الشهيد أحمد الشيخ خليل: قائد صنَع فأبدع وضرب فأوجع

حينما يسخر المرء حياته كلها في سبيل الله ويفدي ثرى أرضه بدمائه وروحه ونفسه وماله وكل ما يملك، فهوا إنسانُ شابه الملائكة بالتضحية والصبر والفداء وهذا ما نراه في تلك العائلة المجاهدة التي قدمت نموذجاً رائعاً بالجود والعطاء لم يكن عطاءً عاديا بل هو عطاء الدم والأشلاء وعطاء الصبر والثبات على الحق للدفاع عن حياض الإسلام.
لقد اصطفاهم الله ليكونوا عنواناً للدفاع عن رفعة هذه الأمة الغراء, لم يعرفوا النوم ولا الكلل ولا الملل ولم يغرهم كثرة العطاء والكرم الذي أبدوه بدماء خيرة رجالهم وأبنائهم المخلصين الذين سخروا حياتهم وأوقاتهم وكل مقومات وجودهم وبقائهم في سبيل الله وفي سبيل الارتقاء بفلسطين نحو المجد والكرامة والنصر والتمكين.
أدركوا آيات القران وتدبروها جيداً وعرفوا النهاية الحتمية لمن يسلك طريق ذات الشوكة هذا الطريق الذي كان حافلاً بالابتلاءات والمصاعب والمخاطر والأشواك.
لعل الحديث عنهم يطول كثيراً ولن تسعفنا كلماتنا المتواضعة الخجولة أمام عظام جهادهم وصبرهم وصمودهم وتقديمهم للواجب بالدم والأشلاء.
إنها عائلة "الشيخ خليل" هذه العائلة المجاهدة التي قدمت خمسة أشقاء (محمود – محمد – شرف - أشرف) والتحق بهم مؤخراً الأسد الهصور "أحمد الشيخ خليل" ليرافقهم في جنان الخلد وليتوج والدته الخنساء تاج الوقار باستشهاده المشرف في أيام مباركة فتحت فيها أبواب الجنة والمغفرة.
الشهيد القائد "أحمد الشيخ خليل" أبو خضر، مضى للجنان بشوق للقاء إخوته الأربعة، بعد مسيرة حافلة وناصعة من الجهاد والإبداع في وحدة الهندسة والتصنيع بسرايا القدس.

بزوغ الفجر
ولد شهيدنا القائد "أحمد خليل الشيخ خليل" بتاريخ 23/8/1975م، ونشأ في أسرة متدينة متقيدة بتعاليم الإسلام العظيم، وتتكون أسرته من أب وأم وزوجة أب وعدد من الإخوة، عاشوا جميعا في منزلهم بمخيم الشهداء والصمود مخيم يبنا الذي قدم التضحيات الجسام في مقارعة أبنائه للمحتل الغاشم على فترات عديدة.
ودرس شهيدنا المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث للاجئين، ÙˆÙ…Ù† ثم انتقل للدراسة في مدرسة بئر السبع الثانوية للبنين وقد حصل على مجموع عالي الدرجات أهلته للدراسة بالخارج.
وفي تلك المرحلة اهتم الشهيد أحمد الشيخ خليل رحمه الله بالمرحلة الأكاديمية والتحق بجامعة اسطنبول بتركيا وتخصص هندسة ميكانيكية ÙˆØªØ®Ø±Ø¬ منها Ùˆ بعد إنهائه الدراسة الجامعية عاد إلى أرض الوطن في عام 2000Ù… وعند رجوعه آثر العمل الجهادي على التقدم لوظيفة مدنية كغيره من زملائه.
وكان في بداية الأمر ومنذ صغره مجاهدا فذاً يقاوم المحتل بكل ما أوتي من قوة فشهد له ومنذ صغره مشاركته مع أخوته بالانتفاضة الأولى.
وتزوج شهيدنا القائد "أحمد الشيخ خليل" من 3 نساء, الزوجة الأولى وله منها 3 أبناء و3 بنات فقد إحداهن في خطأ أدى إلى استشهادها على الفور، وتزوج من اثنتين من زوجات أخوانه الشهداء محمد ومحمود الشيخ خليل أنجب من الزوجة الثانية (أم محمد) 3 بنات والزوجة الثالثة ( أم خليل ) 3 أبناء وبذلك يكون مجموع الأبناء "11".

