المواطنة رقية برغيش: أفراحي أسيرة مع عبد الله وعبد الرحمن

عمت أجواء الفرح في مخيم جنين، ليشارك أهله عائلة برغيش لحظات الاحتفال بتحرر ابنها عبد القادر ناجي وحش برغيش (25عاماً)، من سجن "النقب الصحراوي"، بينما استقبلته والدته الصابرة رقية بالدموع التي سلبتها الفرحة لأن الاحتلال ما زال يغيب عن منزلها وحياتها باكورة أبنائها الأسير عبد الله، 33عاماً، المحكوم 23 عاماً وعبد الرحمن 28عاماً المحكوم 18 عاماً.

وعقب عناق أسيرها، قالت الوالدة رقية: "فرحتي ما زالت أسيرة ولن أشعر بطعم السعادة حتى تكتمل فرحتي وتحقق أمنية عمري الوحيد عناقهما والفرح بزفافهما، فمنذ 15عاماً، لم يجتمع شملي مع أبنائي الذين استهدفهم الاحتلال منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، فطوردوا واصيبوا واعتقلوا واستشهدت ابنتي بشرى في ريعان الشباب".

عذابات يومية
ورغم توافد المهنئين على منزلها الذي تتزين جدرانه بصور أبنائها الذين لم يسلم أحد منهم من الاعتقال، لم تجف دموع اللاجئة أم عبد الله التي تجرعت كل صنوف العذاب والعقاب طوال السنوات الماضية.
وتقول "حاولت التظاهر بالفرح بعدما نال عبد القادر حريته من رحلة اعتقاله الثانية التي استمرت عام، لكن قلبي لم يعد يعرف سوى طعم الحزن والألم، كل لحظة وثانية ويوم في حياتي رحلة عذاب طويلة، الاحتلال دمر حياتنا بحرماني من ابنائي".
وتضيف "كل الأمهات تفرح بالمناسبات وبتحرر أبنائها، لكن عبد القادر عاد وترك شقيقيه في السجن، هناك يعتقل الاحتلال روحي وحياتي وأحلامي وأفراحي، فمن اين تأتي الافراح؟ وكيف نعيش السعادة وحتى زيارتهم أصبحت ممنوعة؟ لم يراعوا سني ومرضي، فعاقبوني وأصبحت اشكل خطرا على الأمن الإسرائيلي، فأي ظلم أكبر من ذلك؟".

14 عاما بالأسر
تزامن تحرر عبد القادر، مع دخول شقيقه الأسير عبد الله الذي يعتبر من قادة سرايا القدس، عامه الرابع عشر خلف القضبان، وتقول والدتهما "واحد يتحرر والثاني عبد الله يبدأ عاماً جديداً، بينما عبد الرحمن يواصل قضاء محكوميته، فتسود الدنيا بوجهي والاحتلال يحرمني منهم، في كل لحظة اشتاق لعناقهم ورؤيتهم والجلوس معا، فإلى متى يبقى الاحتلال يتحكم بحياتنا".
وتضيف "رغم حزني، أشعر بفخر واعتزاز ببطولات وتضحيات أبنائي، فعبد الله ابني البكر في عائلتنا المكونة من 6 انفار، ورغم أنه المعيل الوحيد لأسرتنا وعامود البيت بعد رحيله والده، تخلى عن حياته لتأدية واجبه، فكان بطلا في كل المعارك".

محطات من حياته
تعانق الوالدة صور عبد الله، تقبلها وتقول "كان في مقدمة الصفوف عندما اندلعت انتفاضة الأقصى، لم يقتصر دوره على المسيرات والفعاليات، فحمل البندقية والتحق بسرايا القدس، فشارك في كافة المواجهات، ورغم التهديدات بتصفيته ومحاولات اغتياله، رفض التراجع وتسليم نفسه، ونذر حياته للجهاد وفلسطين".
وتابعت "لم يتأخر عن معركة، تقدم الصفوف وقاتل ببطولة في معركة مخيم جنين الشهيرة في نيسان 2002، وكتب رب العالمين له حياة جديدة، فواصل طريقه، لم يهب الكمائن ولم ترهبه التهديدات، وحتى بعدما أصبح شقيقه عبد الرحمن مطلوبا تابعا المشوار معاً والكل يشهد لبطولاتهما التي افخر بها دوماً".

لحظات لا تنسى
أمام بطولاتهما، اشتدت ملاحقة عبد الله وعبد الرحمن، وتقول والدتهما "أصبحت أشتهي رؤيتهما، فالاحتلال يرصد منزلنا، عشت عمري بعد وفاة والدهما انتظرهما ليكونا العون والسند لي، لكن الاحتلال لم يتركنا بحالنا، فتكررت المداهمات ولم يجتمع شملنا في عيد أو مناسبة حتى وقع عبد الله في كمين".

شهيد وأسير
 ØªØ§Ø¨Ø¹ عبد الرحمن المشوار، فاستهدف الاحتلال عائلتها ولفشله في اغتياله أو اعتقاله، عاقبها بقتل شقيقته الطالبة بشرى 17عاماً داخل منزلها، وتقول أم عبد الله "رفض عبد الرحمن الاستسلام، وحمل الراية وقاوم ببسالة حتى بعدما تعرض للإصابة، وعندما فشلوا في اغتياله، استهدفوا منزلنا، وأطلقوا النار على ابنتي بشرى في 21/4/2007".
وتتذكر ام عبد الله بحسرة: "قتلوها بدم بارد، كانت تدرس في غرفتها وتستعد لامتحان التوجيهي عندما اخترق الرصاص النافذة، فاستشهدت مكانها، وسأبقى طول عمري أبكي وحزينة، على رحيلها الذي يعتبر وصمة على جبين العالم وحقوق الانسان، فبأي ذنب قتلت ابنتي؟".

اعتقال الأبناء
بعد أشهر، تمكنت الوحدات الخاصة من اعتقال عبد الرحمن في عملية خاصة في مخيم جنين، وحوكم بالسجن 18عاما، بينما لم تنته معاناة العائلة، فتكررت مداهمات الاحتلال ليزج ابنها عبد العزيز مرتين خلف القضبان، كذلك، تعرض عبد القادر للاعتقال مرتين.
وتقول الوالدة الصابرة "أصبحت اقضي أيامي وحياتي بين السجون والقبور، لم يبق سجن إلا وزرته، فالاحتلال وزعهم ورفض جمعهم، وكانت أكبر لحظات حياتي عذاب ومعاناة قضاء الأعياد ورمضان دونهم".
وتكمل "صبرت ورفعت رأسي بأبنائي، وكتمت اوجاعي وألمي حتى احافظ على معنوياتهم، لكن في كل زيارة لعبد الله كان يسلحني بالعزيمة حتى اشعر انه ليس اسير، ودوما أتمنى من رب العالمين ان يمكنني من كسر تلك القضبان اللعينة لأحرره وكل الاسرى ونعيش حياتنا دون سجون".

في الذكرى
لأول مرة، اجتمع شمل عبد الله وعبد الرحمن في سجن "النقب"، وتقول الوالدة "بين مطاردتهما واعتقالهما فرق الاحتلال شملهما حتى في سجونه، عاقبونا بانتقام، وبعد جهود كبيرة، التقى عبد الله وعبد الرحمن، وأتمنى حريتهما قريباً".

المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية