الإعلام الحربي" يبحر في ذاكرة عائلة الشهداء "معتز ومنذر وإسلام قريقع"

هي رحلة العاشقين الممتدة منذ بدرِ واليرموك وحطين, هي رحلة العطاء والبذل في سبيل الله, التي خطها الشقاقي بدمه الطاهر الزكي وتتواصل وتمتد لتأخذ في طياتها ثلةً من العظماء الذين صاغوا بدمهم الطاهر الزكي الكرامة والعزة للأمة.
عائلة قريقع كما العائلات الأخرى أبت إلا أن تقدم خيرة أبنائها شهداء في سبيل الله تعالى على درب العزة والكرامة والإباء.
مراسل "الإعلام الحربي" بلواء غزة, استضاف عائلة الشهيد القائد "معتز قريقع" وشقيقه الدكتور "منذر قريقع" لنقف على ضفاف مجدهم ونتعرف عليهم عن كثب, ونرى السر في هذا الاصطفاء الرباني الفريد والمميز لهؤلاء الصادقين في هذا الشهر المبارك.
 
فحينما نجالس أسر الشهداء, تلك الأسر العظيمة التي قدمت خير ما تملك قرباناً إلى الله, نجلس خجولين أمام صبرهم وتضحياتهم وعطائهم, نجلس وكنا نود أن نصبرهم ونخفف عليهم ألم الفراق فإذا بهم يصبرونا, وحينما يمعن العقل بالتفكير في هذا الصبر والاحتساب الذي بدا واضحاً في معالم وجه أم الشهداء وأبيهم, ندرك أنهم وحدهم الفائزون, وحدهم المنتصرون, كيف لا يكونون منتصرون وقد باعوا أرواحهم لله في شهرِ فتحت فيه أبواب السماء وتزينت الجنان, رغم ألم الفراق كان الإيمان الذي سكن قلب والدي الشهداء يصبرهم ويدفعهم للثبات في أكثر لحظات الحياة شدة وبلاء.
 
تحدثت الحاجة "أم منذر" لمراسل "الإعلام الحربي" بلواء غزة, عن طفولة نجلها الشهيد القائد "معتز قريقع", حيث قالت " ولد الشهيد "معتز قريقع" في تاريخ 24/9/1982م, و درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الشجاعية المشتركة حتى الصف الثالث, ثم انتقل إلى مدرسة الفرات, ثم انتقل لمدرسة جمال عبد الناصر, وكان من الطلاب المجتهدين المتفوقين".
وأضافت, أن معتز كان في طفولته يحب لعبة الكرة, وبعد الصف السادس الابتدائي أصبح الشهيد معتز يلعب "بالمقلاع" وتفاجئنا أن معتز يذهب دائما يرجم الحجارة على قوات الاحتلال بالمقلاع, وكان يتنقل ما بين الخط الشرقي ومستوطنة نتساريم سابقا وأحيانا معبر بيت حانون.
وأشارت إلى أن "معتز" كانت ألعابه المفضلة في طفولته إما البارودة أو المقلاع التي كان يرجم به الحجارة على اليهود. وقالت, كان معتز من الشباب المطيعين البارين بوالديهم, وكان دوما يساعدني في الخياطة ولا يقصر بتاتا معنا, كما كان محبوب من الجميع, وتميز بتواضعه وإخلاصه.
وأشارت الحاجة "أم منذر" إلى أن الشهيد المعتز كان يفدي روحه لصديقه, حتى منذ طفولته كان يعتبر أصدقائه فوق كل شيء بعد أهله وإخوانه,
 
تحدث والد الشهيد الحاج "أبو منذر" لمراسل "الإعلام الحربي" بكل صبر واحتساب قائلا: أشهد الله إني كنت أعتبر أبو إسلام أخاً وصديقاً, فكان يخبرني بكل نشطاه العسكري والجهادي ولا يخفي عليا شيئاً, وكان لا يقدم على عمل أي شيء إلا بعد أن يخبرني ويطلب الإذن مني.
قال والد الشهيد, في أحد الأيام جاء لـ"معتز" مكالمة هاتفية بوجود توغل لقوات الاحتلال شرق حي الشجاعية, فإذا معتز يريد الخروج للمعركة, فقلت له: وين يابا..وين يابا, فقال لي هل تريدني أبقي هنا ولا أقتل من اليهود الذي يرتكبون المجازر.. فقلت له: الله يسهل عليك ويحفظك ويحنن عليك ويقدرك على جهادك وبعمري ما راح أراجعك في مشوارك الجهادي".
 