أمنيات
توجه شهيدنا مع عدد من رفاقه لأداء فريضة الحج. فكان يرقب رؤية الكعبة المشرفة ليدعوا الله دعوة كان يعلم يقينا بأن الله لن يرده خائبا Ù‹ فيها, فدعى الله أن يرزقه الشهادة ÙˆØ£Ù† يعتق رقبته من النار.
فكان له ما تمنى وصدق الله فصدقه الله فأكرمه بالشهادة مقبلاً غير مدبر في أيام حرم هي عند الله عظيمة فنحسبه شهيداً ولا نزكي على الله أحداً.

ما قبل الاستشهاد
قبل يوم واحد من استشهاده، أصر على دعوة الأسرى المحررين العائدين إلى ديارهم ÙˆÙ‡Ù… خالد الجعيدي وياسر الخواجة ورائد أبو لبدة إلى طعام العشاء في منزل الشهيد القائد محمد الشيخ خليل Ø¥Ù„Ù‰ جانب عدد من قيادات حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري "سرايا القدس".
وأبدى الجميع سعادتهم من هذا اللقاء الذي عزز بدوره أواصل الثقة بين القيادة مع إخوانهم الأسرى المحررين من سجون الاحتلال.
وكان عازما ًعلى المشاركة في المهرجان الذي كانت تنوي حركة الجهاد الإسلامي القيام به بمدينة رفح في ذكرى استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي واحتفاءً بتحرير عدد كبير من الأسرى من سجون الاحتلال الظالمة، إلا أن نبأ استشهاده ورفاقه كان سباقاً وارتقى لجوار ربه شهيداً يرقب أحبابه من هناك.

صفاته
كان شهيدنا متواضعاً وقريبا من الناس ويحب مساعدتهم ولا يردهم خائبين, وكان مؤثراً على نفسه. كما عرف بالصلابة وبرجاحة العقل والتدبير والحنكة في العمل العسكري. وكل من عاش معه ورافقه أحبه حتى إننا رأينا في موكب تشييعه العشرات ممن قد ذرفوا الدموع على فراقه.

رحلة جهادية مشرفة
تأثر شهيدنا المقدام "أبو خضر" في الفترة الأخيرة بشقيقه الشهيد القائد محمد الشيخ خليل أحد أبرز قادة السرايا، والذي شهد له الجميع بالإخلاص والتفاني في العمل وأحبه كل من عرفه وعمل معه.
وبدأ شهيدنا نشاطه في بدايات انتفاضة الأقصى المباركة مع الشهيد القائد محمد الشيخ خليل والشهيد القائد خالد عواجة حيث برع الشهيد رحمه الله في العمل التقني.
وفي بدايات العمل التقني ورغم شح المواد المستخدمة في عملية التصنيع كان الشهيد رحمه الله دائما يبحث عن البدائل التي تسد العجز والخلل ومواصلة العمل. 

ويذكر لشهيدنا القائد "أحمد الشيخ خليل" العديد من الأعمال الجهادية البارزة والهامة في تاريخ سرايا القدس ومنها:

