المطالبة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في استشهاد الأسرى المحررين

دعا باحث فلسطيني مختص في قضايا الأسرى لتشكيل لجنة تحقيق دولية في ملابسات استشهاد الأسرى الفلسطينيين بعد تحررهم من السجون الصهيونية لتشكل بداية لحملة لإنقاذ حياة المئات من الأسرى الذين يتهددهم نفس المصير بسبب سياسات الإهمال الطبي لإدارة السجون التي ترفض علاجهم والإفراج عنهم وتواصل عقابهم بالمرض والعذاب وعندما تفرج عنهم تدرك انه لم يتبق بينهم وبين الموت سوى لحظات محدودة كما حدث مع الشهيد زهير لباده وغيره من الشهداء.
وفي الذكرى السنوية السابعة لاستشهاد الأسير المحرر السوري هايل حسين أبو زيد من الجولان السوري المحتل، أكد الباحث عبد الناصر فروانة مدير دائرة البحث والإحصاء في وزارة الأسرى، أن الوفاء للشهيد وكل من التحقوا بركب الشهادة من المحررين، والوفاء للأسرى الشهداء مع وقف التنفيذ في السجون يتطلب وقفة جادة ومسؤولة لإعادة ملفاتهم والتحقيق بها لأن دولة الاحتلال تتحمل المسؤولية الكاملة عن استشهادهم.
وفي تقريره، سلط فروانة الضوء على سيرة الشهيد الذي شكل رمزا نضاليا في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة، ولا زال وسيبقى راسخاً بذاكرة الأسرى الفلسطينيين، مؤكدا أنه بتجربته شكل نموذجاً للشباب المقاوم و الأسير الصامد و المحرر المخلص، مضيفا "أنه وبعد أن نال شرف الشهادة انضم لقافلة أولئك العظماء، فغدى تاجاً على رؤوسنا واحتل مساحة أكبر فينا وازددنا شموخاً به ليبقى أبو زيد نموذجاً لسلوكنا ومنارة لنا وللشاب العربي الأصيل" ويوثق فروانة، أن هايل ولد في العام 1968 في بلدة مجدل شمس الواقعة في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وأنهى فيها المرحلة الابتدائية والإعدادية، واضطرته الظروف الاقتصادية الأسرية إلى ترك المدرسة ومساعدة ذويه، في تأمين لقمة العيش، وانخرط في العمل المقاوم ضدّ القوات الصهيونية منذ صغره، فكان فاعلاً في الأنشطة الوطنية والجماهيرية، وتميز بحسه وانتمائه الوطني، واندفاعه في رفض الاحتلال ومقاومته.

المقاومة السورية
وعلى مدار سنين الاحتلال لم تتوقف المقاومة السورية في الجولان المحتلة عن أداء دورها النضالي والسياسي في مقاومة الاحتلال الصهيوني، وقدمت العديد من الشهداء والجرحى والأسرى وكانت بلدته مجدل شمس، كما رفح وجنين، في رفضها للاحتلال ومقاومته بكل عنفوان. وأضاف "في العام 1983 كان هايل من المبادرين إلى تأسيس حركة المقاومة السرية السورية والتي ركزت أنشطتها في مقاومة الاحتلال، وشارك في معظم عمليات المقاومة السرية، حتى داهمت القوات الصهيونية بيته في ليلة 18 آب من العام 1985 واعتقلته مع عدد من رفاقه ولم يكن حينها قد تجاوز الثامنة عشر من عمره".
ويتابع فروانة "اقتيد إلى زنازين التحقيق والموت البطيء في الجلمة والدامون، وتعرض آنذاك لأبشع صنوف التعذيب والضغط النفسي والجسدي، ثم أصدرت المحكمة العسكرية في اللد حكماً جائراً بحقه بالسجن الفعلي لمدة 27 عاماً، ونفس الحكم صدر بحق رفاقه و أعضاء مجموعته وهم: بشر سليمان المقت، صدقي سليمان المقت، سيطان نمر الولي، وعاصم محمود الولي".
انتقل هايل للعيش في علب الموت الإسمنتية في سجون نفحة وبئر السبع وعسقلان وشطة والدامون والتلموند، والتقى به وعاش معه المئات بل الآلاف من الأسرى الفلسطينيين الذين لا زالوا يتذكرونه بمواقفه البطولية وسلوكه النموذجي، وتوجهاته الوحدوية، ونضالاته في وجه السجان وصموده الرائع رغم المرض اللعين الذي أصابه داخل السجن. ويقول فروانة: "خلال وجوده في السجن توفى والده ورغم تدخل العديد من المحامين للسماح له بإلقاء نظرة الوداع على والده، إلاّ أن محاولتهم باءت بالفشل أمام تعنت السلطات الصهيونية، إلا أن ذلك لم يثن عزيمته ولم يؤثر على صموده ومعنوياته".
وخلال فترة اعتقاله تعرض هايل إلى العديد من عمليات الضرب والتنكيل والعزل الانفرادي والتعذيب النفسي، فعانى من العديد من الكسور والأمراض التي تفاقمت بسبب الإهمال الطبي المتعمد. ويضيف "تدهورت صحته، وبعد ضغوطات عدة سمح في العام 1993 وللمرة الأولى لطبيب عربي لمعاينة وضعه الصحي وأفاد أن الأسير يعاني من عدة أمراض ويحتاج لرعاية صحية مستمرة، إلا أن إدارة السجون تجاهلت الأمر وواصلت استهتارها بحياة الأسير كما هو حال تعاملها مع كافة الأسرى المرضى".
فقد الأسير هايل النظر بنسبة كبيرة و فقد قدرته على الرؤية والتمييز، وأصبح يعاني من أمراض عدة وأخذت صحته تتدهور تدريجياً حتى لم يعد قادراً حتى على المشي أو الحركة، ويقول فروانة: "رغم تحرك إخوانه الأسرى من أجله وتدخل عدة منظمات حقوقية وإنسانية ومناشدة إدارة السجن بالإفراج عنه، أو توفير العلاج الطبي له أو حتى السماح بإدخال أطباء مختصين لعلاجه وإنقاذ حياته، إلا أن إدارة السجن وكعادتها لم تتجاوب مع كل هذه النداءات والمناشدات". ويضيف "فقط بتاريخ 5- 12 - 2004 تم نقله إلى مشفى العفولة وبعدها إلى مستشفى "رمبام" في حيفا، وبعد إجراء الفحوصات الطبية له، تبين أنه مصاب بمرض اللوكوميا (سرطان الدم)، وفي مرحلة متقدمة وحرجة، الأمر الذي يهدد حياته بالخطر".
عاقبت حكومة الاحتلال الأسير هايل عبر سنوات اعتقاله بشطب اسمه من صفقات التبادل والإفراجات ومضى عقدين من الزمن وهو يواصل الصمود والتحدي رغم الأمراض، ويقول فروانة: "بعد مرور عشرين عاما على اعتقاله وخلال تواجده في حالة صحية خطيرة في مستشفى رمبام في حيفا، أقرت لجنة طبية تابعة لمصلحة السجون في 20 كانون الأول عام 2004 الإفراج عنه نظراً لخطورة وضعه الصحي وإصابته بمرض سرطان الدم، وبعدما تأكدت بأن الأسير يعد أيامه وشهوره الأخيرة".

هايل شهيدا
وفي متابعته لقضية هايل بعد تحرره، يقول فروانة: "منذ قرار الإفراج عنه وهو يخضع للعلاج وبنفس المشفى وبقى أياماً طوال بنفس الغرفة، وبعدما عاد إلى بلدته أُجريَ له استقبالاً جماهيرياً حاراً، رائعاً وكبيراً، اعتبره الشهيد هايل آنذاك بأنه تكريمٌ ليس لشخصه، بل لنهج وفكرة مقاومة الاحتلال وتكريمٌ لرفاقه الذين لا زالوا في الأسر، وأضاف "بدأت تظهر المزيد من المضاعفات وهو يواصل التردد على نفس المشفى الذي مكث فيه أياماً وشهوراً أكثر مما عاش بين أسرته كأنه معاقب بحرمانه من طعم حريته".
بعد عام، استشهد هايل وهو يتلقى العلاج في نفس المشفى بتاريخ 7 تموز من العام 2005، ليضاف إلى قائمة ضحايا التعذيب والإهمال الطبي في السجون الصهيونية. ودعا فروانة كافة المؤسسات والفعاليات للعمل سريعا على إثارة هذا الملف لأن نفس المخاطر والنتائج تتهدد حياة كافة المرضى المقيمين في عيادة الرملة التي تعتبر بداية الخطوة نحو القبر، مؤكدا أن صمود ونضال وتضحيات هؤلاء الأسرى تضع على كاهل الجميع مسؤولية النضال لعودتهم أحياء وليس جثامين لأسرهم.

 (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 15/7/2012)