عملية وادي عارة الاستشهادية

أنتم أيها الشهداء البواسل والفرسان الأطهار سرنا.. وأنتم فرحنا الآن..أيها الشهداء ترحلون عنا ولا ندري من سيرحل بعدكم.. فدمنا مفتوح على كل الجبهات.. فها هو العدو يلاحقنا واحداً تلو الآخر في شوارع وأزقة وكهوف وطننا المبارك.. ها هو يفتش ما بين جلدنا ولحمنا بحثاً عن مقاوم.. وها هو يختال مغروراً في أرضنا وسمائنا وبحرنا، فليس من عوائق تمنعه من الوصول لمخادع نومنا من المحيط إلى الخليج.. ولكن نطمئنكم أننا سنبقى نقاوم ولن ننكسر.. إنها روح الإسلام التي لن تنكسر.. روح الإسلام الخالدة.

فقدموا أروحهم رخيصةً على درب الحرية، التي كنا نحلم بها، كل كلمات الرثاء تسقط أمام طيفهم العابر إلينا كل لحظة، وكل حروف الرثاء تسكبُ رحيقها كي تعود إلى خط البداية، حين كانوا بيننا نراهم نسمعهم نكلمهم، أما الآن وقد حال الموت بيننا فرحلوا إلى دار الأخيرة خالدين في ظلال ربهم، بقيت في سمائنا قصص وحكايا، صور وروايات لم ترّوَ بعد..!! بقيت لدينا الأسطورة التي جعلتكم ترحلون، كيف حملتم الأرواح على الأكف؟ وتسابقتم شهداءَ إلى الجنة..!! وحده الموت القادر على قهرنا، وحده القدر القادر على تفريقنا، وسنة الحياة أن تكونوا شهداء، ونكون نحن الأحياء الأوفياء لكم، منغمسون نحن بالجراح وأنتم تحيون مع الأنبياء والصديقين، أرواحكم الخالدة فينا بقيت بيننا وان رحلتم أنتم بأجسادكم، تمر بنا الذكرى شهيداً تلو الشهيد، وانتم تتسابقون عريساً تلو العريس، تمر الأيام كأنها اللحظة..!! بالأمس كنتم هنا.. وها هو الأمس يعود بنا ليكرر نفسه الدرس في حياة عاشقي الأرض، هم زيتونها، وزيتها الذي لا ينضب.
 
تفاصيل العملية الاستشهادية
في 20 مارس/آذار (20-3-2002)، تمكن الاستشهادي المجاهد "رأفت سليم أبو دياك" من اختراق حصون العدو وكافة الإجراءات الأمنية المشددة من قبل الاحتلال والوصول إلي منطقة وادي عارة بالقرب من مدينة أم الفحم داخل أراضينا المحتلة عام 48، حيث تمكن من الصعود إلي احدي الحافلات الصهيونية التي تنقل جنود الاحتلال إلي معسكراتهم، وفور صعوده للحافلة فجر جسده الطاهر.
وأعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي مسئوليتها عن العملية الاستشهادية التي وقعت في حافلة صهيونية في وادي عارة قرب مدينة أم الفحم بشمال الكيان الصهيوني.
وقالت سريا القدس في بيان لها إن منفذ عملية وادي عارة هو الاستشهادي رأفت أبو دياك (20عاما) من مدينة جنين بالضفة الغربية.
وأضافت أن العملية جاءت انتقاما للشهداء الذين اغتالتهم قوات الاحتلال الصهيوني مؤخرا في حربها ضد المخيمات الفلسطينية.
وكان سبعة صهاينة على الأقل لقوا مصرعهم وأصيب أكثر من ثلاثين آخرين في عملية استشهادية قرب مدينة أم الفحم في شمال الكيان الصهيوني.
 