  • شارك ÙÙŠ تجهيز جيب مفخخ لإخوانه بلجان المقاومة الشعبية لتنفيذ عملية بالقرب من معبر رفح بالعام 2004Ù… والتي أسفرت عن وقوع العديد من القتلى والجرحى. 
  • كان المسئول الأول عن تجهيز جميع العبوات التي استخدمها الاستشهاديين لتنفيذ عمليتي "فتح خيبر" Ùˆ"الفتح المبين" داخل مغتصبة "موراج".
  • أشرف على تدريب الشهيد المجاهد محمد الراعي على كيفية استخدام قاذف الآر بي جي في اللحظات الأخيرة قبل انطلاقه لتنفيذ عملية إطلاق القذيفة التي أدت إلى تفجير دبابة الميركفاة في ذلك الوقت.
  • استهدف جيب عسكري بالقرب من منطقة الشعوث بقذيفة آر بي جي فلم تتمكن القذيفة من إصابة الجيب إصابة مباشرة ولاذ جنديين بالفرار من الجيب، حيث قام بقنصهما وإصابتهما. 
  • الإشراف على  تنفيذ عملية رفيح يام للاستشهاديين أيمن الجزار وطارق أبو حسنين، حيث قام بتوصيل الاستشهاديين إلى نقطة الصفر لتنفيذ العملية وقام بالتغطية حتى يتمكن الاستشهاديان من الدخول إلى عمق المغتصبة.
  • قام بتصنيع أول قطعة من قاذف الـ "p2" ÙˆØªÙ… استخدامه بشكل فعال من قبل مجاهدي السرايا.
  • تمكن من استخدام العديد من المواد البديلة في تصنيع العبوات والصواريخ.
  • قام بتصنيع وتطوير القنابل والعبوات والصواريخ بشكل مذهل .. حتى وصلت لما هي عليه الآن.
  • والجدير ذكره أن الشهيد أحمد الشيخ خليل رحمه الله تعرض لعدة عمليات، وبحمد الله جميعها باءت بالفشل وكان أحدها عملية اغتيال تعرض لها هو وأخوه الشهيد محمود الشيخ خليل أدت إلى بتر يده اليسرى وتعرض جسمه للحرق بشكل كامل بنسبة تتجاوز 60% والتي على أثرها أيضاً فقد السمع في أذنه اليسرى والأذن اليسرى كانت في أفضل حالاتها لا تتجاوز نسبة 50%. 
  • ورغم حجم الإصابة التي تعرض في آخر محاولة اغتيال إنه أبى إلا أن يشارك أخيه الشهيد القائد محمد الشيخ خليل في تجهيزه Ù„عملية جسر الموت البطولية, وكان عازماً رحمه الله على مواصلة الدرب حتى يلقى الله عز وجل مقبلاً غير مدبر.

وفي العام 2005 م سافر لرحلة علاج إلى الخارج استمرت إلى أكثر من 8 شهور أجرى خلالها العديد من العمليات الجراحية التي تعينه على ممارسة حياته اليومية بشكل قريب من الوضع الطبيعي، وخلال تلك الفترة التي كان يقضيها "أبو خضر" بالخارج للعلاج تعرض أخيه الشهيد القائد محمد الشيخ خليل لعملية اغتيال مع رفيق دربه الشهيد نصر برهوم أدت إلى استشهادهم على الفور, وتجدد فصل من فصول الألم بفراق والمربي الشهيد أبو خليل رحمه الله.
وفي تلك الظروف القاسية التي تعرض لها كان بإمكانه أن يلقي السلاح وأن ينأى بنفسه بعيداً عن طريق الجهاد، إلا أنه أصر على مواصلة درب الشهداء الذي رسمت معالمه بالدماء والأشلاء.
وبعد عودته من رحلة العلاج حمل على عاتقه مسئولية كبيرة في إدارة سلاح الهندسة والتصنيع بسرايا القدس على مستوى قطاع غزة، فأبدى مهارة فائقة في هذا المجال وبدت بصماته واضحة في العمل الجهادي لحتى يومنا هذا.

رحلة الخلود
وبينما ÙƒØ§Ù† شهيدنا يعد العدة مع إخوانه في وحدة الهندسة ÙˆØ§Ù„تصنيع للذود عن أبناء قطاع غزة الصامد ÙˆÙŠØ°ÙŠÙ‚ العدو Ø§Ù„غاصب من كأس الموت الذي تجرّعه أبناء شعبنا، وبينما هو كذلك، إذ Ø¨Ø·Ø§Ø¦Ø±Ø§Øª الاحتلال الصهيوني التي كانت تجوب سماء Ø§Ù„قطاع في التاسع والعشرين من Ø£ÙƒØªÙˆØ¨Ø± لعام 2011Ù…ØŒ ØªØ³ØªÙ‡Ø¯ÙÙ‡ بعدة صواريخ هو ورفاق دربه المجاهدين الأطهار أبناء Ø³Ø±Ø§ÙŠØ§ القدس: الشهيد القائد "محمد عاشور"ØŒ من سكان خان يونس، ÙˆØ§Ù„شهيد القائد "عبد الكريم شتات"ØŒ من Ø³ÙƒØ§Ù† خان يونس، الشهيد القائد "عبد الكريم المصري"ØŒ من سكان مدينة خانيونس، ÙˆØ§Ù„شهيد القائد "حسن الخضري"ØŒ من Ø³ÙƒØ§Ù† مدينة ØºØ²Ø©ØŒ حيث ارتقى الخمسة إلى العلياء شهداء مقبلين غير مدبرين ولا نزكي على الله أحدا.

