"جنرالة الصبر".. تعوّل على المقاومة لتحرير نجليها من الأسر

"جنرالة الصبر".. هكذا يطلقون عليها في الداخل الفلسطيني المحتل، فهي لا تكل ولا تمل، قضت أكثر من 24 عامًا من حياتها متنقلة بين السجون ومن اعتصام إلى آخر رغم الإعياء والمرض وكبر السنّ، لكن يحدوها الأمل بلقاء قريب بأبنائها ليضع حدًا لمعاناة عقود لم تجد فيها أي طعم للحياة والفرحة في ظل غياب فلذتي كبدها.

ولا تأمل والدة الأسيرين الشقيقين محمد وإبراهيم اغبارية، سعدة اغبارية سوى أن تقبّل ولديها وتحضنهما دون حواجز، وأن تسعد بالقرب منهما كما هو الحال عندما كانا طفلين صغيرين، بعد أن تجرعت العذاب والمعاناة وألم الفراق لحظة بلحظة, بعد أن غابت الابتسامة عن منزلها منذ فترة طويلة.
وتقول والدة الأسيرين ل"فلسطين": "معنوياتي عالية جدًا، وأملي بربي كبير بأن يمنّ بالفرج على أبنائي وعلى جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وأن تتحول مناسبة يوم الأسير إلى يوم تحرير"، مؤكدة أنها ستواصل نضالها حتى يطلق سراح نجليها، وكافة أسرى الشعب الفلسطيني.
وكان محمد ( 48 عامًا) وإبراهيم اغبارية ( 50 عامًا), من بلدة المشيرفة قرب مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة عام 48، نفذا برفقة آخرين عملية معسكر جلعاد على أراضي "الروحة" في وادي عارة، في عام 1992، وقتل فيها 3 جنود وجرح 5 آخرون، وهما يقضيان حكمًا بالسجن المؤبد 3 مرات و 15 عامًا.
وتتذكر الحاجة (أم محمود)، ليلة اعتقال نجليها، وتضيف: "كنا نائمين ليلة 26 / 2/ 1992، حين أفقنا على أصوات الجنود يحيطون بالمنزل والمنطقة, وطَرَقات عنيفة على الأبواب وسط صراخ الجنود، كانوا بالمئات وربما بالآلاف".
وتستأنف: "اعتقلوا (أبو محمود) وأبنائي الأربعة بمن فيهم إبراهيم ومحمد، ومن ثم أفرجوا في وقت لاحق عن (أبو محمود) ونجلي, فيما أبقوا على إبراهيم ومحمد، وهكذا بدأت رحلة المعاناة والتنقل بين المحاكم ومن ثم بين السجون". وأشارت إلى أن "المعاناة زادت مع وفاة نجلي الأكبر محمود شقيق إبراهيم ومحمد, قبل نحو 3 سنوات, بعد صراع مع المرض، حيث توفي دون أن يتمكنا من وداعه، وحتى رفضا أن نحضر جثمانه إلى السجن لكي يريَاه من بعيد، وهذا يدل على مدى ظلم الاحتلال لأسرى الداخل الذين يعانون من تمييز عنصري، فرغم أنهم مواطنون في هذه الدولة، إلا أن سلطات الاحتلال تحرمهم من كل الحقوق التي هي حقوق للسجناء أقرتها مؤسساتهم وبرلماناتهم، فهم في الحقوق يعاملون على أنهم فلسطينيون وكباقي الأسرى، وعند الإفراجات وصفقات التبادل يعاملون على أنهم إسرائيليون ولا حق لأحد أن يتدخل بقضيتهم".
وقالت: "عندما سألتهم في الزيارة الأولى، لماذا فعلتم ذلك؟، قالوا لي: لم نتمكن من تحمل رؤية دماء الشعب الفلسطيني وأطفاله تنزف في غزة والضفة وقررنا الانتقام، ولذلك أقول لأهلنا في الضفة وفي غزة لا تتخلوا عن أسرى الداخل".
ولفتت إلى أن إبراهيم ومحمد تنقلا في العديد من السجون، ولا يوجد سجن إلا زارته، وحاليًا يقبعان في سجن "جلبوع" وفي سجن "نفحة"، حيث ترفض سلطات الاحتلال جمعهما مع بعضهما البعض، لفرض مزيد من المعاناة عليهما، وعليّ، حيث إنني الوحيدة التي يسمح لها بزيارتهما بينما والدهما مريض. وتشير إلى معاناتها خلال الزيارات، فهي تضطر للسفر بعد صلاة الفجر مباشرة، وهناك "ننتظر ساعات أمام السجون حتى يسمحوا لنا بالدخول، بعد تفتيش دقيق غير منطقي، نتعرض خلالها إلى معاملة مذلة من قبل إدارة السجون الإسرائيلية، حيث يسمح للأهالي من الدرجة الأولى فقط بزيارة الأسرى كما يمنع الأهالي من إدخال الطعام والكتب لهم؛ حتى محارم الورق يمنعوننا من حملها عندما نكون مرضى أو نعاني من الرشح والإنفلونزا، والحديث معهم يجري عبر حاجز زجاجي سميك وسط إجراءات أمنية مشددة، فلا هم مواطنون صهاينة ولا هم مواطنون من الضفة وغزة، بينما قاتل "رابين" يسمح له الاحتفال بعيد ميلاده وهو في السجن, ويتمتع بشروط معاملة أفضل بكثير وكأنه يعيش في فندق, ويخرج متى يشاء ويتزوج وينجب وعنده تليفون وتلفزيون ويعمل ويكسب آلاف الشواكل".
وتضيف الحاجة "أم محمود" قائلة:" منذ اعتقالهما وحتى اليوم لا يغيبان عن بالي إطلاقًا، ففي كل صلاة أتذكرهما وأدعو لهما ولجميع الأسرى أن يفك الله أسرهم، لذلك يتوجب على المفاوضين الفلسطينيين العمل على إطلاق سراحهما لأنهما جزء من الشعب العربي الفلسطيني، وإن المخرج الوحيد لإطلاق سراحهما فقط هو صفقات التبادل؛ بعد أن فشلت مفاوضات السلام التي كانت خدعة في إطلاق سراح الأسرى".
ودعت والدة الأسيرين، إلى ضرورة الاهتمام بقضية الأسرى والعمل على إبقاء قضيتهم حاضرة في كل يوم وليس في مناسبة يوم الأسير فقط.