الأسير جمعة التايه تحدى السجن والسجان بالدراسة والأدب

في مرحلة مبكرة من عمره، اختار طريق النضال والتضحية والبطولة، فتوالت اعتقالاته منذ انتفاضة الحجر والتي لم تنل من عزيمته ومعنوياته

واصل المشوار خلال انتفاضة الأقصى، وبين مرحلة وأخرى بحريته وأسره، لم يتخل عن حبه للتعليم وطموحه في مواصلة دراسته ليحقق النجاح وبالحصول على الشهادات العلمية حتى خلف القضبان لينضم لقائمة المبدعين والمثقفين أبطال معركة أدب السجون ليصدر عدة كتب ومؤلفات ودراسات، أكد من خلالها أن السجان وسجونه قادرة على انتزاع حرية عشاق الوطن، لكنها عاجزة عن تكبيل أصواتهم وكسر أقلامهم ووقف دورهم النضالي والثقافي والوطني على درب الحرية وكسر القيد.
تلك سطور تلخص حكاية التضحية والنضال للأسير جمعة عبد الله فيصل خليل التايه، المولود في قرية كفر نعمة قضاء رام الله في تاريخ 1970/12/13، أنهى الثانوية العامة في مدرسة كفر نعمة الثانوية سنة 1989، ثم درس في المعهد الشرعي في بلدة أبو ديس، فحصل على دبلوم في الشريعة الاسلامية.
في مرحلة مبكره من عمره، شارك شعبه مسيرة النضال ورفض الاحتلال، وبرز دوره خلال انتفاضة الحجر، وتقول زوجته أم أسامة "أدرك أبعاد القضية وواقعها الحقيقي، وعاش ألم وعذابات شعبه في ظل الاحتلال وممارساته، فشارك في الفعاليات والأنشطة والمسيرات والتي تعززت خلال انتفاضة الحجر"، وتضيف "كان الاعتقال الأول لجمعة في بداية سنة 1990، وحكم عليه بالسجن لمدة عام، وبعد الإفراج عنه مكث في قريته سنة ثم أعيد اعتقاله مرة ثانية عام 1992م؛ وحكم عليه لمدة ست سنوات".
تنسم جمعة عبير الحرية عام 1998، لكن فرحته لم تكتمل فقد كان الاحتلال له بالمرصاد، وفي نفس السنة تم اعتقاله إداريا لمدة أربعة شهور، وأفرج عنه في تاريخ 8/ 9/ 1998، وتقول زوجته "تمتع دوما بروح ايمان ومعنويات عالية، لم ينل منه التحقيق وظروف الاعتقال، فتابع تعليمه بعد تحرره رغم توالي الاعتقالات، والتحق بعدها بكلية الدعوة بأصول الدين، ودرس لمدة أربع سنوات وحصل على شهادة البكالوريوس في أصول الفقه".

الاعتقال الأخير
الأسير جمعة الذي ينحدر من عائلة مناضلة تتكون من 7 أنفار، تزوج خلال ذلك، ورزق بطفلين أسامة يبلغ من العمر 14 عاما ونصف، ونصر الله 13 عاما، وتقول الزوجة أم أسامة "رغم مسؤولياته، وحبه ورعايته لعائلته وعلاقته الوطيدة مع أطفالنا، حيث جسد نموذجا للزوج الحنون والأب المخلص والوفي، لم يتأخر عن تأدية واجبه النضالي عندما اندلعت انتفاضة الأقصى فاستهدفه الاحتلال"، وتضيف "في 23 - 10 - 2001، اعتقلته قوات الاحتلال، وبعد التحقيق والعزل والعقوبات حوكم بالسجن الفعلي لمدة 18 عاما ونصف، فصمد وتحدى واستمر في تأدية واجباته ودوره خلف القضبان".

