واقع الأسرى الفلسطينيين والعرب في ذكرى حرب 67

في ذكرى نكسة الخامس من حزيران، سلطت وزارة الأسرى الضوء على واقع الأسرى الفلسطينيين والعرب خلال الحرب، والظروف التي واجهتهم في أعقاب احتلال الكيان للضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد تضاربت المعطيات والأرقام حول أعداد الأسرى والمفقودين جراء الحرب، فقد أورد المؤرخ عارف العارف أن أكثر من 6000 فلسطيني اعتقلوا خلال الحرب، وأن أكثر من 1000 شخص قد أبعدوا إلى خارج الوطن، بينما ذكر الرئيس جمال عبد الناصر أن عدد الأسرى المصريين بلغ 11 ألف أسير.
وأدت هزيمة الجيوش العربية على كافة الجبهات إلى بروز ظاهرة الفدائيين والمقاومة للحكم العسكري الصهيوني وظلت سمة ملازمة للاحتلال، وتفجرت أشكال مختلفة من المقاومة قادت إلى زيادة البطش الصهيوني من إبعاد رؤساء بلديات وجامعات وإجلاء السكان وتهجيرهم وزج الآلاف في السجون في محاولة لفرض إجراءات وقوانين الحكم العسكري على الفلسطينيين.
سيطر الاحتلال على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في المناطق المحتلة في أعقاب حرب 1967، وصدر الأمر العسكري رقم 2 لسنة 1967 الذي نص على إلغاء أي قوانين سارية المفعول في المناطق المحتلة في حال تعارضها مع الأوامر الصادرة عن إدارة الاحتلال. وبعد نشر الأمر العسكري رقم 347 لسنة 1981 نقلت جميع الصلاحيات القانونية والإدارية إلى ما سمي الإدارة المدنية.
ومنذ عام 1967 احتفظت المحاكم العسكرية واللجان العسكرية المشكلة بولاية كاملة على قضايا ومسائل جنائية معينة، وجميع منازعات الأراضي والضرائب والمصادر الطبيعية، وبمعنى آخر تناولت الأوامر العسكرية تنظيم كافة جوانب الحياة. وبدأت تخضع إجراءات اعتقال الفلسطينيين في المناطق المحتلة وطريقة معاملتهم لسلسلة من الأوامر العسكرية تصدر عن القادة العسكريين في كل من الضفة وغزة. وترفض المحاكم العسكرية الصهيونية تطبيق تعليمات القانون الدولي بالرغم من أن القوانين الدولية تلزم الدول المحتلة بتطبيقها، وترفض التعامل مع الأسرى كأسرى حرب، وتتعاطى معهم كمجرمين وإرهابيين وتفرض عليهم أحكاما قاسية.
ورث الاحتلال الصهيوني السجون عن الانتداب البريطاني وبدأ بتشغيلها وزج الآلاف من الأسرى فيها، إضافة إلى أنه حول مواقع إسطبلات الجنود إلى زنازين وأماكن للاحتجاز، كما قام بإنشاء معتقلات جديدة، أشهرها في الخليل ورام الله وصرفند وجنين ونابلس وعتليت والفارعة وبيت ليد وعسقلان وبئر السبع والرملة وشطة والدامون وسجن النساء الشارون وغيرها.
لقد كان العنف والقمع الجسدي الوحشي والعشوائي والإذلال والتحقير المعنوي هو ما وسم سياسة القمع الصهيوني إزاء الأسرى في مرحلة البدايات والمخاض بعد الاحتلال عام 1967. ولم يكن عنف الاعتقال ولا عنف التحقيق هو السائد فقط، وإنما ذلك العنف المنظم والممنهج الذي اتبعته إدارة السجون بعد انتهاء مرحلة التحقيق وإعلان المحاكم العسكرية أحكامها الجائرة، بهدف تدمير الأسير سياسياً وإنسانياً وإلغائه من القاموس الوطني والإنساني.
لقد اتبعت إدارة السجون في هذه المرحلة كل الأساليب الممكنة بهدف تطويع الأسير وإخضاعه تمهيدا لشطبه وطنيا وإنسانيا، فسياسة الاستنزاف العصبي وسياسة التجويع النفسي والمادي والحرمان المطلق من كل الضرورات الأولية بحياة بشرية معقولة وسياسة الإسقاط الوطني والاستهداف الأمني، وسياسة التجهيل والمحو الثقافي وغيرها من السياسات التي استهدفت كسر إرادة الأسرى وعزائمهم. وتقول المحامية فليستيا لانغر في كتابها "بأم عيني" أن حكومة الكيان أرادت استهداف وقصم ظهر حركة التحرر الوطني العربية وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني من خلال الاعتقالات، نسف مئات البيوت واستباحة دم الشعب الفلسطيني وتحطيم إرادة أبطاله الأسرى لتسجل في كتابها مئات الشهادات عن المعاملة الوحشية التي تلقاها الأسرى والأسيرات في سنوات بداية الاحتلال الصهيوني.
الأسير المحرر أحمد أبو سرور 61 عاما، من مخيم عايدة قضاء بيت لحم الذي اعتقل في 12 / 12 / 1967 وكان عمره 19 عاما وحكم عليه بعشرين عاما أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى عام 1985 أفاد أنه تعرض لتعذيب وحشي في سجني الخليل وصرفند واستخدمت كل الأساليب المحرمة دوليا والشاذة أخلاقيا خلال استجوابه.
إن آثار البيض المسلوق الذي وضع تحت إبطيه لا زالت موجودة حتى الآن على جسمه عندما استخدم المحققون هذا الأسلوب من التعذيب لانتزاع اعترافات منه وقال: "إن المحققين استخدموا عشرين بيضة مسلوقة في تعذيبه وكلما بردت بيضة وضعوا غيرها على جسده حتى تركت آثار حروق لا زالت ظاهرة حتى الآن.وتحدث عن استخدام الصعقات الكهربائية والتعليق وأسلوب الهز ووضع الأسير في مكان بارد جدا أو حار جدا وغيرها من الأساليب الحاطة من الكرامة. ووصف أبو سرور التحقيقات في تلك الفترة بأنها انتقام من كل فدائي ومقاوم فلسطيني ولا يوجد أسير اعتقل في حينها إلا وتعرض للضرب الشديد وللتعذيب الجهنمي.
الأسير أبو سرور حكم بعشرين عاما دون أن يمثل أمام المحكمة ولم يستدع لأي جلسة، وقد ابلغ بالحكم وهو قابع في سجن الخليل على يد السجانين، وقال أن أسيرا آخر واسمه عودة الله أبو غياظة من نحالين حكم أيضا بنفس الطريقة بدون أية إجراءات قانونية، موضحا أن الأحكام الصادرة هي أحكام مخابراتية لا علاقة لها بالقضاء والمحاكمة النزيهة لهذا فإن 95% من الأسرى الذين اعتقلوا في سنة الحرب حكموا بأحكام رادعة وقاسية لا تتناسب مع التهم التي اعتقلوا بشأنها. وأوضح أن معظم الاعترافات قد انتزعت من الأسرى بسبب التعذيب القاسي والوحشي الذي تعرضوا له، ولم يكن هناك دور فاعل للصليب الأحمر الدولي أو لجان حقوق الإنسان في متابعة وضع الأسرى فالأسير المعتقل كان في عالم آخر معزول لا احد يسأل عنه بسبب ظروف الحرب وهذا أعطى فرصة للمحققين بالاستفراد بالأسرى دون أية رقابة حقوقية أو ضجة إعلامية مما أدى إلى أن يدفعوا ثمنا غاليا من أعمارهم وصحتهم، وقدر أبو سرور انه خلال عام 1967 كان في معتقلات الاحتلال نحو ألف فلسطيني.
إن سجناء الحرية خلال حرب 1967 مروا في رحلة عذاب لا تصور على الورق واستخدمت معهم أساليب تعذيب لا حصر لها مثل الضرب بالأسلاك الكهربائية على الأعضاء الجنسية، الاغتصاب، وضع الأسيرات مع مومسات جنائيات، اعتقال أفراد الأسرة، الكي بالنار وأعقاب السجائر، تعريض الرأس للتيار الكهربائي، نتف شعر الرأس والشاربين، خلع الأظافر، إعطاء المعتقلين أكوابا من الشاي مملوءة بالبول وأطلق المعتقلون منذ ذلك الوقت على معتقل المسكوبية اسم المسلخ.
شرطة السجون اعترفت في ذلك الوقت أنها تستلم المعتقلين بعد التحقيق وهم شبه أموات، وفي عدد من الحالات كانت نتيجة التحقيق الموت الفعلي وفي غيرها العاهات البدنية الأبدية وفي غيرها التشويه النفساني والجنون. المحققون حسب شهادات الأسرى كانوا على استعداد أن يفعلوا بالجسم البشري أي شيء فهو بالنسبة لهم مادة عليها فقط أن تنطق.
وفيما يلي شهادات بعض الأسرى والأسيرات مع الاحتفاظ بالأسماء ومنها: حلقوا شعره كي لا يعلم أحد كمية الشعر الذي انتزعوه بأصابعهم، وجعلوا منه تسلية، حيث ربطوا سرواله بقطعة من حبل على شكل ذنب وأرغموه على الزحف على أطرافه والنباح كالكلاب، ثم رموا له بفتات الخبز بين فكيه.
محقق اسمه ابرس المهمة الوحيدة له الضرب، هددني أن يحضروا شقيقاتي وأمي وان يغتصبوهن أمامي، وفي تلك الليلة أملوا علي رسالة وكأنني عازم على الانتحار، الرسالة كانت موجهة إلى زوجتي، ثم حملوني في سيارة وفي الطريق أخذوا يضربونني حتى وصلنا إلى معسكر للجيش أدخلوني في زنزانة، ضربوني على بطني وكووني بالنار وضربوني على رأسي حتى سقطت على الأرض وقلت سأوقع على كل ما تريدون، لم استطع أن احتمل أكثر من هذا.
 Ø§Ø³ØªØ¬ÙˆØ¨ من محقق يدعى غفيل ضربه بهراوة وعلقه بالسقف وضربه أيضا بسلك كهربائي على أعضائه الجنسية، يقول إنني فقدت الوعي وعندما استيقظت وجدت أن جسمي كله مبلل، أدخلوني إلى غرفة أجلسوني على كرسي وداسوا على الأغلال التي كانت رجلاي مقيدة بهما.
قال إنه ضرب بمسطرة مسمرة وأن المحقق ضربه على عينه وكذلك ادخلوا كرة ثلج في شرجه. استخدموا ضدي تيارا كهربائيا وضربوني بالهراوات، كانوا يقربون عيدان الكبريت المشتعلة من شفتي، وحسب قول محاميه: "إنه تعرض للعذاب الشديد ونتيجة لذلك أصيب في جسده وعقله بشكل فقد معه وعيه وأصيب بخلل في عقله وحتى الآن لم يعد إلى كامل قواه".
الأسير المذكور عذب بواسطة الكي بالسجائر المشتعلة وأدخلوا عيارا ناريا في قفاه في معتقل المسكوبية. قالت: "بعد اعتقالي أدخلت إلى غرفة سجنت فيها المومسات، هاجمنني وضربنني بقوة حتى فقدت الوعي، ومزقن ملابسي أمام رجال الشرطة وبقيت عارية، إنني حامل في الشهر الثاني وبدأت انزف دما، طلبت طبيبا، المحققون قالوا لي: "عندما تتكلمين سيجيء الطبيب".
مارست حكومة الاحتلال التصفيات للمعتقلين عام 1967، وحسب شهادة أحمد أبو سرور أن عددا من الأسرى الذين اعتقلوا وشوهدوا في سجون التحقيق في صرفند قد اختفت آثارهم وأن كثير من أسرى الدوريات الذين تسللوا من خارج حدود فلسطين وتم القبض عليهم لم تكن هناك أية جهة تلاحق أو تراقب عمليات الاعتقال، وكان الجيش الصهيوني يعلن دائما أن الفدائيين قد قتلوا خلال الاشتباكات وأن بعضهم حاول الهرب من السجن فتم قتله.
وفي عام 1967 عمدت سلطات الاحتلال إلى سياسة الاعتقال الإداري لأغلب القادة السياسيين في الحركة الوطنية الفلسطينية، والمئات من هذه الشخصيات تم طردها خارج الوطن، فشهد عام 1967 موجة من الاعتقال الإداري والإبعاد خارج حدود الوطن. الكتابات الصهيونية التي صدرت بعد حرب 1967 كان من بينها كتاب (حديث المقاتلين) للكاتب إبراهيم شبيرا، فيه يمكن أن نقرأ أوصافا تعبر عن روح العسكرة ونزع الإنسانية لدى الجنود الصهاينة، حيث يكتب عن قتل العرب الذين حاولوا العودة إلى بيوتهم وقراهم بعد انتهاء الحرب ويقول: "عندما شاهدنا شخوصا آتين من جهة الأردن، وبعد أن صحنا قف، أمرت بإطلاق النار فقتلنا واحدا، وعندما انهينا الأمر وتوجهت لفحص ما جرى رأيت فلاحا عربيا لم تكن له أيه علاقة بالجيش، خالجني شعور سيء بشكل غير انطباعي عن رد فعل الجنود الذين نصبوا الكمين وقاموا بعملية القتل، أن النظر إلى العرب والمشكلة العربية كان عبر فوهة البندقية".
ديفيد زوسمان هو من أكثر الكتاب الصهاينة الذي وصف بشكل صريح عملية العسكرة التي اجتاحت المجتمع الصهيوني عشية حرب 1967، في كتابه (الزمن الأصفر)، يصف نتائج الحرب والاحتلال والسلوك الهمجي لقوات الاحتلال في مخيم الدهيشة قائلا: "يستيقظون وهم في حالة ذعر، ضوء المصباح يغشي عيونهم، أطفال يصرخون، أحيانا يكون هناك زوجان يمارسان الحب، جنود يطرقون الباب، بأحذيتهم التي يلطخها الوحل من السير في أزقة المخيم، يدوسون على الفراش الدافئ، وبعضهم يصعدون على سطوح التنك".
الكتابات الصهيونية التي وصفت حرب 1967 تحدثت كثيرا عن معاملة الأسرى، والتنكيل بهم ومعاملتهم بطريقة وحشية فالكاتب اسحق باريوسف يحكي قصة جندي صهيوني يحقق مع أسرى وهو في غرفة العمليات أثناء الحرب في منطقة غور الأردن فيقول: أفضل شيء التحقيق معهم عندما يكونون مرتبكين من إطلاق النار وعندما يرون رفاقهم يسقطون إلى جانبهم، مع كل الدم النازف.

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 5/6/2012)