واستذكر الحاج "أبو منذر" حينما غاب الشهيد القائد "معتز" عن المنزل ثلاثة أيام, حيث قال لوالده أريد أن أزور صديق لي في بلدة "بيت لاهيا" شمال القطاع, وحينما مضت الأيام الثلاثة على غياب "أبو إسلام" قلقت عليه جداً, وتوجهت للشمال وسالت عنه وتوصلت لشخص يعرف معتز, وطمئنني وقال لي "اطمئن يا حج معتز بخير وسلامة وهو الآن في الطريق عليك وإن شاء الله 10 دقايق بيكون بالبيت عندك".. وحينما وصل معتز للمنزل بعد أن نفذ عملية جهادية وعاد بكل سلامة, قال لي "يابا أنا مش من الرجال الذين أهلهم يبحثون عنهم.. يا أبي أنت هيك بتصغرني فقلت له.. أنا راضي عن مشوارك الجهادي ولكن أخبرني قبل الإقدام على أي عمل.. فقال له "أوعدك بذلك".
وقال والد الشهيد في أحد الأيام كذلك كان معتز يقف أمام المنزل وكانت طائرات الاستطلاع الصهيونية تحلق بشكل كثيف في الأجواء فقولت لمعتز اقفل جوالك وجهازك اللاسلكي, فقال لي ما تخاف من اليهود, أتمنى أن استشهد بعزة وكرامة, والله بعرف يا والدي أنهم يرصدونني ولكنهم والله جبناء وسنقاتلهم حتى الرمق الأخير بإذن الله.
 
قال الحاج "أبو منذر" صلينا صلاة الفجر في المسجد أنا والشهيدين معتز ومنذر, ثم توجه "معتز" على سوق السمك واشترى لي السمك الذي أحبه, وأفطرنا مع بعضنا, وصلينا المغرب والعشاء سوياً, وفي صلاة التراويح اكتفيت بصلاة أربع ركع لأنه كان عندي مشوار, فحضر لي "معتز" و "منذر" وقالوا لي يا والدنا كمل الصلاة والصلاة أهم من المشوار.
وقالت الأم الصابرة المحتسبة, لقد تزوج نجلي معا وقدر الله عز وجل أن يستشهداً معاً, وقد رزقهما الله طفلين معاً, الشهيد "معتز" رزقه الله الطفل "إسلام" والذي استشهد معهم بالغارة, والشهيد الدكتور "منذر" رزقه الله بالطفل" باسل.
وأشار ابن عم الشهيد إلى أن اثنين من أبناء عم الشهيد رزقهم الله بطفلين بعد استشهاد معتز وقد أسموه "إسلام" نسبة للشهيد الطفل "إسلام" نجل الشهيد القائد "معتز" .
وأشارت والدة الشهداء  إلى أن الطفل "إسلام" استشهد بنفس يوم ميلاده, حيث بيوم استشهاده قد بلغ عامين.
وقالت "أم منذر" الطفل "إسلام" كان سابق عمره بكثير, حيث الصحافة تحدثت أن "إسلام" عمره خمس سنوات, ولكن عمره عامين فقط .
وأشارت إلى أن الطفل "إسلام" كان يشعر أن والده "معتز" يعمل بالمقاومة, فكان دائماً يقول لي.."أنا يا ستي بدي أطخ اليهود بسلاح أبويا.. و أطخ اليهود.. طخ طخ", وليس ذلك فحسب, بل كان أحيانا يعمل نفسه مستشهد, ويقول لي يا ستي, أنا لسه ما استشهدت, أنا بدي أطخ اليهود مع أبويا..".
 
مراسل "الإعلام الحربي" بلواء غزة, أجرى حواراً مع "أبو مجاهد" أحد القادة الميدانيين في سرايا القدس ليتحدث لنا عن الرحلة الجهادية المشرفة للشهيد القائد معتز قريقع حيث قال: انتمى شهيدنا القائد "معتز قريقع" لـ"سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي, مع بداية انتفاضة الأقصى المباركة مطلع عام 2000م، وكان نعم الأخ المجاهد الصادق والمخلص في مسيرة جهاده المباركة.
 
وأكد "أبو مجاهد" أن الشهيد القائد معتز قريقع شارك بالعديد من المهمات والعمليات الجهادية التي كان لها أثراً قاسياً على العدو الصهيوني ومن أبرزها:
 - شارك الشهيد القائد "معتز قريقع" في عملية "الصيف الساخن" البطولية حيث قام بإطلاق قذيفتي R.B.G, على البرج العسكري الصهيوني لإسناد الاستشهاديين الذي اقتحموا موقع كوسوفيم, وكان برفقة الشهيد رفيق دربه "عادل جندية", وارتقى في هذه العملية البطولية الشهيد المجاهد "محمد الجعبري", وأدت هذه العملية لمقتل وإصابة عدداً من الجنود الصهاينة.
- المشاركة في عملية "ميغن" وكان أحد مجاهدي وحدة الإسناد في هذه العملية, وكان قد أوكل له ذلك من قبل الشهيد القائد "ماجد الحرازين". واستشهد في هذه العملية البطولية المجاهد "محمود سلامة" من مجاهدي السرايا بالمحافظة الوسطى.
- إطلاق أول صاروخ جراد على المغتصبات الصهيونية برفقة الشهيد القائد "محمد الدحدوح".
- التصدي للاجتياحات الصهيونية في مناطق مختلفة من قطاع غزة الحبيب.
- المشاركة في إعداد وتجهيز المجاهدين.
- عمل الشهيد القائد "معتز قريقع" في الوحدة الصاروخية التابعة لـ"سرايا القدس" وكان من أبرز مجاهديها، الذين دكوا حصون المحتل بصواريخ الجراد والقدس.
 
