الخميس 18 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    الفلسطينيون وثقافة الاستشهاد

    آخر تحديث: الأربعاء، 23 مايو 2012 ، 00:00 ص

    بقلم: نهاد خنفر

    هكذا هم المقاتلون الفلسطينيون دوماً تنطلق عيونهم في رحلة عذاب طويلة تحدق بكل المعاني القائمة على الأرض وتبحث عن أشياء لا تبحث عنها كل الناس لأن الفلسطينيين اعتادوا أن يبحثوا عن البعد المفقود في حياة غيرهم من الشعوب والأمم الأخرى، وفي كل مكان وفي كل زمان. فهل يا ترى يعرف العالم ذلك البعد الذي يكاد يتيه في حياة البشر كافة؟
    من هنا، فإن الاستغراق في التأمل السامي وبمزيد من التفكير العميق يجعلنا نهتدي إلى أن الشعب الفلسطيني قد أخذ لنفسه مكاناً عالياً من عذابه واضطهاده. ليس ليكون مميزاً بين المعذبين والمضطهدين، بل لأنه أراد من ذلك أن يعزز من صموده ويعلي من كبريائه ويزيد من تفوقه وعظمته رغم فقره وضعفه في مواجهة إرهاب المحتل ومن يدعمونه من قوى الشر العالمي، فيا ويل للمحتل وجنونه إذا علم أن شعبنا الفلسطيني قد جعل لكل واحد من أبنائه المعذبين رصيداً كبيراً لا يقدر بمال ولا يقدر بثمن، ويا ذل المحتل ومأساته إذا عرف وأدرك أن الموت استشهاداً هو أكبر البشرى لصاحبه وأهله وذويه وعشيرته وجيرانه ومدينته بل وكل شعبه وأمته.
    فرحماك يا فارس عودة وأنت تثبت النظرية بحذافير التطبيق وتحمل البشرى إلى كل المستضعفين المظلومين في مشارق الأرض ومغاربها أن شعب فلسطين هو إمام البسالة الذي يقف في وجه الغاصب حتى وإن كان سلاحه الدبابة وكان سلاح المظلوم الحجر المنطلق في أيد صغيرة.
    تصوروا ذلك المشهد بكل تفاصيله الواسعة الشيقة التي تبرز ثقافة الفلسطينيين في طلب الشهادة.
    إن التدقيق أكثر وأكثر والغوص في أعماق الحياة الفلسطينية ومن ثم السير في مواكب الشهداء التي طالما بدأت برفاق الشهيد واتسعت لتشمل كل المدينة أو القرية أو المخيم الذي ينتمي إليه ذلك الشهيد أو أولئك الشهداء يجعلنا نسجل علائم التوهج في وجود المشيعين وإشارات النار المستعرة التي تطوق كل أجسادهم وأياديهم وأقدامهم لتعكس الأمل بالنصر القادم من خلال الأهازيج الوطنية والهتافات الملتهبة ولتعبر بشكل حي ومباشر أن كل مواكب الشهداء لا تجعلنا نجزع من التضحية، بل تزيد من إيماننا وإصرارنا وترفع من جاهزية قرارنا أن نريَ كشعب مظلوم كل العالم تصميمنا وصبرنا وتضحيتنا رغم تعرضنا وخوضنا لكل الأهوال، فلا عجب عندئذ أن هذا الشهيد الذي نشيع قد شيع هو بذاته شهداء آخرين. ولا غرابة وقتئذ حين نعلم أيضاً أن كل موكب لشهيد يجعل من عشرات المشيعين مشاريعَ استشهادية جاهزة للتنفيذ ولكن كل حسب وقته الذي قدره الله.
    ألا يشاهد المحتل أن الشهادة ومفهومها لدى كل الفلسطينيين هي التي جعلتهم يقاومون العذاب بالإيمان والتضحية، ألم يحن للعدو الغاصب أن يدرك أن كل فلسطيني يتسلح بالصبر أملاً بنيل الشهادة وشرفها ونبلها ليكون ممن اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء.