التحدي بالعلم
في سجن رامون، يقبع الأسير جمعة الذي عاش فترة اعتقاله مع الأسرى القدامى والجدد، وعاش الافراجات والصفقات وهو يدرس ويطالع ويقرا ويقوم بدوره في خدمة الأسرى، فأتقن اللغة العبرية وتقدم فيها لامتحان وحصل على تقدير امتياز، وكذلك درس ماجستير الدراسات العليا الإسرائيلية ملتحقًا بجامعة القدس، وهو على وشك التخرج لولا عملية التنقلات التي تقوم بها إدارة السجون الصهيونية بين الفينة والأخرى من إرباك واضح للأسرى وجعلهم يعيشون في حالة من عدم الاستقرار، كما درس الماجستير الذي لم يكمله مع الأستاذ المناضل مروان البرغوثي.
أكبر مأساة حلت بحياة الأسير جمعة، لحظة وفاة والدته عام 2008، خلال احتجازه في سجن عسقلان، وقد لفظت أنفاسها الأخيرة قبل زيارته بيومين، فالاحتلال عاقبه بالمنع الأمني ولم تتمكن من زيارته سوى ثلاث مرات بحجة المنع الأمني، وعلى مدار 7 سنوات، تجرع ووالدته كل صنوف الألم والمعاناة لحرمانه من زيارتها ورؤيتها، وفي ظل تدهور حالتها الصحية، بذل جهودا كبيرة حتى وافقت إدارة السجون على السماح لها بزيارته لكنها رحلت قبل أن يتحقق حلمه باحتضانها وتقبيل يديها، وكانت تلك المحطة الأصعب من سنوات اعتقاله ورحلة عذابه في السجون.
كثيرة هي الأحداث التي مرت خلال هذه السنوات، حيث الاضرابات عن الطعام والعقوبات والتنقلات التي تنقل خلالها الأسير جمعة على كافة السجون، لكنه تميز دوما بالثقافة العالية والعلاقات الوطنية مع جميع الفصائل، وباسهاماته الرائدة والمتميزة في دعم وتعزيز أدب السجون، فأصدر عدة مؤلفات و دراسات منها "إن ابراهيم كان أمة"، "الجهاد .. مشروع، منهج، رسالة"، "التربية من خلال المواجهة"، "أوجاع البوسطة" و"خطب منبرية". وطوال الفترة الماضية، ارتبط الأسير جمعة دوما بعلاقات وطيدة مع الأسرى وخاصة رفاقه في العمل الجهادي، الذين يتذكرهم دوما مع شهداء المسيرة، ويقول "دوما نعيش الذكريات التي تلازمنا لبطولات هؤلاء القادة وفي مقدمتهم رفيقي الروح بالروح، رياض فخري خليفة الذي اغتالته قوات الاحتلال الاسرائيلي في جبال قرية كفر نعمة، حيث كان مطاردا بسبب هروبه من سجن عوفر عام 2003"، و يضيف "كذلك ابن اختي أمجد الديك الذي هرب أيضا مع رياض وأعيد اعتقاله وحكم عليه بالسجن 15 عاما وهو الان في سجن جلبوع، ومحمد عبده، الذي يقبع في سجن هداريم وقد مكث في العزل لمدة 5 سنوات"، ويتابع "كل واحد من رفاقي وأصدقائي له شخصيته الخاصة وابداعه وتألقه، ولكن كلهم جمعتهم المقاومة ومقارعة الاحتلال، حيث نفذ عدة مرات عمليات اطلاق النار على المناطق الالتفافية في غرب مدينة رام الله، لذلك جاءت أحكامهم رادعة.
بمرور السنوات، واستمرار التنقل بين السجون، وكبر الأبناء وعذاب الشوق والفراق لعناقهم، يتشوق جمعة للحرية ككل الأسرى الذين غيبتهم السجون الصهيونية، وفي كل يوم يردد من خلف القضبان أنشودة الأمل قائلا  "لابد للقيد أن ينكسر ولابد أن يبزغ فجر الحرية".

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية)