الاستشهادي راغب جرادات…ثأر جنين

بينما كان المقاتلون الفلسطينيون في مخيم جنين يخوضون أعنف المعارك، وبينما كان العالم يقف صامتاً على مجازر شارون الجديدة في مخيم جنين تحدى استشهادي فلسطيني من سرايا القدس كل الإجراءات الصهيونية، وخرق سور شارون الواقي ونفذ عمليةً نوعيةً في قلب العمق الصهيوني، ليؤكد أن إرادة الفلسطيني واستعداده للتضحية اكبر وأقوى من كل الإرهاب الصهيوني .
كان قادة الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية الصهيونية يحاولون طمأنة الشارع الصهيوني بانتهاء العمليات الاستشهادية في الداخل.
كانوا يقولون: "مخيم جنين يخضع لحصار مشدد، والجيش يقوم بضرب وتصفية قواعد المقاومين الذين يرسلون الاستشهاديين. لطالما اعتبر الصهاينة جنين قلعة ومعقل الاستشهاديين الأولى في فلسطين".
وسط كل ذلك كان استشهادي فلسطيني يقتحم كل الحدود ويتحدى أجهزة الأمن الصهيونية ويفجر نفسه وحزامه في حافلة صهيونية.
الانفجار هز العمق الصهيوني، و أثار حالة من نشوة الانتصار في الشارع الفلسطيني؛ الذي اعتبر العملية رداً على العدوان، وتاكيداً على قوة وإرادة الشعب المجاهد، ورغم الظروف الصعبة فإن المقاتلين في مخيم جنين احتفلوا بالعملية التي اعتبروها هدية خاصة لصمودهم ودعم لمعركتهم .

أمنيةٌ تحققت، ووصيةٌ نُفذت
بدأ الجميع يبحث عن اسم الأسطورة الجديدة في سفر النضال والمقاومة، والتي أعادت للمقاومة عنفوانها وقوتها، ولكن حجم الفرحة والاحتفاء بالعملية اتخذ بعداً أكثر أهمية بعدما تبين أن منفذ العملية الاستشهادية خرج من منطقة جنين. إنه ابن سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) راغب أحمد عزت جرادات الذي أهدى عمليته إلى المجاهدين على أرض فلسطين وفي مخيم جنين الصابر الصامد …والذي هزته صور الدمار والقصف والأخبار التي تسربت من المخيم عن ارتكاب العدو للمجازر البشعة فلم يتأخر عن تلبية نداء الواجب والجهاد ففجر جسده الطاهر في حافلة صهيونية بعدما ترك وصيةً قال فيها:واستهل (يا أبناء الإسلام المفدى وأبناء فلسطين الذبيحة…. في الوقت الذي يتصاعد فيه الإجرام الصهيوني في كل مكان مستهدفا كل ما هو جميل في حياتنا وفي الوقت الذي يعلن العالم المستكبر والجبان بصمته الانحياز لهذا الإجرام، وفي الوقت الذي تصر به الحكومات العربية والإسلامية أن تبقى أحذية في أقدام الصهاينة وأمريكا المجرمة، وفي الوقت الذب تغط به الشعوب العربية والإسلامية في سباتها العميق، وترفض أن تبصق الدم في وجه حكامها وسفارات القتلة على أرضها…. في هذا الوقت يقف المجاهدون على أرض فلسطين وفي مخيم جنين الصامد الصابر- مخيم النصر القادم لا محالة_ يقف المجاهدون يستمدون القوة من الله العزيز الجبار ويرفضون الخضوع أمام شراسة الهجمة ووحشيتها ويعلنون للعالم اجمع أن المقاومة ستستمر….
يمكنهم أن يقتلوا الشيوخ والنساء والقادة ويمكنهم أن ينشروا الدمار والخراب ويمكنهم أن يجرفوا الأرض ويقتلعوا الزرع لكن المقاومة ستستمر وحتما ستنتصر بإذن الله وسيعلم المجرم شارون وحكومة جنرالاته وجيشه القذر أن الدم بالدم وان النار بالنار وأن المجزرة في مخيم جنين لن تمر دون عقاب وسيدفع الصهاينة المجرمون الثمن غاليا بإذن الله وليطمئن كل المخلصين المجاهدين وكل الشرفاء والأحرار أن الجهاد والمقاومة ستستمر حتى رحيل الصهاينة القتلة من كل ذرة من فلسطين الطهور . وقع راغب وصيته بالدم ونفذ وصيته وأمنية حياته.
يقول رفاقه: كانت الشهادة هي الكلمة الوحيدة التي كان يرددها في الآونة الأخيرة وكلما سمع نبأ وقوع عملية كان أول المحتفلين بها يوزع الحلوى ويدعوا الله أن يمنحه هذا الشرف العظيم…. حتى إن أحد أصدقائه قال: بمقدار فرحة راغب بالعمليات كان يبكي، لأنه لم يكن الشهيد الذي نال هذا الشرف.