    ويمضي الفلسطينيون يغذون السير في انتفاضتهم ولا يستحوذ على أحاديثهم وأقاصيصهم سوى حياة الشهداء الذين يودعونهم أرض الوطن ووصاياهم وأعمالهم ولحظاتهم الأخيرة في كنف الحياة الدنيا وبداياتهم الأولى في ظل الحياة الآخرة وغيرها من محطات الشهداء وكلماتهم التي قالوها وقيلت عنهم وعن بطولاتهم.. وما يضاف إلى ذلك من اهتمام صحفي في كل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية والتي تروي قصص الشهداء على المستوى المحلي والعربي والعالمي والصهيوني في أحيان كثيرة.
    ولا شك أن الرأي الصهيوني قد وقع في حيرة من أمره عند دراسته لظاهرة إقبال الفلسطينيين على الشهادة بكل الوسائل والطرق المتاحة، فلم يجدوا تحديداً واضحاً لذلك إلا رغبة الفلسطينيين في الدفاع عن دينهم ومقدساتهم دون الالتفات إلى أي من الأغراض الأخرى، بحيث وجدوا كما هو معروف في واقع الحال أن كل الشهداء ينتمون إلى مختلف القطاعات الفلسطينية وشتى الطبقات الاجتماعية دون تمييز في ذلك بين انتماء سياسي وغيره من الانتماءات.
    وبقليل من التركيز نجد أن الشعب الفلسطيني بدءاً من الأسرة ومروراً بالمدرسة وانتهاءً بمؤسسة الوطن الواسعة الكبيرة ينمي في الطفل ثقافة أصيلة هي ثقافة الاستشهاد التي تنمو بداخله وتترعرع معه دون معيقات ودون أدنى تردد، فنسأل الطفل الذي سقط والده أو والدته أو أي واحد من أفراد أسرته أو من يعرفهم أو حتى ممن لا يعرفهم، إلى أين سيذهب الشهيد؟ فتكون الإجابة على الفور وبطريقة خالية من التردد: إلى الجنة، ونجدهم كذلك أيضاً يفاخرون بأقاربهم وأصدقائهم من الذين التحقوا بقافلة الشهداء.
    وللأمانة الغالية فإن تعامل المجتمع الفلسطيني مع الشهداء من لحظة التحاقهم بالرفيق الأعلى وأثناء التعامل مع ذويهم وما تتميز به هذه المعاملة من رقي واحتضان معنوي ومادي يملؤها التمجيد لهم والتكريم الدائب لذكراهم الدافئة العطرة جعل من ثقافة الاستشهاد عنوان عريض لكل تائه يبحث عن ثقافة متنوعة تتمحور مفرداتها حول البطولة والقوة والعظمة والأمانة والصبر ومن ثم النفس الفائزة المطمئنة التي يملؤها كل النبل والطهارة.
    ومن البداهة القول بأن ما سبق التحدث به ما هو إلا النزر اليسير أمام الثقافة الاجتماعية التي تعيش في كنه ومكنونات كل فرد فلسطيني ومرسخة في أذهان الآلاف بل وعشرات الآلاف من أبناء هذا الشعب نظراً لما يصقله القرآن الكريم في نفوسهم من تقدير لمنزلة الشهداء بنص آياته الصريحة الواضحة التي تحث على الجهاد والاستشهاد.
    وكأن الشعب الفلسطيني بكل تفاصيله يعبر عن الثقافة الاستشهادية بما يحمل من جوارحه ومكتنزات ضميره كجزء أساسي من حضارته العظيمة، ويتكرس ذلك من خلال مشاهداتنا لصور الشهداء التي قد تم صياغتها في أبهى رسم إبداعي خطته أيادي الفنانين والرسامين التشكيليين في سابقة لم تكن معروفة عند غيرنا من الشعوب الأخرى إلا لتكريم الرؤساء والملوك خاصتهم.
    وشهادة العيان على واقع الحال التي ترينا صور الشهداء تملأ شوارع المدن وأحياءها وكل أماكن التجمع الديمغرافي التي ينتمي إليها الشهيد أو لا ينتمي، هي التجسيد العملي للثقافة الأصيلة التي تجددت جذوتها وانتشرت فصولها وترامت أطرافها في انتفاضة الأقصى التي أججت شوق الشهادة وأنفاسها الحارة في قلوب الآلاف المؤلفة من أبناء الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه.
