الأسير باجس نخلة قضى 15 عاما خلف القضبان‏

حزن‎ ‎وألم تعجز‎ ‎عن‎ ‎وصفه‎ ‎كلمات‎ ‎ينتاب‎ ‎الأسير‎ ‎باجس اثر‎ ‎رحيل‎ ‎والده‎ ‎الحاج‎ ‎‎خليل‎ ‎مصطفى‎ ‎نخلة دون‎ ‎أن‎ ‎يتمكن‎ ‎من‎ ‎وداعه‎ ‎أو‎ ‎زيارته‎ ‎جراء احتجازه‎ ‎في‎ ‎زنازين‎ ‎العزل‎ ‎الانفرادي‎ ‎في سجن"‎نفحة "‎الذي‎ ‎رفضت‎ ‎إدارته‎ ‎السماح‎ ‎له بالاتصال‎ ‎بعائلته‎ ‎ومواساتها‎ ‎في‎ ‎المصاب‎ ‎الجلل ‏الذي‎ ‎أبكاه‎ ‎وأحزنه‎ ‎واثر‎ ‎عليه‎ ‎بشكل‎ ‎كبير.‎‏ في‎ ‎مخيم‎ ‎الجلزون‎ ‎في‎ ‎محافظة‎ ‎رام‎ ‎الله‎ ‎ØŒ كان‎ ‎الحزن‎ ‎مضاعفا‎ ‎لعائلة‎ ‎‎الأسير‎ ‎الذي‎ ‎يقبع في‎ ‎السجون‎ ‎مع‎ ‎ولديه‎ ‎فارس‎ ‎ومعروف‎‎ØŒ‎ ‎فقد أغمض‎ ‎الوالد‎ ‎عينيه‎ ‎وهو‎ ‎يردد‎ ‎اسم‎ ‎نجله‎ ‎الذي ‏غيبه‎ ‎الاحتلال‎ ‎عنه‎ ‎وعن‎ ‎عائلته‎ ‎في‎ ‎سجونه قبل‎ ‎عامين‎‎ØŒ‎ ‎وهو‎ ‎الذي‎ ‎عاش‎ ‎وتعذب‎ ‎طويلا جراء‎ ‎رحلات‎ ‎الاعتقال‎ ‎‎المتتالية‎ ‎لفلذة‎ ‎كبده التي‎ ‎بلغت 15 ‎عاما،‎ ‎ويقول‎ ‎الأسير: "لم‎ ‎يكتف الاحتلال‎ ‎باعتقالي‎ ‎التعسفي‎ ‎والظالم‎ ‎المستمرة ‏دون‎ ‎تهمة‎ ‎ومحاكمة‎ ‎ضمن‎ ‎قرار‎ ‎الاعتقال‎ ‎الإداري،‎ ‎بل‎ ‎حرمني‎ ‎حتى‎ ‎من‎ ‎مواساة‎ ‎أسرتي‎ ‎في‎ ‎اشد لحظات‎ ‎الحياة‎ ‎‎صعوبة‎ ‎وقسوة‎ ‎ØŒ‎ ‎فهو‎ ‎الأب‎ ‎والرمز والعنوان‎ ‎والحياة‎ ‎بأكملها‎‎ØŒ‎ ‎صمد‎ ‎وصبر‎ ‎أمام‎ ‎كل المحن‎ ‎التي‎ ‎سببها‎ ‎اعتقال‎ ‎‎الاحتلال‎ ‎لي‎ ‎وكانت أمنيته‎ ‎الأخيرة‎ ‎عندما‎ ‎اشتد‎ ‎المرض‎ ‎به أن يراني "ØŒ‎ ‎ويضيف: "هو‎ ‎حلم‎ ‎كل‎ ‎أب‎ ‎في‎ ‎لحظات ‏الشدائد‎ ‎والأزمات‎ ‎ولكنهم‎ ‎حرموه‎ ‎من‎ ‎ذلك كعادتهم‎ ‎ضاربين‎ ‎عرض‎ ‎الحائط‎ ‎كل‎ ‎الأعراف والقوانين‎ ‎والشرائع‎ ‎‎وهم‎ ‎الذين‎ ‎يحتلون‎ ‎مركز الصدارة‎ ‎في‎ ‎انتهاكهم‎ ‎لكل‎ ‎حقوق‎ ‎شعبنا‎ ‎ونحن كأسرى‎ ‎ندفع‎ ‎الثمن‎ ‎مضاعفا،‎ ‎فلا‎ ‎توجد‎ ‎‎كلمات تعبر‎ ‎عن‎ ‎حزني‎ ‎وألمي‎ ‎ولكن‎ ‎ليس‎ ‎لنا‎ ‎سوى الصبر‎ ‎والدعاء‎ ‎لله‎ ‎أن‎ ‎يتقبله‎ ‎في‎ ‎جناته‎ ‎وان يصبر‎ ‎قلبي‎ ‎الذي‎ ‎‎لن‎ ‎ينسى‎ ‎أبدا‎ ‎هذا‎ ‎المصاب الجلل‎ ‎ØŒ‎ ‎فحسبنا‎ ‎الله‎ ‎ونعم‎ ‎الوكيل‎ ‎وإنا‎ ‎لله‎ ‎وإنا إليه‎ ‎لراجعون".‏

رسالة‎ ‎تعزية
رسالة‎ ‎‎تعزية‎ ‎مفمعة‎ ‎بالمشاعر‎ ‎والدموع،‎ ‎أرسلها‎ ‎الأسير‎ ‎من‎ ‎سجنه‎ ‎ليواسي‎ ‎عائلته ويخفف‎ ‎من‎ ‎ألمها‎ ‎ومعاناتها‎ ‎في‎ ‎لحظة‎ ‎‎كما‎ ‎يقول: "تفتقد‎ ‎فيها‎ ‎الأب‎ ‎العظيم‎ ‎والمعطاء‎ ‎الذي علمنا‎ ‎الصبر‎ ‎والوفاء‎ ‎والانتماء‎ ‎لهذا‎ ‎الوطن ورسالة‎ ‎الحق‎ ‎‎والتضحية‎ ‎التي‎ ‎نذرنا‎ ‎أنفسنا‎ ‎لها،‎ ‎ففي‎ ‎كل‎ ‎لحظة‎ ‎يرافقني‎ ‎أبي‎ ‎يؤنس‎ ‎وحدتي في‎ ‎عزلي‎ ‎منذ‎ ‎نقلي‎ ‎لزنازين‎ ‎نفحة‎ ‎‎قبل‎ ‎أربعة شهور‎‎ØŒ‎ ‎كل‎ ‎كلمة‎ ‎وصورة‎ ‎وموقف‎ ‎استذكره‎‎ØŒ وعندما‎ ‎يشتد‎ ‎بي‎ ‎الألم‎ ‎من‎ ‎حرقة‎ ‎الشوق‎ ‎ولم يعد‎ ‎هناك‎ ‎‎أمل‎ ‎للعناق‎ ‎واللقاء‎ ‎سوى‎ ‎الصلاة والدعاء‎ ‎للخلاص‎ ‎من‎ ‎دوام‎ ‎Ø©‎ ‎الظلمات‎ ‎التي ترافق‎ ‎حياتنا‎ ‎ونتعذب‎ ‎وفي‎ ‎رحيل‎ ‎‎الأحبة ونحرم‎ ‎وداعهم،‎ ‎فالأشد‎ ‎من‎ ‎السجن‎ ‎والاعتقال التعسفي‎ ‎هو‎ ‎فقدان‎ ‎عزيز‎ ‎فكيف‎ ‎إذا‎ ‎كان‎ ‎الأب،‎ ‎انها‎ ‎‎المصيبةالتي‎ ‎نواجه‎ ‎محنها‎ ‎بالإيمان والصبر‎ ‎والاحتساب "‎ØŒ‎ ‎وأضاف: "فاصبروا‎ ‎يا كل‎ ‎الأحبة‎ ‎إن‎ ‎الله‎ ‎‎مع‎ ‎الصابرين‎ ‎ولا‎ ‎تنسونا بدعواتكم‎ ‎ليزول‎ ‎عن‎ ‎ظلم‎ ‎السجان‎ ‎وسجونه وحتى‎ ‎يتحقق‎ ‎الخلاص‎ ‎من‎ ‎جحيم‎ ‎القيود ‏وكل‎ ‎اثر‎ ‎للاحتلال".‏

اللجوء‎ ‎والنضال
كثيرة‎ ‎هي‎ ‎المحطات‎ ‎المؤلمة‎ ‎في‎ ‎حياة‎ ‎الأسير باجس‎ ‎الذي‎ ‎تجاوز‎ ‎العقد‎ ‎‎الرابع‎ ‎التي‎ ‎رافقته في‎ ‎مسيرة‎ ‎حياته‎‎ØŒ‎ ‎ولكنها‎ ‎لم‎ ‎تنل‎ ‎من‎ ‎عزيمته ومعنوياته‎ ‎،فقد‎ ‎تأثر‎ ‎منذ‎ ‎صغره‎ ‎بحكايات والده‎ ‎‎عن‎ ‎مسقط‎ ‎رأس‎ ‎الأجداد‎ ‎والآباء‎ ‎بيت نبالا‎ ‎التي‎ ‎شردت‎ ‎عائلته‎ ‎منها‎ ‎في‎ ‎نكبة‎ ‎العام ‏948 ‎ØŒ‎ ‎ويقول: "رحل‎ ‎أبي‎ ‎‎ولكنه‎ ‎زرع‎ ‎في‎ ‎قلوبنا روح‎ ‎الانتماء‎ ‎لأرضنا‎ ‎التي‎ ‎لم‎ ‎تطأها‎ ‎أقدامنا ولكن‎ ‎تمكن‎ ‎من‎ ‎رسم‎ ‎صورها‎ ‎في‎ ‎مخيلتنا‎ ‎لتبقى ‏حية‎ ‎في‎ ‎أعماقنا‎ ‎وتشكل‎ ‎حلم‎ ‎حياتنا‎ ‎الدائم في‎ ‎العودة‎ ‎ØŒ‎ ‎ولدت‎ ‎ونشأت‎ ‎وترعرعت‎ ‎ودرست لاجئا‎ ‎في‎ ‎مخيم‎ ‎الجلزون‎ ‎‎ØŒ‎ ‎ولكن‎ ‎في‎ ‎كل‎ ‎يوم كان‎ ‎يكبر‎ ‎لدي‎ ‎حلم‎ ‎العودة‎ ‎إلى‎ ‎بلدتي‎ ‎الأصلية لننعم‎ ‎بخيراتها‎ ‎ونتنفس‎ ‎هواءها‎ ‎ونخطوا ‏ترابها"ØŒ أحلام‎ ‎رافقتها‎ ‎صور‎ ‎وحكايات‎ ‎المعاناة في‎ ‎مرحلة‎ ‎الشباب‎ ‎فتأثر‎ ‎كثيرا‎ ‎وقرر‎ ‎أن‎ ‎يؤدي واجبه‎ ‎لخدمة‎ ‎‎وطنه‎ ‎ودينه‎ ‎ويضيف:" ‎بين الأحلام‎ ‎كان‎ ‎كابوس‎ ‎الواقع‎ ‎الذي‎ ‎فرض‎ ‎حياة المعاناة‎ ‎ككل‎ ‎مشرد‎ ‎من‎ ‎أرضه‎ ‎ومن‎ ‎‎مخيمه‎ ‎أمام انتهاكات‎ ‎شاهدتها‎ ‎بحق‎ ‎أبناء‎ ‎شعبي‎ ‎من‎ ‎قتل وحرمان‎ ‎ما‎ ‎عزز‎ ‎حب‎ ‎الوطن‎ ‎والعمل‎ ‎من‎ ‎اجله لدي‎ ‎مهما‎ ‎‎كان‎ ‎الثمن".‏ وبفخر‎ ‎واعتزاز‎ ