الشهيد نضال شقورة: حياة امتازت بعبق الجهاد وروح بالإخلاص

الميلاد والنشأة
ولد شهيدنا القائد نضال حيدر شقورة، في مشروع بيت لاهيا، بعد أن هُجِرت عائلته من مدينة المجدل المحتلة، فتعهده أبناء مسجد القسام بالتربية فاحتضن نضال المسجد وأصبح من رواده، فكانت هذه النشأة بمثابة دروسٍ في الوعي والحس القوى الرافض للاحتلال الذي اغتصب الأرض وطرد الأهل، ففي 25/9/1985م، عانق نضال الحياة المتلاطمة بأوجاعها، حيث نشأ في كنف أسرة متواضعة متسربلة بكساء الإسلام ومعتصمة بحبل الله قوامها أحد عشرة فرداً، وكان نضال الابن البكر لوالده، ترعرع نضال في كنف هذه الأسرة التي تحمل الهم الفلسطيني بين أضلعها وثواني عمرها، وكان نضال يكبر لتكبر في قلبه مأساة هذا الشعب المشرد، فنهض ليحمل الأمانة ويقوم بأعبائها خاصة وأن عائلته عائلة مجاهدة قدمت الكثير من الشهداء على مذبح الحرية والكرامة.

المسيرة التعليمية... حياة علمية ومهنية
درس نضال المرحلة الابتدائية في مدرسة بن رشد للاجئين، وكان من الطلبة الجيدين ثم التحق بمدرسة ذكور جباليا الإعدادية "ج" للاجئين ليواصل دأبه ودراسته، وبعدها التحق نضال بمدرسة أحمد الشقيري الثانوية، فأدرك حسن قدر العلم والعلماء، وأصر على مواصلة رسالة الأنبياء، فالتحق بكلية تدريب غزة المهنية "قسم الكهرباء العامة"، ثم انتقل ليباشر حياته المهنية فعمل في صفوف جهاز الشرطة الفلسطينية، ولكن شغفه للعلم دفعه ليكمل دراسته في جامعة القدس المفتوحة التي لم يقدر للشهيد أن يتخرج منها حتى تخرج من جامعة الشهداء.

مسيرة مستقيمة وخلق قويم
عرف أبا محمد بدماثة خلقه القويم، حيث كان يألف ويؤلف، كان يداعب الجميع بابتسامته المرحة، ظهرت عليه علامات الرجولة وقوة الشكيمة وحب الناس منذ الصغر، كما كان شديد الالتزام بالصلوات الخمس والعبادات والنوافل في مسجد القسام "منارة الشهداء وقبلة العاشقين"، وخاصة صلاة الفجر، متمسكاً بكتاب الله مخلصاً متواضعاً مما ساعده على صقل شخصيته، فكان مرهف الحس، دقيق الإدراك، كان نضال باراً بوالديه مطيعاً لهما لا يضجر ولا يتأفف من طاعتهما، فقلبه العطوف يقبل الجميع حتى مع أخوته الصغار، كان يداعبهم ويعطف عليهم ويتودد لهم، كان نضال مقداماٌ رافضاً للظلم ينبري للتصدي للمواقف المتخاذلة فهو يصدع للحق صداحاً به، كان نضال هادئاً جداً، مقداماً واثقاً بنفسه، أحبه كل من عرفه، وهذا ما بدا ظاهراً خلال تشييع جثمانه الطاهر.

نضال ونسيج العلاقات الاجتماعية
تميز نضال بنسيجه الاجتماعي الواسع، فكان له أصدقاء كثر يلتفون حوله من إخوانه في المسجد والحي والعمل، يصل الرحم ويزور إخوانه، كما تميز بأنه أحاط نفسه بثلة من الشباب الملتزم والواعي، فكان مثالاً في التكافل الاجتماعي في أسرته ومسجده وأصدقائه، كما تميز نضال بعلاقاته التنظيمية الواسعة مع كل التنظيمات والفصائل المجاهدة حتى التي تخالفه في الفكر، فكان ينسج بحراً من العلاقات الاجتماعية، يشارك الجميع أفراحهم، ويشاطرهم أحزانهم، تزوج نضال قبل عدة أشهر من زوجة صالحة، فطوبى لمن يألفون ويؤلفون.

