الشهيد محمد جوابرة: رفض الاستسلام وقاوم ببسالة

تعالت أهازيج النسوة في وداع الشهيد محمد محمود محمد جوابرة قائد سرايا القدس في بلدة كفر راعي تلبية لوصيته الأخيرة بزفافه كعريس "كما قالت والدته" وهي تقبله وتحاول أن تحبس دموعها وتردد إحدى شقيقاته "زغردوا.. فمحمد عريس السرايا وفلسطين".
كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي يدخل فيها محمد لمنزل عائلته منذ بدء قوات الاحتلال بملاحقته قبل سبعة شهور فطوال تلك المدة حرمنا الاحتلال ابني تقول الوالدة ولطالما جلست ابكي في رمضان، وفي العيد لأننا محرومون منه ومن أحاديثه وعذب كلامه عن الصوم ورمضان والجنة، ففي الأشهر الأخيرة قبل مطاردته كان دوما يتحدث عن الشهادة ونسمعه يطلبها في صلاته والشهادة كما يقول رفاقه في سرايا القدس كانت أمنية الشهيد الوحيدة في هذه الحياة وقد حزن كثيرا عندما سبقه عدد من رفاقه للشهادة وكان يدعو ليل نهار اللهم ارزقني الشهادة في جهاد لا ينسى في سبيلك.

صفحات من سيرة الشهيد
وبفخر واعتزاز تحدث الوالد أبو محمد عن سيرة ابنه البكر محمد فقال: في الشهر الثاني من انتفاضة الأقصى رزقنا بمحمد في 9/1/1987، وكانت فرحتنا كبيرة كونه باكورة أبناءنا وحرص الوالد الذي يعمل مربيا للماشية في مزرعته المتواضعة التي تقع في خربة المدق التابعة لبلدة كفر راعي حرص على تنشئة إسلامية خالصة فكان يؤدي الصلاة في مواعيدها وحافظ للقرآن يصوم ويعمل الخير ويتنافى من أجل خدمة أبناء شعبه مما جعله يحظى بمحبة وتقدير الجميع حتى اعتقل.

الانتماء للجهاد
ويقول رفاق الشهيد: في مرحلة مبكرة انخرط بشكل سري في حركة الجهاد الإسلامي وكان شابا شجاعا مؤمنا مخلصا عرف الطريق للمسجد وكرس حياته للجهاد والدعوة للإسلام، وكان ناشط بشكل كبير في خلايا الجهاد ويحرص على المشاركة في كل حلقات الوعي والإرشاد والتثقيف كحرصه على مقاومة المحتل فأدرك أن الطريق للنصر والتحرير عبر الانتماء لحركة الجهاد وكذلك كان ناشط في المدرسة من خلال الجماعة الإسلامية وتميز بالتفوق في دراسته ولكن قوات الاحتلال كانت له بالمرصاد فخلال استعداده لامتحان الثانوية العامة يقول والده: فوجئنا بقيام قوات الاحتلال بنصب كمين له قرب منزلنا وفي صبيحة يوم 28/3/2005 وخلال توجهه للمدرسة قاموا باختطافه واعتقاله.

مرحلة الاعتقال
ويقول الوالد: في السجن تمكن من مواصلة تعليمه وحصل على شهادة الثانوية العامة ولكن قوات الاحتلال ورغم عدم إدانته بأي تهمة حولته للاعتقال الإداري لمدة ستة شهور ورغم استئناف المحامي، جددته مرة ثانية وعندما أنهى عام جرى تحويله لقضية، وحوكم بالسجن الفعلي لمدة 20 شهر بتهمة العضوية في حركة الجهاد الإسلامي، ويقول رفاقه: "ساهمت تجربة الاعتقال في صقل شخصيته وتكريس انتماءه لحركة الجهاد الإسلامي فلم يتوقف عن العطاء والتضحية والبذل وشكل مثلا أعلى لرفاقه بسبب مواقفه البطولية والشجاعة فكان يبث فيهم روح الجهاد والعزيمة ويجثهم على الصمود والثبات والجهاد فكان يقول نحن أبناء الجهاد ولدنا من اجل الجهاد ونعيش لأجل الشهادة أو النصر".