العدو يعلق على العملية
وقالت مصادر الشرطة الصهيونية إن فدائيا فلسطينيا فجر نفسه دخل حافلة صهيونية تابعة لشركة "ايجد" كانت في طريقها من تل أبيب إلى العفولة بشمال الكيان الصهيوني.
ووصفت الإذاعة الصهيونية مشهد العملية بالمريع حيث تنتشر الأشلاء في طريق وادي عارة المحاذي لمدينة أم الفحم .
وأضافت الإذاعة أن الانفجار أدى لمقتل سبعة صهاينة وإصابة حوالي ثلاثين آخرين بينهم اثنان في حالة ميئوس منها وثمانية في حالة خطيرة. وتوقع التليفزيون الصهيوني ارتفاع عدد قتلى العملية.
وقال شهود عيان إنهم شاهدوا شخصا يرتدي ملابس كثيفة يستقل الحافلة ثم وقع الانفجار بعد لحظات من ركوبه.
وقال قائد الحافلة لإذاعة العدو إن الحافلة انفجرت بعد ثوان من مروره بها في طريق وادي عارة بشمال الكيان الصهيوني على بعد خمسة كيلومترات من حدود الضفة الغربية.
 
الاستشهادي رأفت أبو دياك في سطور
"رأفت" أيها الراحل إلى أفق مبتسم .. ومدىً رحبٍ وضياءٍ ونورٍ، رحلت وتركت القلوب تختلج بذكراك لتعود بنا الذاكرة الملبدة بشريطها الحزين لتفجر في الوعي بركان حزن، وتفتح في الألباب نوافذ عشق ، حزن على الفراق وعشق لشموعكم التي غابت عن عالمنا، فشنقتنا العتمة بسلاسلها واغتالت منا الإبصار، فلم يبقَ لنا إلا شموع الحنين نشعلها حينما تتكاثف الذكريات كغيمات تحمل في أحشائها المطر، كي نروي لمن سيأتون بعدنا ولأبنائنا سر هذا الموت الأسطوري.
"رأفت" إن سلاح الشهادة ماض، لأن في مسيرتنا شهداء، وفي قادتنا شهداء نستطيع أن نستمر بفيضهم، بدفعهم بأنفاسهم، بأرواحهم المعطاءة، بوصاياهم، بابتساماتهم، بأصواتهم التي ما زالت تتردد في آذاننا، ولا زلنا نملك رجالاً حاضرين للشهادة، يعشقون الشهادة، فاليوم يزهر الدم القاني، دم الشهداء، عبير النصر الفواح، ونحن لا نبالي إذا سفكت دماء شبابنا الزكية في سبيل الإسلام، لا نبالي إذا أضحت الشهــادة ميراثاً للأجيال القادمة، لا خشية من الشهـادة .. الشهـادة ميراثٌ وصلنا من أوليائنا .. الشهادة هي العزّة السّرمدية والحياة الأبدية .. الشّهادة هديةٌ إلهيةٌ لمن يستحقّ ولابدّ أن تقوى العزائم بعد كلّ شهادة .. فلماذا نضطرب؟!! ونحن نسير في مسيرة الشهادة ونفكّ قيود الدنيا من الروح ونصل إلى الملكوت الأعلى وفي جوار الحق المتعال فطوبى لأولئك الّذين ارتحلوا شهداء، طوبى لأولئك الّذين ضحّوا بأرواحهم في قافلة النّور، وطوبى للذين ربّوا هذه الجواهر الثّمينة في أحضانهم .
 
ففي يوم العشرون من آذار صعدت روح الاستشهادي المجاهد " رأفت سليم أبو دياك" إلي جنان الرحمن، فهكذا الطريق الأصوب المعبقة بالدماء الزكية التي تفوح مسكاً في أرجاء فلسطين الحبيبة وتروي شجرة العزة والكرامة لتحيا الأمة مجدها وعنوانها.. يرسم أفق المرحلة.. شاهداً على امتلاكها مفردات القوة.
العشرون من آذار/ مارس يا سيدي سنحفظه جيداً فهو يوم رحيلك.. عفواً هو يوم ميلادك الجديد في فردوس السماء.. ها أنت قد عرفت تاريخ ميلادك.. لكننا وحتى نلتقي .. يبقى السؤال ما هو تاريخ ميلادنا نحن؟
رحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ونحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.. والملتقى الجنة بإذن الله تعالى.

(المصدر: موقع سرايا القدس، 20/3/2012)