الأسير سعيد لحلوح .. رحل والده قبل شهر من موعد تحرره

قبل شهر واحد من تحقق حلم عمره رؤية فلذة كبده حرا والفرح بزفافه الذي انتظره على مدار 18 عاما، رحل الأسبوع الماضي الحاج توفيق يوسف لحلوح (75 عاما)، إثر صراع مع المرض، ولسانه يردد اسم ابنه الأسير سعيد (39 عاما)، الذي انهار بعدما علم بالفاجعة التي شكلت أكبر صدمة في حياته.

عندما كانت بلدة عرابة تشيع جثمان فقيدها الذي قضى سنوات عمره الأخيرة صابرا على بوابات السجون، التف أبناء حركة الجهاد الاسلامي في سجن النقب حول رفيق دربهم ونضالهم للتضامن معه والتخفيف من حزنه، لكنه قال وسط الدموع: رغم كل سنوات العذاب والقهر التي عشتها متنقلا بين سجون الظلم، فان السجن لم ينل من عزيمتي ومعنوياتي، لكن رحيل والدي هو المأساة والنكسة والكارثة التي سترافقني طوال عمري، أبكي كل يوم لأنه رحل قبل أن يفرح بتحرري.

يعيش سعيد الذي سطر صفحات بطولة وتضحية في مقارعة الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى وبعد اعتقاله خلف القضبان لحظات وجع وألم، ويقول: كنت أستمد العزيمة والمعنويات منه طوال سنوات اعتقالي، وقف لجانبي ولم يتأخر عن زيارتي لحظة حتى خلال مرضه، فقد كان يحتمل أوجاع الجسد ومعاناة التنقل بين السجون ليسلحني بالصبر والثبات ويعزز لدي الأمل، ودوما أفخر بأبي وبطولاته وتضحياته أنه قدوتي التي جعلت مني رجلا ومناضلا ومقاوما، فقد عاش حياته مكافحا ومناضلا، ضحى من اجلنا وعمل في الكثير من المهن الشاقة حتى يوفر لنا لقمة عيش كريمة، وكانت الكارثة الكبرى عندما اكتشف الأطباء اصابته بأورام سرطانية في الرئتين، فأخفى عني وضعه الصحي، وتابع علاجه بحرص كبير لمنعي من رؤية حالته وكله أمل أن يراني حرا، لكن المرض الخبيث انتشر في جسده وحرمني منه.

يروي الأسير سعيد، أن والده زاره آخر مرة قبل 5 شهور من رحيله بعدما اقترب موعد نهاية حكمه، وطوال تلك اللحظات التي كان يشعر أنها ستكون الأخيرة، لم يتوقف لسانه عن التضرع لله أن يمد بعمره ليراه حرا، ويقول الأسير: عندما شاهدته، تلمست وضعه الصعب، لكنه حافظ على ابتسامته ورباطة جأشه وقوته التي اعتدت عليها، لم أكن أعرف أنني لن أراه للأبد، فشاركته الدعوات والامنيات.

ينحدر سعيد، من عائلة مناضلة من بلدة عرابة التي ولد ونشا وتربى ودرس فيها حتى انهى الصف الحادي عشر، وبسبب ظروف العائلة ومرض رب الأسرة، ترك مقاعد الدراسة وعمل في مهنة الميكانيك، لكن مسؤولياته الأسرية لم تنسه واجبه النضالي، فانخرط في صفوف حركة الجهاد الاسلامي، وقسم حياته بني العمل والجهاد السري حتى اعتقل في بلدة كفر مندا في الداخل في 1997/8/31، واقتيد لأقبية التحقيق في سجن الجلمة، لمدة 3 شهور حتى حكم لمدة 18 عاما، بتهمة الانتماء لخلية عسكرية تابعة لحركة الجهاد الاسلامي.

فرض الاحتلال شتى صنوف العقاب والانتقام على الأسير الذي تنقل بين عدة سجون، ويقول "رفضت الاستسلام والتراجع، وأديت واجبي مع الأسرى في معركة الحرية والكرامة، وأنهيت الثانوية العامة داخل السجون وانتسبت لجامعة الأقصى وحصلت على شهادة البكالوريوس في التاريخ والحمد الله، وحصلت على عدة دورات.

تقول والدته: كرمنا رب العالمين بالصبر لغيابه، وعندما تزوج ابنائي وبناتي وسعيد خلف القضبان لم اشعر بطعم الفرح، وأتألم كثيرا، لأن لدي 20 حفيدا لم يعرفهم ابني الا من خلال الصور، فهم منعوا من زيارته بذريعة المنع الأمني.

أما سعيد الذي ينتظر على أحر من الجمر لحظة تنسمه عبير الحرية، فيقول: لم يعد لها نفس الطعم والمعنى، فحتى والدتي التي صبرت وتحملت طوال 18 عاما، لن تعيش تلك اللحظات، فالفرحة ستبقى منقوصة في ظل رحيل وغياب الزوج والاب الحنون عن منزلنا وحياتنا.

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية)