محمد رفيق شبات وداع قبل الشهادة

ارتشف محمد آخر رشفة من فنجان القهوة التي صنعتها "أمه" قبل أن يذهب مودعاً وهو يلوح بيده لها، شعرت الأم للمرة الأولى أن وراء التلويح مصاباً جللاً سيصيب فلذة كبدها، خرج الابن وأخذ قلبها معه، لحظات حتى صادف خوفها الواقع فجاءها الخبر "محمد شهيد". 
وكانت طائرات الاحتلال الصهيوني، في الثامن عشر من الشهر الحالي، اغتالت الشهيد محمد رفيق شبات (25 عاماً) الذي كان يعمل ممرضاً في أحد المراكز الصحية الخاصة في محافظة شمال قطاع غزة، وبرفقته زميله إسماعيل أبو عودة، حيث كانا يستقلان دراجة نارية في بلدة بيت حانون ليكونا أول شهداء جولة التصعيد التي قضى خلالها أحد عشر شهيداً. 
في بيت عائلة الممرض محمد جلست الأم المكلومة وجمع من النساء المواسيات والمهنئات يتحلقن حولها ويستمعن لرواية آخر لحظات الشهيد: "جاءني إلى البيت على عجل يسألني هل صنعت القهوة، فأخذ رشفتين منها وأكل قطعة بسكويت.. جاءه اتصال من صديقه يستعجله بالخروج.. بسرعة خرج وكان آخر مشهد أراه لمحمد، وكان مشهد الوداع". 
خرج محمد وانخلع قلب والدته، أحست أن أمرا جللا سيصيبه، وأنه لا بد سيرحل هذه المرة عن الحياة الدنيا، رآه والده فتساءل أين محمد؟ لماذا يجري مسرعاً في الخروج هكذا؟ الساعة العاشرة صباحاً وهذا ليس وقتاً للصلاة يقول والده!!.
ما هي إلا دقائق وإذا بصوت دوي يهز البلدة، أيقنت الأم أن الصوت ناجم عن صاروخ استهدف "محمد"ØŒ وتقول: "لقد هاتفني أحدهم من المستشفى وأخبرني بأن "محمد" مصاب، ولكنني كنت متأكدة أنه استشهد وليس مصابا". 
وتتابع: "لم يخبرنا بأنه يجهز لأي شيء ولم يشعرنا بأنه سيرحل، وإنما كانت أفعاله تشعرنا بأنه يودع أهل بيته، فكان شديد التعلق بطفليه ساجي وطارق وزوجته، وكان ملازماً لي طوال الوقت لا يفارقني ويشاركني في الغداء، Ùˆ كان مداوماً على جميع الصلوات في المسجد". 
تروي: تسامره مع أصدقائه قبل يومين فقط من استشهاده، لقد قال لهم وضحكته لا تفارق محياه "هاليومين بتشيعوني"ØŒ فصدق "محمد" ما قال فصدقه الله. 
كان محمد متيقناً من أن أيامه باتت معدودة خصوصاً مع توالي التهديدات الصهيونية ضد القطاع، ومع اتصالات من مخابرات الاحتلال كانت ترد إلى جواله تهدده بالاستهداف وإنهاء حياته. 
أخذ محمد هذه التهديدات "مأخذ الجد"ØŒ وعمل بموجبها، فأوصى أمه ووالدة زوجته وعمته بطفليه "خيراً" بعد استشهاده. 

وبينما الجمع يتناول أطراف الحديث عن مآثر "محمد" تنتاب "ساجي" حالة من الحنان لحضن فقده منذ أيام، وأخذ يلوح لأمه وببراءة الأطفال صرخ "هي بابا راح على الجنة"، وما أن ينتهي من هذه الحالة حتى يدخل في جولة من البكاء وينادي "أريد بابا أريد بابا"، فلا يكون الجواب إلا الرد بدموع حارة من الزوجة ومن حولها "بابا في الجنة".

(المصدر: صحيفة فلسطين، 23/6/2012)