أبطال النفق..

"تحركنا بسرعة نحو الفتحة لكن المياه كانت أسرع منا، صرخنا لكن لم يسمعنا الإخوة بالغرفة لأننا كنّا نتعمّد فتح التلفاز ليخفي صوت الحفر سبحنا بصعوبة ورأينا الموت بأعيننا، لكن شاء الله وكتب لنا النجاة...".

كانت هذه كلمات أحد الأبطال الباحثين عن الحرّيّة، فالمعركة بين الفلسطينيّ والاحتلال لا تتوقّف داخل أسوار السّجون التي تضمّ بين جدرانها ثلّة من المقاومين الذين لم ولن يكلّوا، ففي عام 2014 اكتشفت إدارة سجن «Ø´Ø·Ø© المركزي» نفقا أعدّه الأسرى للفرار من سجنهم، محاولة من بين محاولات عديدة نفّذها الأسرى لكسر القيد والفوز بالحرّيّة، وهذه حكايتهم يرويها أبطالها: "قرّرنا الحفر قبل ستّة شهور من اكتشاف النّفق، كنّا مجموعة من الأسرى المحكومين بالمؤبد بل منا من كان محكومًا بعدة مؤبدات، ولم نجد لنا سبيلا للحرية إلا الهرب، في البداية طرحنا الكثير من الأفكار ولم نجد بُدا من حفر النفق".

 ÙƒØ§Ù†Øª البداية أن نؤمن الغرفة التي نعيش فيها، بحيث ننقل لها الأسرى المضمونين والمؤتمنين وكذلك أصحاب الأحكام العالية، وبالفعل قمنا بذلك، ثم بدأت الخطوة الثانية وهي ايجاد نقطة لبدء الحفر منها والامتداد، Ùˆ كانت هنالك عدة خيارات لكننا وجدنا أن أفضلها وأنسبها هي أن نحفر من الحمام، وذلك بأن نقوم بخلع البلاطة الكبيرة فيه والحفر من تحتها، وبالفعل بدأ العمل وكنا نتناوب على الحفر، خلعنا البلاطة الكبيرة وشاء قدر الله أن نجد تحتها حفرة كبيرة ساعدتنا كثيرًا وخففت عنّا، كنا نستغل الليل للحفر، ونضع الرمل والصخور التي نخرجها في الفراغ الذي وجدناه سابقًا أو نخرجه مع القمامة في الصباح.

حفرنا وحفرنا، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من الحفر تفاجأنا بجدار سميك، فحاولنا اختراقه ولم نتمكن من ذلك، حاولنا الحفر أسفله ولم نستطع، هنا دخل اليأس قلوب البعض، فانسحب عدد من الإخوة ولم يكملوا معنا لكننا، أنا وأخا معي لم نيأس وقررنا الاستمرار، وبالفعل غيرنا اتجاه الحَفْر، واضطررنا أن نحفر باتجاه غرف الأسرى لا باتجاه السور، أحيانا كنا نسمع أصوات الأسرى فوقنا وهم يتحدثون في الغرف وأحيانا أخرى كنا نقترب كثيرًا من غرف السجانين.

في إحدى الليالي، وبينما كان أحد الإخوة يحفر، جاء السجان ووقف أمام باب غرفتنا وبدأ بعدّ الأسرى بالغرفة وسأل عن الغائب، أجبناه بأنه في الحمام، فطلب أن يطرق على الباب للتأكد من وجوده، ارتجفت قلوبنا لهذا الطلب، وارتفعت حرارتنا، بدأت أجسادنا بالتّصبّب عرقا، اقتربت من باب الحمّام وطرقت عليه بقوة وصحت بصوت عال على أخي بالداخل ليطرق الباب لكن لم يأت الرد، ازداد الخوف والقلق، وكرّرت الطّرق والمناداة على الأخ بالداخل، ولم يأتنا الرّدّ، بدأ السّجان بالتململ، وسأل عن سبب تأخر الرد! وهنا فتح الأخ باب الحمام وأخرج رأسه وسأل: مالكم مش عارفين إني بالحمام؟! حتى بالحمام الواحد ما بوخذ راحته! فغادر السّجّان وانفجرنا ضاحكين بعد أن كدنا نموت خوفًا.

الليلة الأصعب كانت عندما رأينا الموت بأعيننا، يومها وبعد أن حفرنا أكثر من خمسة عشر مترا وبينما كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، تفاجأنا أنا وأخي المشارك معي بالحفر بانفجار كبير لخط للمياه العادمة، وخلال ثوان معدودة كانت المياه تملأ النفق، تحركنا بسرعة نحو الفتحة لكن المياه كانت أسرع منا، صرخنا لكن لم يسمعنا الإخوة بالغرفة لأننا كنّا نتعمّد فتح التلفاز ليخفي صوت الحفر سبحنا بصعوبة ورأينا الموت بأعيننا، لكن شاء الله وكتب لنا النجاة، تحركنا بصعوبة إلى أن وصلنا إلى فتحة النفق، خرجنا وقد اتسخت ملابسنا وتغير لوننا وشكلنا، بسرعة أغلقنا فتحة النفق وسارعنا بالاستحمام وتغيير ملابسنا وانتظرنا الصباح بترقب خوفا من أن تكتشف إدارة السجن النفق بسبب تسرب المياه العادمة.

مكثنا أياما وأسابيع ونحن ننتظر لكن لم يتم اكتشاف أمرنا لذا قررنا معاودة الحفر. لم تنجح محاولة الأبطال في الفرار سعيا لنيل حريّتهم، ولكنّهم علّمونا أنّهم قادرون على ابتداع شتّى أشكال المقاومة والوقوف في وجه المحتلّ.

المصدر/ مجلة سراج الأحرار ع5