    ويجدر بنا الإشارة إلى أن التأثر الواضح الذي بدى عند اختصاصيي الحاسوب ممن يعرفون بالمصممين يعطي دلالة عميقة على هذا النوع من الثقافة في أذهان الفلسطينيين لكونهم ادخلوا فيها كل ما استطاعوا من تقنيات وبرمجيات وفنون ومونتاج أسهمت في إبراز الثقافة الاستشهادية من خلال ما قدموه من فن البوستر الذي يحمل الذي يحمل صور الشهداء التي نراها تقريباً في كل سيارة وعلى واجهة كل مكتب خاص أو عام وفي ردهات كل مدرسة أو جامعة. بل وفي كل حقيبة مدرسية للصغار والكبار.. مما يساهم بدوره في خلق بيئة ثقافية تعتمد على التفاعل الحسي والعقلي بطريقة معنوية ومادية تتيح المجال لفتح الأبواب على مصراعيها لتغذية موارد الفهم الحضاري الذي أصبحت ثقافة الاستشهاد جزءاً أساسياً في بنائه الواسع العريض.
    وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء، نجد أن الكثير ممن قاموا بالعمليات الاستشهادية قد ظهر في سيرة كل منهم رغبته الدائمة في الشهادة والدعوة إليها كجزء من ثقافته التي لا تنفصل عنه ولا يمكن فصلها بأي شكل من الأشكال.
    وفي الحقيقة فإن الحالة الوطنية التي يتم تناولها أثناء الحديث عن هذا النوع من الثقافة يجعلنا نتكلم عن الاهتمام الواضح الذي أبداه الشعراء والفنانين أي ممن يكتبون الكلمات ومن يغنون لهم في تركيز جل اهتمامهم للتغني بالشهداء ومنازلهم الرفيعة العالية مما يضعهم وبصورة دائمة في مصاف الناس المتقدمين على المستوى الشعبي، إذ أننا لا نكاد نجد أغنية أو قصيدة تتحدث عن ثورة ونضال الشعب الفلسطيني إلا وتم التحديث فيها عن مكانة الشهيد وخصوصاً في انتفاضة الأقصى المباركة التي انتشرت فيها هذه الظاهرة.
    وعلى هذا ومن خلال معرفتنا وتقديرنا لانتشار الأغنية الوطنية وشعبيتها بين الناس. نستطيع القول بأنها تشكل أيضاً ركناً أساسياً في ثقافة الاستشهاد التي تعزز في نفوس الفلسطينيين يوما إثر يوم، بمعنى أن سقوط المزيد من الشهداء بأي من الطرق والأساليب التي يتبعها المحتل وأجهزته الغاشمة لن تغتال في الفلسطينيين رغبتهم في الشهادة وإقبالهم عليها. بل على العكس من ذلك فإننا نستشف بشكل واثق ومؤكد بأن الذهاب إلى ساحة الموت بطريقة إرادية محضة يتعزز أكثر وأكثر، بل وأكثر من أي وقت مضى.
    وعليه فإننا نقول: "إنه من المستحيل أن يتم فصل الفلسطينيين عموماً والمقاتلين منهم على وجه الخصوص عن ثقافتهم الأصلية التي حملوها عبر تاريخ النضال وتجددت في معركة الدفاع عن القدس في انتفاضة الأقصى، لأنها أصبحت تراثاً آهلاً بكل المقومات التي تحقق كل أنواع الدفاع عن الدين والوطن. والسؤال الذي يفرض نفسه بكل قوة واقتدار... هل لثقافة التراث الأصيل أن تمحى؟

    (المصدر: موقع الهيئة العامة للاستعلامات)

     


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

قوات الاحتلال ترتكب مجزرة قانا بحق عشرات المدنيين اللبنانيين بعد أن احتموا بمقرات القوات الدولية "اليونيفيل"، حيث تعمدت قوات الاحتلال قصفها

18 إبريل 1996

استشهاد المجاهد أحمد حمدان أبو النجا من سرايا القدس أثناء مهمة جهادية في حي الشابورة بمدينة رفح

18 إبريل 2008

عصابة الهاغاناه ترتكب مجزرة دموية في قرية الوعرة السوداء ذهب ضحيتها ما يزيد عن 15 عربيا

18 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية