لأهله وجيرانه وأبناء محباً مسجده، في ميدان المواجهة والتصدي.. وفي بيته عرف امتياز ببره حاضراً دائماً بوالديه وطاعته لهما، بمتابعة دروسه، على قراءة القرآن بتفكر وملتزماً ومنكباً وإمعان، فمنحه القرآن أحد كنوزه، فصاحة في اللسان، وقدرة على الإقناع مستمدة من كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى الابتسامة التي لم تفارق وجهه المشرق حتى لحظة استشهاده.

شعاره.."الله ربي والإسلام ديني"
كان انتماؤه أولا وأخيراً إلى الإسلام العظيم، وكان ولاؤه لله عز وجل دون أحد من البشر، ثم مع كل المخلصين والشرفاء من أبناء شعبه، والمخلصين لدين الله عز وجل من أمته مهما اختلفت جنسيتهم، ولأجل هذه الخصال الطيبة؛ فقد التحق شهيدنا بصفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حيث تأثر بفكرها المستنير ووعيها وفهمها لطبيعة المرحلة، ورغبتها الصادقة في "تقديم الواجب رغم قلة الإمكان".. انطلق الشهيد امتياز في رحلته نحو وجه الله الكريم مع زمرة من الشباب الصادقين الذين ما لبث عدد كبير منهم أن ارتحل إلى وجه الله ربه مع الصديقين والأبرار على درب الانتفاضة الربانية التي اشتعلت على أرض فلسطين، محبا لإخوانه فكان يشاركهم جلساتهم الإيمانية لتعميق الجانب العقائدي في نفسه أكثر، فكان ممن تأثر بصحبتهم كثيرا الشهيد محمد أبو هاشم، والذي كان بالنسبة له مثال الطهارة والبراءة والحس المرهف، وكذلك الشهيد ربحي الكحلوت الذي كان يعتبره نجماً متألقاً في سماء فلسطين، فكانا بالنسبة له ليس مجرد صديقين، بل قدوة كما أيضاً. تأثر الشهيد بالعديد من الشهداء من كل التنظيمات.. ومن الاتجاه الإسلامي على وجه الخصوص..

مشواره الجهادي
ومن مسجد القزمري بحي الشجاعية كانت البداية، حيث كان يمارس نشاطه الدعوي والسياسي والعسكري ÙÙ‚د اعتاد إلقاء الندوات على زملائه الطلبة خلال برامج الإذاعة والحلقات العلمية، ÙˆØ¹Ø¨Ø± البيانات والملصقات التي كان يوزعها الشهيد امتياز على زملائه الطلبة حيث كان يحضهم دائماً على مواجهة الاحتلال ويلحقهم بمجموعته الضاربة ويشكل من بينهم مجموعات ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية وعسكرية، وغيرها من اللجان التي كان الشهيد يعمل فيها كلها دون كلل أو ملل بالإضافة إلى التزامه بالمسجد وبالعمل مع إخوانه فيه..عرف الشهيد امتياز بانشغاله الدائم في خدمة المشروع الإسلامي، فكان شعلة من النشاط الذي لا يهدأ ولا ينطفئ، حاملاً هم شعبه في قلبه المعمور بالإيمان، وكان دائماً متصدراً صفوف المتصدين للاحتلال، يرشقهم بحجارته المقدسة بقداسة الأرض، يواجه الرصاص الجبان الذي يطلقه جنود الاحتلال على إخوانه وأبناء شعبه، تجده دائماً في ساح الوغى.. لا يهدأ ولا يلين ولا تنكر له عزيمة ولا إرادة.. لا يخاف جبروتهم وتكسيرهم للعظام.. بل كان دائماً حريصاً على نيل الشهادة.. يسعى إليها بصدق حتى كتبها له الله عز وجل.. ونالها بعد أن صدق الله فصدقه الله.

استشهاده
وقام شهيدنا المجاهد بعملية طعن بتاريخ 25/2/1994 في مثل هذا اليوم استهدفت جنود العدو وسط مدينة غزة أسفرت عن مقتل جندي وإصابة آخر.

وصية الشهيد
بدأت وصية الشهيد امتياز بعبارة "سيبقى بني صهيون خرافاً لجزاري الجهاد الإسلامي"، ثم قال: "أهلنا الأحبة.. أهلنا الكرام: كم تكون الفرحة والبهجة والسعادة عند ملاقاتنا لله عز وجل ونحن شهداء رافعين كلمته وعاملين على نصرة دينه العظيم، كم يكون عظيماً أن نموت على هذه الأرض المباركة أرض الإسراء والمعراج.. أرض الأنبياء والرسل.. الأرض التي بارك الله فيها وحولها..الأرض التي صلى فيها رسول الله بالأنبياء، كم يكون عظيماً أن يبذل الإنسان كل ما في وسعه لتخليصها من الصهاينة وأن يقدم روحه رخيصة في سبيل الله عز وجل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

(المصدر: سرايا القدس، 25/2/2013)