الشهيد ميسرة أبو حمدية: مجاهد صلب وقدوة مُلهِمة

الشهيد القائد ميسرة أحمد أبو حمدية يصفه رفقاء الجهاد والمقاومة عندما كان في ريعان شبابه "كان الذكاء يشعّ من عينيه، ويقفز من أسئلته، ويتجلى في ما يطرح من آراء؛ فالعين ما كانت لتخطئ وهي تنظر إليه بأنها أمام قائد واعد ومجاهد صلب، ومنظِّم مؤثِّر، وقدوة مُلهِمة" فكان من أولئك القليلون من القادة الميدانيون الذين تُعرَف أعمالهم وإنجازاتهم أو صفاتهم القيادية في حياتهم، فيُعرَفون بعد استشهادهم، وإذا بقلوب الشعب تُفتح لهم، ويصبحون قدوة للأجيال الصاعدة.
حتى بعد استشهادهم لا تُكشَف كل إنجازاتهم ومآثرهم وذلك لتستمرّ بعدهم كأنهم باقون في إخوانهم الذين يواصلون الدرب، فتأثير الشهيد في شعبه وإخوانه وفي الشباب يخفف من الخسارة والفقدان، ويعزي النفوس ويضمن استمرار القضية التي سقطوا شهداء من أجلها.
الشهيد القائد ميسرة أبو حمدية «Ø£Ø¨Ùˆ طارق» من مواليد مدينة الخليل عام 1948ØŒ ضابط متقاعد برتبة لواء، وحاصل على دبلوم في الإلكترونيات من القاهرة، انخرط في صفوف الثورة عام 1968ØŒ واعتقل مرات عدة بتهمة الانتماء للعمل العسكري والنشاط الفصائلي، بدء العمل الوطني مع مكتب الشهيد أبو جهاد في الأردن منذ العام 1979ØŒ ومن ثم مكتب الانتفاضة منذ العام 1988ØŒ وبقي حتى عام 1998ØŒ وعمل في معسكرات حركة فتح في لبنان وسوريا، حيث انتمى إليها في العام 1970Ù… أثناء دراسته في القاهرة، وبعد مشاركة في انتفاضة الأقصى اعتقل في الثامن والعشرين من شهر مايو 2002 ليحكم عليه بالسجن المؤبد، ليقضي فترة اعتقاله بين أسرى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" .
الشهيد القائد ميسرة أبو حمدية، الشهيد (رقم 207) من شهداء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، يعتبر من القادة الميدانيين الذين عملوا بإتقان ونكرانٍ للذات ولاذوا بالصمت، ولم يشعر بعظمتهم إلاّ من كانوا يعملون معهم. وهؤلاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وهم الآن يملؤهم الحزن والأسى لفقدان أبي طارق، وقد زادوا تصميماً على مواصلة الدرب.
يعتبر ميسرة أبو حمدية، واحد من أبطال انتفاضة الأقصى، وهو بطل متميز لسبب بسيط هو أنه اعتقل وهو في العقد السادس، ما يعكس إرادته الصلبة في استمرار النضال، هو الذي بدأ رحلته مبكرا في صفوف الثورة الفلسطينية وحركة فتح، وصولا إلى تدريبه لشبان من حركة حماس بعد عودته من الخارج مع من عادوا ضمن اتفاق أوسلو، ومن ثم انتقاله إليها في السجن قبل سنوات (حكم عليه بالسجن المؤبد). وهنا يتبين الفارق بين حشد من ضباط الثورة الفلسطينية المنتمين إلى حركة فتح ممن لا يزالون على عهد التحرير، والذين لا زال كثير منهم يقبعون في السجون إثر مشاركتهم مع أبناء شعبهم إثر مقاومة الاحتلال، بينما خرج عدد منهم (أحيل آلاف منهم على التقاعد كي لا يفكروا في تكرار التجربة)، وبين آخرين رضوا بسياسة التنسيق الأمني، وقبلوا العمل في سلكها تحت مضلة اتفاقية اوسلوا.
عندما عُرض ميسرة أبو حمدية على الأطباء في سجون الاحتلال الصهيوني، وأجريت له الفحوص المخبرية، تبين أنه مصاب بسرطان الحنجرة، لكنهم لم يفعلوا له شيئا من الناحية العملية، إذ أعطوه بعض الأدوية ، لتبدأ حالته الصحية في التدهور التدريجي، وصولا بانتفاخ في الغدد الليمفاوية، وهبوط حاد في الوزن، وعدم القدرة على النطق وأوجاع في كافة أنحاء الجسد، خصوصا الأضلاع والعضلات وعدم استطاعته النوم ليلا ونهارا من شدة الألم.
دخل القائد الشهيد أبو حمدية مرحلته الأخيرة في مواجهة السرطان، لكن حينها القتلة لا يلقون بالا لحالته، ورفضوا الإفراج عنه كي يقضي أيامه الأخيرة بين أهله وأبنائه، من المؤكد أن القتلة هم المسؤولون عن وضعه الصحي، إذ يُجمع إخوانه الأسرى حينها على أن ما جرى له كان نتيجة الإهمال الطبي، وأن حالته لم تكن لتتدهور على هذا النحو السريع لولا تجاهل الاحتلال له شخصيا، ولعموم الأسرى فيما يتصل بالعناية الطبية.
لو وجد ميسرة أبو حمدية العناية الطبية، لكان الشفاء ممكنا، وأقله محاصرة المرض، لكنهم تركوا السرطان ينهش في جسده وصولا إلى هذا التدهور الخطير في صحته، ليستشهد في قسم العناية المكثفة في مستشفى سوروكا عند الساعة الثامنة من صباح يوم الثلاثاء الموافق 2/4/2013 بعد معاناته من مرض السرطان نتيجة الإهمال الطبي، في أبشع جريمة واخطر عمل منظم لقتل الأسير ميسرة مع سبق الإصرار وارتكاب مؤامرة متعددة الأطراف شاركت بها مدرية السجون العامة والمخابرات الصهيونية.
أن استشهاد الأسري في سجون الاحتلال وإصاباتهم بأمراض سرطانية كما حدث  مع المجاهد الشهيد الأسير ميسرة أبو حمدية دليل على خطورة الأوضاع في سجون الاحتلال، وظروف سجون الاحتلال وزنازين التعذيب وما يعانيه الأسرى في السجون من أشكال التعذيب والإهمال الطبي المتعمد والممارسات اليومية التي تفوق تصورات العقل البشري بحق الأسري الفلسطينيين، وتلقيهم معاملة وحشية وقاسية على أيدي إدارة مصلحة السجون بشكل منهجي مدروس مسبقا من اجل النيل من صمود الأسري في سجون الاحتلال.