أول شهيد من عمداء الأسرى الأسير عمـر القاسم

مَن لَم يَعرف عمر القاسم ، لا يعرف الحركة الوطنية الأسيرة ... فهو علم من أعلامها ورمزٌ من رموزها ، وأحد بُناتها الأساسيين وكان على الدوام عماداً أساسياً من أعمدتها الراسخة ... فكان في حياته قائداً فذاً ، ومناضلاً شرساً ، وأسيراً شامخاً ، ونموذجاً رائعاً ، وفي مماته شهيداً خالداً و قنديلاً لن ينطفئ نوره .
نعم هذا هو عمر القاسم لمن لا يعرفه ، بل يعجز القلم عن وصف خصاله وتجف الكلمات حينما تسرد سيرته ، وتنحني القامات تقديراً حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه .
وليس بالضرورة أن تكون قد عايشته في السجون كي تتعرف على خصاله ، أو أن تكون منتمياً لـ " الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين " كي تقرأ في أدبياتها عنه وعن أمجاده وبطولاته ومواقفه .
 ÙˆÙŠÙƒÙÙŠÙ†Ø§ فخراً أن فلسطين أنجبته ØŒ وفي القدس كان مولده ØŒ والثورة كانت خياره منذ نعومة أظافره ØŒ والحركة الأسيرة سطرت اسمه في سجلاتها بحروف من نور ØŒ وأطلقت عليه " مانديلا فلسطين " بعدما تجاوز العشرين سنة  في سجون الإحتلال الصهيوني بشكل متواصل ØŒ ليستحق لقب أول عمداء الأسرى .
إنه الشهيد الأسير " عمر محمود القاسم " من مواليد حارة السعدية في القدس القديمة سنة 1940 م ، و تعلم ودرس في مدارس القدس ، فدرس الابتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى ، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية عام 1958 م في المدرسة الرشيدية الثانوية عمل مدرساً في مدارس القدس ، ولم يكتفِ بذلك بل واصل تعليمه والتحق بالانتساب بجامعه دمشق وحصل منها على ليسانس الآداب " انجليزي " .
ألتحق شهيدنا بحركة القوميين العرب في مطلع شبابه وكان مثقفاً ونشطاً وفعالاً ومؤثراً بذات الوقت ØŒ وسافر إلى خارج الوطن وألتحق بمعسكرات الثورة الفلسطينية وحصل على العديد من الدورات العسكرية ØŒ وبتاريخ 28-10-1968Ù…  قرر العودة إلى أرض الوطن وبعد اجتيازه لنهر الأردن وهو على رأس مجموعة فدائية من الكوادر كان هدفها التمركز في رام الله ØŒ لكنها اصطدمت بطريقها بكمين صهيوني قرب قرية كفر مالك ØŒ ولم تستسلم المجموعة وقررت القتال رغم عدم تكافؤ المعركة ولكن وبعد نفاذ الذخيرة تمكنت قوات الاحتلال من أسر المجموعة  وقائدها عمر ØŒ وأخضع هو ومجموعته لتعذيب قاسي جداً  ØŒ ومن ثم أصدرت المحكمة العسكرية على الشهيد حكماً بالسجن المؤبد ØŒ وزج به في غياهب السجون وفي الغرف الإسمنتية وتنقل خلال فترة اعتقاله الطويلة بين العديد من السجون وأقسامها وغرفها .
وبالرغم من قساوة السجن والسجان ØŒ والشروط الحياتية القاسية ØŒ والمعاملة اللاإنسانية إلا أنه لم يستسلم للواقع المرير فكان صلباً مخلصاً عنيداً غيوراً وصبوراً كصبر الجمال ØŒ لم يساوم على مبدأ ØŒ وكان من القلائل الذين يمتلكون الثقافة التنظيمية والسياسية والثورية فلعب دوراً بارزاً في وضع اللبنات الأولى لعملية التثقيف التنظيمي والسياسي وساهم بوعيه وثقافته في التعبئة والحشد المعنوي في إعداد الأسرى وفي مواجهة إدارات القمع الصهيوني لتحسين ظروف الإعتقال فشارك مع إخوانه المعتقلين في العديد من الإضرابات عن الطعام بل وكان من أبر الداعين لتلك الإضرابات ومن قيادتها ØŒ كما وشارك في العشرات من الخطوات الاحتجاجية ØŒ ونسج علاقات  قائمة على الاحترام فحظي باحترام الجميع ØŒ ففرض نفسه بقوة على الساحة الإعتقالية بأخلاقه وسلوكه وحفر أسمه بحروف من نور بمواقفه البطولية وغدى القاسم نموذجاً وقائداً ليس لرفاق الجبهة الديمقراطية فحسب ØŒ بل ولكل الحركة الوطنية الأسيرة ....
نعم القاسم هو القاسم المشترك ما بين الأطياف السياسية للحركة الوطنية الأسيرة ØŒ وبعد عملية تبادل الأسرى عام 1985Ù… بين الجبهة الشعبية القيادة العامة Ùˆ دولة العدو والتي لم يفرج في إطارها عن " القاسم " ØŒ تعرضت الحركة الأسيرة في كافة السجون لهجمة شرسة من قبل إدارة السجون لسحب إنجازاتها ومكاسبها وكسر شوكتها وإذلالها  ØŒ إلاّ أن القاسم بتجربته الغنية وشجاعته وصمود زملاءه وإصرارهم كان لهم رأي آخر فتصدوا وبحزم وببسالة لذلك من أجل تثبيت تلك المكاسب والتي تحققت بفعل دماء وآلام الأسرى ØŒ وقد كان للقاسم دورٌ قياديٌ مميزٌ في ذلك . 
ومن مواقفه البطولية عندما قامت مجموعة مسلحة تابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بتنفيذ عملية " معالوت " في الجليل واحتلال مبنى ورهائن ØŒ استدعت إدارة السجن الشهيد "عمر القاسم" ومعه الشهيد " أنيس دولة "  وأخذوهما على متن طائرة مروحية إلى مكان العملية وساوموه وطلبوا منه أن يتحدث للفدائيين لتسليم أنفسهم وإطلاق سراح الرهائن ØŒ لكن القاسم رفض ذلك وبإصرار ØŒ فانهالوا عليه بالضرب المبرح وأعادوه كعقاب إلى زنازين السجن الانفرادية  .
عانى " القاسم " خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عاماً  العديد من الإمراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون حتى كان الموعد مع الشهادة في مثل هذا اليوم الرابع من حزيران عام 1989Ù… حينما توقف قلبه عن الخفقات ØŒ فيما شارك في تشييع جثمانه الآلاف من جماهير شعبنا وقياداته السياسية ودفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس ØŒ كما أقيمت للشهيد مسيرات وجنازات رمزية ومظاهرات عمت أرجاء الوطن وفي العديد من الأقطار العربية ...
وبعد مماته ØŒ وأكثر مما كان في حياته أحتل مكانة مميزة في قلوب كل الشرفاء والأحرار وكُتبت له القصائد  والأشعار ØŒ وحملت العديد من العمليات العسكرية اسمه لاسيما من التنظيم الذي انتمى له " الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين " ØŒ وزينت الشوارع باسمه وصوره وتغنى ولا زال يتغنى باسمه المقاتلون ØŒ وإذا كانت الشهادة هي أعظم أشكال التضحية ØŒ فإن الشهادة خلف القضبان يضاف لها عظمة خاصة ØŒ فلهؤلاء الشهداء فينا مكانة... وعلى رؤوسنا نحملهم تيجاناً ... ولسلوكنا نتخذهم نماذج .. بغض النظر عن توافقنا أو تعارضنا مع مواقفهم السياسية خلال سني حياتهم ØŒ أو اختلافنا مع انتماءاتهم الحزبية.

 (المصدر:فلسطين خلف القضبان6/6/2011)