أبو محمد وطريق المستضعفين ..على درب ذات الشوكة
تربى نضال على موائد القرآن الكريم في قلعة الجهاد والمقاومة مسجد القسام منذ أن تفتحت عيناه على الدنيا، فاحتضنه شباب المسجد وتعهدوه بالتنشئة الإسلامية الرائدة، فالتحق بحركة الجهاد الإسلامي التي آمن بأطروحاتها واستشعر مصداقيتها، انتقل للعمل في صفوف الاتحاد الإسلامي الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي، وبعد ذلك ألح نضال على إخوانه في قيادة سرايا القدس أن يلتحق بهذا الركب الطاهر والخيار الأمل، فقبل الأخوة بعد جهد كبير وإصرار حثيث من قبل نضال فانتمى لسرايا القدس المظفرة مع بداية انتفاضة الأقصى فتلقى العديد من الدورات التدريبية على أيدي قادته، حيث تميز نضال فيها مما حذا بقادته أن يجندوه ضمن القوة الخاصة التابعة لسرايا القدس، وشارك نضال في صد العديد من الاجتياحات لشمال القطاع، وشارك أبا محمد في قيادة حملات إطلاق الصواريخ على المدن المحاذية لشمال غزة، كما أشرف على متابعة الوحدة الصاروخية في مشروع بيت لاهيا، وكان نضال أحد المسؤولين عن إطلاق حملة تتضمن 40 صاروخاً على المغتصبات الصهيونية رداً على اغتيال القائد محمد شحادة ورفاقه الثلاثة في مدينة بيت لحم لدرجة أن رفاق دربه أطلقوا عليه "قاصف زيكيم ومزلزل سيديروت"، كل ذلك ونضال يعمل بصمت تحت جنح الليل.

الشهادة كانت تراوده دائماً
كان نضال يحب الجهاد والمجاهدين، حيث كان سباقاً للمشاركة في أعراس الشهداء ومواكب زفافهم للحور العين، كما برز في شخصية نضال حبه لزيارة بيوت عوائل الشهداء، لقد تعرض نضال للشهادة عشرات المرات في ساحات العزة، لكن ذلك لم يفت في عضده، فواصل درب الأباة حتى غدر به العدو الصهيوني، بعد أن رصده بعيونه البشرية والآلية، حيث أنه لم يتمكن من قتله في ساحات المعركة، فغدر به عن طريق طائرات الاستطلاع الحاقدة التي نفثت سمومها القاتلة، التي تعبر عن السادية الصهيونية في أطراف نضال وأشلائه الغضة، فارتقى نضال شهيداً لاحقاً بكل العظام ابتداءً من معلمه الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، مروراً بأحبابه الشهيد رائد أبو فنونة وأحمد لبد وحسن شقورة.

آخر عهده بالدنيا
شارك الشهيد القائد أبا محمد، بطاقة كبيرة جداً في عرس الشهيد المهندس حسن شقورة حتى اللحظة الأخيرة، وذلك لقوة العلاقة الأخوية والروحية التي توأمت بين روحهما، وكان يتطلع لمشاهدة العرض المرئي الخاص بالشهيد حسن، لكن طائرات الاستطلاع غدرت به ليلحق بحسن ويلتقي به في مستقر رحمة ربهما.

نضال على موعد مع الشهادة
استشهد شهيدنا القائد نضال شقورة "أبا محمد" متأثراً بجراحه الخطرة وذلك يوم الأحد الموافق 23/3/2008م، إثر قصفه من قبل طيران الاستطلاع الصهيوني بعيد خروجه من عرس رفيق دربه الشهيد المهندس حسن شقورة.

فنم قرير العين أبا محمد فقسماً سيعلمنَّ عدُوُنا أنَّا ليوثٌ في الوغى تَتوثب وأنك أنجبت جيلاً هماماً سيواصل دك المغتصبات الصهيونية حتى اندحار العدو البائد حتماً عن أرضنا.

(المصدر: سرايا القدس، 23/3/2008)