المطاردة
عقب خروجه من السجن في 10/8/2006 يقول والده حرص محمد على مواصلة مسيرته التعليمية وبدا بالتحضير للالتحاق بجامعة القدس المفتوحة ودراسة اللغة العربية، ولكن قوات الاحتلال لم تمهله طويلا ففي 15/3/2007 داهمت قوات كبيرة من جنود الاحتلال والمخابرات منزلنا وقاموا بتفتيشه ومطالبتنا بتسليم محمد وعندما لم يجدوه سلمونا أخطارا لمراجعة الإدارة المدنية.

رفض الاستسلام
عاشت العائلة كما يقول الوالد أبو محمد: لحظات عصيبة مع تهديد الجنود بتصفيته ولكن محمد رفض الاستسلام وقال لوالده إن الاستسلام مرفوض ومستحيل وخياري هو الجهاد ولن أتراجع ويضيف الوالد وقوات الاحتلال منذ ذلك الوقت لم تتوقف عن استهداف محمد وملاحقته فتعرض منزلنا لعشرات حملات الدهم والتفتيش والتخريب وإضافة لتدمير محتويات المنزل بشكل متعمد فان قوات الاحتلال كانت في كل عملية مداهمة تهدد بتصفيته والانتقام منا وقد نصبوا عشرات الكمائن التي جعلته غير قادر على الوصول إلينا وحرمنا منه طوال فترة مطاردته وعشنا أصعب اللحظات ونحن بأشد الشوق لرؤيته وعناقه والاجتماع به حتى في العيد.

أمنيته الشهادة
ويتذكر أبو محمد أنه كان دوما يعرض على محمد الزواج ويقول عقب الإفراج عنه من السجن توجهت له أنا ووالدته عدة مرات وقلنا له أنه باكورة أبنائنا ونريد أن نراه عريسا ونفرح بزفافه وحاولنا مرارا وتكرارا إقناعه بالفكرة ولكنه كان يقول لوالدته: "لا تستعجلي يا أمي والله لأعملك عرس كبير.. ورايح يكون يوم زفافي يوم لم تشهد له فلسطين مثيل".
ويضيف في إحدى المرات قال لي: زفافي سيكون يا أبي عظيم وكبير لا أريد هذه الدنيا سأجعلكم تفرحون وأنتم تزفونني للحور العين ويقول لرفاقه: "هذه الدنيا زائلة فحافظوا على عهد الجهاد لأنه طريق الشهادة"، ويقول رفاقه: "عندما استشهد رفيقيه طارق ملحم ومحمد ذياب كان شديد الحزن"، ويقول: "سبقاني للجنة اللهم ارزقني شهادتهم".

شجاع وبطل
ويقول رفاق الشهيد في سرايا القدس: أنه كان مجاهدا صلبا وشجاعا شديد في المقاومة بطل لا ينحني فكان دوما يشن الهجمات على قوات الاحتلال، وشكل مع رفاقه الشهيدين طارق ومحمد مجموعة سرايا القدس في كفر راعي التي قادها بعد اغتيال طارق، وكان دوما يتوعد بالثأر لهما وبمواصلة دربهما.

الشهادة
ويقول الوالد سأبقى اعتز ببطولات محمد للأبد فقد حقق أمنيته واستشهد وهو يقاوم في معركة كبيرة في جنين عندما حاصرته قوات الاحتلال مع رفيقه خالد حسين بتاريخ 23/10/2007م فقاوما ببسالة ورفضا الاستسلام وقاتل حتى الرمق الأخير. ويضيف في يوم استشهاده كنت في بيتي أتابع الأخبار عندما علمت بأن محمد استشهد خلال معركة كبيرة مع قوات الاحتلال فحمدت الله كثيرا ودعوته أن يتقبل شهادته فقد كنت أتوقع هذه اللحظة ولا يسعني إلا أن أقول نم قرير العين يا محمد لأننا سنعتز بك ونحمل رايتك حتى يحقق الله حلمك أما والدته فقالت رفضت الحداد والتعزية بمحمد وفتحت بيتي للمباركة وتقبل التهاني فمحمد عريس فلسطين وأنا كأم فلسطينية افتخر بحياته واستشهاده ويكفي أنه رفض الدنيا وهم يحاصرونه بدباباتهم وطائراتهم وصمم على الجهاد حتى نال شرف الشهادة فلا أملك إلا أن ادعوا الله ليل نهار أن يتقبل شهادته.

(المصدر: سرايا القدس، 23/10/2007)