الشهيد منير أبو موسى: آثر نعيم الجنة على متاع الدنيا

(قولي: لا إله إلا الله).. بهذه الكلمات الطاهرة، ودع الشهيد البطل منير مصطفى أبو موسى زوجته صبيحة يوم الخميس الموافق 20/9/2001م، بعدما تناولا طعام الإفطار قبل أن ينطلق إلى عمله كسائق لسيارة أجرة داخل مدينة غزة.
وإذا كانت تلك كلمات الوداع الأخير بين الزوج وزوجته، فمن البديهي جدًا أن تكون كلمات اللقاء الأخير بينهما نابعة من القرآن الكريم وهي (صبر جميل والله المستعان)، كلمات إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى ارتباط هذه الأسرة بالله عز وجل، واعتصامها بحبله المتين.

الميلاد والنشأة
وينحدر الشهيد منير أبو موسى من أسرة ملتزمة بتعاليم دينها، هجرت من مدينتها الأصلية (يافا) في العام 1948م، ليستقر بها المقام في مدينة غزة، فكان ميلاد الشهيد منير بتاريخ 2/3/1967م، حيث ترعرع شهيدنا بين والديه وإخوانه السبعة وأخواته الأربعة ليكون مثالاً يحتذى في العطاء والفداء.
وللشهيد القائد منير أبو موسى أربعة أطفال هم بسمة (7 أعوام)، وسيم (6 أعوام)، محمد (4 أعوام)، سندس (عام واحد)، أقسمت والدتهم على تربيتهم على حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله أسوة بوالدهم الشهيد.
وأوضحت زوجة الشهيد منير (أم وسيم) (25 عامًا) أن زوجها منير كان كثير الحديث عن الشهادة، مرددًا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة)، ولذلك لم تستغرب استشهاد زوجها، خاصة بعد استشهاد رفيق دربه في الجهاد والمقاومة الشهيد (شادي الكحلوت) الذي استشهد أثناء توجهه لتنفيذ عملية استشهادية داخل فلسطين المغتصبة عام 48.

صفاته وأخلاقه
وأضافت الزوجة أن فراق منير صعب جدًا، ولكن عزاؤنا الوحيد أن يتقبله الله شهيدًا ويدخله جنات النعيم، مشيرة إلى أن زوجها كان مثالاً للتواضع وعنوانًا للعنفوان، محبًا للموحدين، باغضًا للكافرين، وكان بارًا ومطيعًا لوالديه الأكارم، كما تؤكد أن دعاءه المفضل في السجن لدى السلطة الفلسطينية (اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك)، ولذلك كان يهيئ نفسه إلى ذلك الأمر، فكان يكثر من الصيام والقيام وابتغاء مرضاة الله.
وعن اليوم الأخير في حياة الشهيد قالت (أم وسيم): أنه كان يومًا مميزًا جدًا، أثار انتباهي، بسبب علامات السعادة والسرور التي بدت على وجهه، الأمر الذي دفعني لسؤاله عما إذا كان وجد عملاً بديلاً أفضل من عمله الحالي كسائق سيارة أجرة، ولكنه قال لي: لا.. وبعدها اعتقدت أن سبب هذه الإشراقة والنور الذي بدا واضحًا على وجهه هو قيامه لتلك الليلة، حيث أطال القيام والدعاء، وكان دعاءه جميلاً جدًا، أردت أن يكتبه لي كي أحفظه ولكنه انتقل إلى جوار ربه مسرعًا قبل أن أحقق هذه الأمنية. ومن الجدير ذكره أن زوجته قد رأته في منامها قبل العملية شهيدًا.
وأضافت (أم وسيم) في سرد الساعات الأخيرة من حياة الشهيد: (أن منير خرج إلى عمله كالمعتاد صباح ذلك اليوم، وعاد بعد عدة ساعات لتناول طعام الإفطار وكانت علامات السعادة بادية عليه أيضًا، وقال قبل أن يغادر المنزل مجددًا وقف برهة وقال: قولي لا إله إلا الله، فقلت وأكملت: محمد رسول الله، وخرج ولم يعد إلا شهيدًا، فحمدًا لله الذي شرفنا باستشهاده وإغاظة أعدائه).
ومن باب إعادة الأمانات إلى أهلها، اتضح لاحقًا أن الشهيد القائد (منير أبو موسى) خرج وأعاد السيارة التي يعمل عليها إلى صاحبها، وأخبره أنه لن يستطيع العمل ذلك اليوم، وأخبره أنه متوجهًا إلى حفلة كبيرة. وفعلاً كان الشهيد البطل على موعد مع حفل ملائكي بهيج يزف خلاله إلى الحور العين.