وأكد "أبو مجاهد" أن الشهيد القائد معتز قريقع نجا من العديد من محاولات الاغتيال الصهيونية, كان أولها في اجتياح حي الزيتون حيث أصيب برفقة الشهيد القائد "عادل جندية", وكانت المحاولة الثانية أيضا مع الشهيد "عادل جندية" حيث أصيب الشهيد "أبو إسلام" إصابة متوسطة, أما المحاولة الثالثة هي التي استشهد فيها, حينما أغارت الطائرات الصهيونية على الدراجة النارية التي كان يستقلها في شارع الثلاثيني برفقة شقيقه الدكتور "منذر "وطفله "إسلام".
وأضاف "أبو مجاهد", كان الشهيد القائد معتز قريقع صديقاً للشهداء الأطهار "عادل جندية" و"أدهم الحرازين" و"سعدي حلس" و "محمد عطية الحرازين" و"محمد عابد" رحمهم الله جميعا.
وفي نهاية حديثه عاهد "أبو مجاهد" أن تمضي السرايا على درب ذات الشوكة وعلى درب "معتز" حتى يمن الله علينا بالنصر والتمكين بإذن الله.
 
وسردت لنا الحاجة "أم منذر" أبرز المقتطفات من حياة الشهيد الدكتور "منذر قريقع" حيث قالت: ولد الشهيد الدكتور "منذر قريقع" في تاريخ 1/6/1979م, في حي الشجاعية شرق مدينة غزة, ودرس المرحلة الابتدائية في مدرسة الشجاعية المشتركة حتى الصف الرابع الابتدائي, ثم انتقل لمدرسة الفرات ثم لمدرسة جمال عبد الناصر, وكان من المتفوقين والمميزين ومن أوائل الطلبة, وكان دوما يحصل على شهادات التقدير.
وبعد إنهائه المرحلة الثانوية التحق بجامعة 6أكتوبر في مصر, وكمل في جامعة عين شمس بالقاهرة وكان تقديره امتياز, وبعد الانتهاء من الدراسة عاد إلى أرض الوطن وعمل عامين تطوعاً لوجه الله تعالى, في مستشفى الشفاء بمدينة غزة, ثم بعد ذلك تم اعتماده, بعد أن حصل على نسبة 85% في اختبار الوظيفة.
وعمل في قسم العناية المركزة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة, وكان مخلصاً في عمله, وشهيدنا الدكتور "منذر" متزوج ورزقه الله بولد وبنت.
 
روت لنا الحاجة "أم منذر" والدة الشهداء, تفاصيل يوم الاستشهاد, حيث قالت, كان الطفل "إسلام" نجل الشهيد "معتز" يلعب على دراجته الصغيرة فانزلق عنها وأصيب بجراح في رأسه, فاتصلت "أم إسلام" على زوجها "معتز" فجاء معتز مسرعاً بدراجته النارية, وقال الشهيد الدكتور "منذر" لأخيه الشهيد "معتز" احضر لي من الصيدلية "خيط طبي" وأنا سأخيط له الجرح, فرفض "معتز" وقال لا يوجد لدينا "بنج" أي "مسكن", فسيتوجع "إسلام كثيراً, من الأفضل أن نذهب به للمستشفى.
وذهب معتز برفقة أخيه الدكتور "منذر" إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة, وعالجوا إسلام, وقبل العودة, قال أحد الأطباء للشهيد منذر.. ألست خائفاً وأنت تركب دراجة نارية في ظل الوضع الأمني المتدهور في غزة.. فقال إلى كاتبه ربنا بصير.
وأثناء العودة استهدفت طائرات العدو الصهيوني الدراجة النارية التي كان يستقلونها في شارع الثلاثيني وسط مدينة غزة, مما أدى إلى ارتقاء الشهيد "معتز" وشقيقه الدكتور "منذر" وطفله "إسلام" الذي لم يتجاوز العامين.
وفي نهاية حديثها قالت والدة الشهداء, الحمد لله أن أبنائي رفعوا رأسي عالياً في الدنيا والآخرة, والحمد لله الذي أكرمني بشهادتهم التي تشفي الصدور وخصوصا استشهادهم في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك "أيام العتق من النار".

(المصدر: موقع سرايا القدس، 31/8/2011)