«محمد الناعم».. مجاهد تقدم الصفوف ونال الشهادة

هؤلاء الشهداء لهم مع من يعرفونهم حكايات وحكايات، ولهم مع هذه الأرض المباركة قصة عشق خالدة وسرمديّة، فهي أرضعتهم حب الأوطان لبناً وأطعمتهم الشجاعة قصعة، وما زالت تلبس السواد والبياض لفراقهم، وخرجوا منها فوارس وعادوا إليها شهداء، بعد أن وفوا بعهدهم لها.

إنهم رجال سرايا القدس الذين لم يفكروا بحياة الرفاهية والمناصب الزائفة، ولم يلتفتوا لهذه الحياة الفانية إلا ليأخذوا منها ما يستطيعون به سد رمقهم ونيل رضا ربهم تبارك وتعالى، فجل تفكيرهم كيفية الوصول إلى الجنة وكيفية حصولهم على شرف الشهادة، فشمروا عن سواعدهم وحملوا بنادقهم وأصبحوا يسابقون الريح في العمل رغم عتمة وعثرات الطريق لأن هناك ما يجذبهم لذلك إنها الجنان ونعيمها وأنهارها وعسلها وخمرها وطيبها فطوبى لمن فاز بسكناها.

طوبى لك يا شهيدنا محمد الناعم وأنت تودع هذه الحياة كما كنت تسعى وتتمنى في ساحات الوغى، فرغم بشاعة الإمعان في قتلك وتمزيق جسدك بسنان الجرافة في صورة صادمة وقاسية في آن واحد، إلا أن صدق نهجك يجعلك تقترب من سيرة من قضوا نحبهم وهم يتمسكون بحبل الله، لسان حالك مردداً في هذا المقام مقولة أسماءُ لابنها عبد الله بن الزبير "لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها، فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله".

ميلاد مجاهد:

ولد الشهيد المهندس محمد علي حسن الناعم (أبو حمزة) بمنطقة الحاووز غرب محافظة خان يونس في الأول فبراير من العام 1993م، لعائلة فلسطينية ملتزمة ومجاهدة، عاش طفولته وشبابه في كنفها وتعلم منها الكثير من القيم والمبادئ وأهمها حُب فلسطين.

درس الشهيد محمد كما أقرانه في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، وكان طوال فترة دراسته من الطلبة المتفوقين، حيث أنهى دراسة المرحلة الثانوية بتفوق، لينتقل بعضها لدراسة الهندسة المدنية، حيث حصل على شهادة البكالوريوس بعد سنوات من السهر والجد والاجتهاد.

تزوج الشهيد محمد الناعم قبل نحو عام ونيف من استشهاده، وكان ثمرة زواجه المبارك أن رزقه الله بطفله البكر "حمزة"، سائلين المولى عز وجل أن يجعله من الذرية الصالحة التي تعين أمه وأهله ويحقق حُلم والده فيه.

أخلاقه وصفاته:

الشهيد محمد نعم المجاهد الحنون الهادئ المبتسم المتواضع، المهذب الخلوق، البار بوالديه، المتفوق في دراسته، الشجاع الذي لا يهاب الأعداء، كان بإمكانه البحث عن حياة الرفاهية في السفر، إلا أنه أثر البقاء في وطنه رغم الحصار وشح الفرص العمل، ومواصلة طريق الجهاد والمقاومة.

مشواره الجهادي:

انضم الشهيد محمد الناعم إلى طريق الجهاد والمقاومة وهو لازال طالباً في المرحلة الإعدادية حيث كان التحاقه بدايةً بالرابطة الإسلامية الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي ليتربى بعد ذلك على موائد الإيمان والوعي والثورة في مسجد "المجاهدين"، عوضاً عن التربية السامية التي تلقاها داخل أسرته الملتزمة والمحافظة، فكان التحاقه بركب حركة الجهاد الإسلامي في عام 2007 م.

وفي عام 2011م تحققت رغبة شهيدنا بالالتحاق في صفوف سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بعد إلحاح شديد منه على قيادة السرايا، ليكون جندياً مقاتلاً في سبيل الله.

ومنذ انخراطه في صفوف سرايا القدس، تلقى شهيدنا عدة دورات عسكرية على يد إخوانه المجاهدين، فكان بارعاً في نصب العبوات واقتحام خطوط العدو، ولذلك تم اختياره ليكون ضمن وحدة النخبة الخاصة، وتدرج في العمل العسكري حتى أصبح "آمر مجموعة" جهادية ضمن وحدة النخبة.

ويسجل للشهيد محمد الناعم تفانيه في العمل الجهادي، والتزامه المنقطع النظير في تنفيذ العديد من المهام العسكرية الخاصة، إلى جانب مشاركته إخوانه المجاهدين في المعارك التي خاضتها سرايا القدس ضد العدو الصهيوني رداً على جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني.

موعد مع الرحيل:

فما أجملها من شهادة وما أروعها من بشريات، يا من ارتقيت وأنت تتقدم الصفوف لتجعل من دمك المراق زيت يضيء الطريق نحو باحات المسجد الأقصى.

ارتقى الشهيد محمد علي الناعم إلى علياء المجد والخلود في صباح يوم الأحد 29 جماد ثاني 1441 هـ الموافق 23/2/2020م، بعد حياة قصيرةٍ عاشها متنقلاً بين حلقات الذكر وحفظ القرآن، ومواقع التدريب والإعداد وعلى خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني، بصمت بعيداً عن الضوضاء، حتى كانت شهادته صدمة لأهله وذويه. مقتدياً بذلك بحديث المصطفى صلوات الله عليه وسلم:" حافظوا على قضاء حوائجكم بالسرّ والكتمان".

بأس الصادقين:

رد سرايا القدس على جريمة استشهاد المجاهد محمد الناعم لم يطول، وبعد مرور ساعات قليلة على الجريمة، خاضت سرايا القدس معركة "بأس الصادقين" رداً على اغتيال الشهيد المجاهد محمد الناعم والتنكيل بجسده في جريمة وحشية شرق خانيونس، ورداً على جريمة استهداف دمشق العروبة واغتيال المجاهدين زياد منصور وسليم سليم.

وتمكنت السرايا من قصف مدينة عسقلان المحتلة ومغتصبات غلاف غزة برشقات صاروخية، واعترف العدو الصهيوني بإصابة 21 مغتصباً صهيونياً ووقوع أضرار مادية في المنازل والممتلكات الصهيونية وهروب الصهاينة نحو الملاجئ وتعطيل الدراسة وإغلاق الطرق في المدن والمغتصبات ووقف قطار سديروت عسقلان، جراء صواريخ سرايا القدس.

المصدر (موقع سرايا القدس)