كلمة الخنساء
أم رضوان الشيخ خليل تثبت للعالم بأسره أن فداء سيدنا إبراهيم لابنه إسماعيل تقدمه فلسطين الآن بخيرة أبنائها ورجالها المخلصين ولن تحيد عن درب الجهاد والمقاومة حتى تحرير كامل تراب فلسطين واسترداد الحقوق والثوابت المسلوبة.
تقول: "خنساء فلسطين" أم رضوان التي قدمت خمسة من أحفادها شهداء في سبيل الله وهم (شرف - أشرف - محمود - محمد - أحمد)، "توفي زوجي منذ 30 عاما وربيت أطفالي يتامى بلا أب ولا معيل لعائلتي، واليوم أقوم بتربية أحفادي اليتامى دون شكوى أو سؤال أحد"، متسائلة: "لكن ما ذنب زوجاتهم الأرامل وأطفالهم اليتامى بذلك كله".
وأضافت بكل صبر: "لم يكن بالأمر السهل أن تربي أم عشرة أطفال وحدها دون معيل ومساعدة من أحد واليوم تتكفل بتربية أحفادها، لكن الله ربط على قلبي وألهمني الإيمان والصبر".
وتابعت الحاجة أم رضوان: " لست نادمة لأنني قدمت أبنائي شهداء لله، لقد قدمت 4 شهداء في السابق وها أنا اليوم أقدم الشهيد الخامس, وفخورة بهم كل الفخر بكونهم مجاهدين في سبيل الله، واستطاعوا أن ينالوا شرف الشهادة الذي يطمح الكثيرين للحصول عليها".
وأعربت عن أملها في أن يكون جميع شباب فلسطين مثلهم، أن يجاهدوا في سبيل الله وأن لا يرضخوا لمحاولات الاحتلال لتجنيدهم عملاء لهم ضد شعبهم ووطنهم، مؤكدة أن ما حققه أبنائها شرف تفتخر به طالما بقيت على قيد الحياة.
وتُضيف والدة الشهيد: "أبنائنا للجنة وأبنائهم وقتلاهم للنار، لأن أبنائنا ثابتين على دينهم، وهم مرعوبين من مواجهة أبنائنا"، داعية الله أن يرمل نسائهم ويثكل أمهاتهم وييتم أطفالهم (اليهود).
وتتابع ÙˆÙ‡ÙŠ ترفع يديها إلى السماء "الله ينصر المقاومة ويفرحنا بنصر المقاومة، ÙˆØ§Ù†Ø¯Ø­Ø§Ø± اليهود عن كل أرضنا".
وعن Ø§Ø³ØªÙ‚بالها لخبر استشهاد أحمد، تقول أم رضوان: "تقبلت الخبر بكل فخر وفرح؛ Ù„كنني أشعر بحزن كبير لفراقه، لأنه الابن الخامس، ولا يسعني إلا أن أقول لا إله Ø¥Ù„ا الله وإنا لله وإنا إليه راجعون".

لله Ø¯Ø±ÙƒÙ يا خنساء فلسطين وأنتي اليوم تقفين بكل شموخ في عرس جديد من أعراس الدم ÙˆØ§Ù„شهادة.. تقفين لتودعين نجلك القائد "أبو خضر" والإيمان الجازم بوعد Ø§Ù„له يملئ قلبك الطاهر صبراً واحتساباً وثباتاً في أكثر المواقف شدةً في الحياة.

(المصدر: سرايا القدس، 29/10/2011)