وأوضحت زوجة الشهيد أن زوجها أخبرها أكثر من مرة عزمه على الشهادة، وأن يصاب برصاصة بين حاجبيه، وهاهو الله يلبي رغبته ويستشهد مقبلاً غير مدبر، فقد صدق الله، فصدقه الله.
وتواصل (أم وسيم) بصبر واحتساب الحديث عن زوجها البطل وتستذكر أنه اعتقل عدة أشهر، لدى سلطات الاحتلال في العام 1991Ù… أثناء عودته إلى غزة قادمًا من ليبيا، حيث كان يدرس في جامعة الفاتح تخصص علوم، والتحق حينذاك بصفوف (حركة فتح – المجلس الثوري) ولم يتسن له العودة لإكمال دراسته، حيث منع من قبل سلطات الاحتلال، كما اعتقل الشهيد لدى السلطة الفلسطينية لمدة (10 شهور)ØŒ وهناك تعرف على الشهيد البطل (شادي الكحلوت) أحد أبطال سرايا القدس، والذي كان له بالغ الأثر في التحول المهم والكبير في حياة وتفكير الشهيد منير، حيث تعرف من خلاله على فكر الوعي والثورة والإيمان الذي تمثله حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وسرعان ما انضم إلى صفوفها لينخرط بعدها في صفوف العمل العسكري.

مشواره الجهادي
وحسب نشرة خاصة عن الشهيد القائد (منير أبو موسى) أصدرتها حركة الجهاد الإسلامي أوضحت أن الشهيد تولى قيادة سرية (الوحدة الخاصة) في (سرايا القدس)، وذلك لخبرته في إعداد المتفجرات وإجادته في استخدام كافة أنواع الأسلحة بناء على تدريبات تلقاها في الجمهورية الليبية خلال تواجده فيها أواخر الثمانينات، وفي النشرة أن الشهيد القائد (منير) كان يصر على أسر أحد الجنود في العملية الجهادية، ولكن مشيئة الله شاءت أن يستشهد في الهجوم الجريء والنوعي.
ونظرًا لانحدار الشهيد البطل من أسرة متدينة مؤمنة بقضاء الله وقدره، فقد جاءت كل ردات الفعل من أفراد العائلة، قانعة، راضية، فرحة، بصنيع ابنها الشهيد، فقد قال شقيقه الأكبر نظمي (لقد كان الخبر بالنسبة إلينا أمرًا طبيعيًا، لأننا نتوقع هذا الأمر، فالشهادة حالة شعبية وهي أمنية للصغير والكبير من شعبنا وحسبنا أن يتخذه الله شهيدًا إلى جواره).

الوالدة الصابرة
أما والدته الصابرة المحتسبة، فاكتفت بقول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، في حين أخذ نجله وسيم بالدعاء له بأن يتقبله الله شهيدًا ويدخله الجنة، متمنيًا أن يصبح مثله عندما يكبر، هذا عوضًا عن صبر واحتساب زوجته الواضح واللامتناهي أمام فداحة مصابها، حيث لم تفتأ عن قول الله عز وجل (صبر جميل والله المستعان).

استشهاد البطل
فقد استشهد الشهيد القائد منير أبو موسى (34عامًا) عصر يوم الخميس الموافق 20/9/2001م خلال اشتباك خاضه مجاهدو (سرايا القدس) الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مع جنود الاحتلال في مستوطنة كفار داروم بالقرب من دير البلح وسط قطاع غزة أدى إلى مقتل جنديين صهيونيين وإصابة 3 آخرين حسب اعترافات إذاعة العدو الصهيوني.

وهكذا ارتحل الشهيد البطل منير أبو موسى (قائد السرية الخاصة) في (سرايا القدس)، مؤثرًا نعيم الجنة الدائم على متاع هذه الدنيا الزائل، ولسان حاله يقول (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل).

(المصدر: سرايا القدس، 20/9/2001)