من الميلاد إلى الاستشهاد
ينحدر راغب من بلدة السيلة الحارثية، وقد ولد في عام 1985 لأسرة فلسطينية مناضلة تتكون من خمسة أفراد ووالده يمتلك صيدلية في مدينة جنين وحرص على تربية أبناءه تربية إسلامية صالحة وزرع روح الانتماء الصادق للوطن…
ومنذ صغره عرف الطريق للمسجد ونشأ على طاعة الله وحفظ أجزاء كثيرة من القران الكريم فتلقى تعليمه في مدارس السيلة التي عرفته طالباً مجداً ومجتهداً فكان يحصل على المرتبة الأولى دوما ويتفاخر به معلموه كما أسرته لحسن سلوكه وأخلاقه وتفوقه حتى حظي بمكانة خاصة ومميزة لدى الجميع .
وبعد دراسة واعية لقضية شعبه انخرط الشهيد في صفوف الجماعة الإسلامية الطلابية فساهم في نشر رسالة الإيمان والجهاد والمقاومة وشارك في كافة الأنشطة الطلابية والاجتماعية والوطنية وقاد المسيرات والتظاهرات بفعالية وتأثر…
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى تغير راغب كثيرا وأصبح أكثر عطاءً وعنفواناً فتوجه للقائد محمود طوالبة عدة مرات وطلب منه مساعدته لتنفيذ عملية فتقرب منه وأصبح تلميذاً مخلصا لطوالبة فتأثر به كثيراً وعندما جاء نبأ استشهاده في معركة مخيم جنين لم ينتظر وفي نفس اليوم الذي انتشر فيه الخبر توجه لحيفا وأبى إلا إن يثأر لاستشهاد معلمه محمود طوالبة ولمجزرة مخيم جنين.

لحظات الوداع
بعد وقوع العملية أدرك أهالي السيلة وأصدقاء راغب أنه خلال جولته الأخيرة عليهم كانت لوداعهم فلم يبقى صديق له إلا وقابله وصافحه دون أن يلاحظ أحد أي علامات غريبة عليه، وعندما نفذ راغب العملية تغلب رفاقه على حزنهم واحتفلوا بالعملية ليقوموا بنفس الدور الذي قام به راغب قبل فترة وجيزة فوزعوا الحلوى وألسنتهم وقلوبهم تضرع لله العلي القدير أن يتقبل شهادته وثبتهم على دربه.

عملية نوعية
ومع إشراقة الشمس كان راغب يتسلل إلى حيفا حاملاً كل الحب والانتماء لفلسطين وليلبي نداء رفاقه في مخيم جنين حيث فجر حافلة صهيونية فاستشهد وقتل 23 صهيونياً وأصيب العشرات من الصهاينة بجروح منهم عقيد في الجيش يعمل مديراً في سجن مجدو و4 ضباط تحقيق في سجن الجلمة برتبة ميجر .
لقد صدق في الشهيد قوله تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين"

(المصدر: وكالات)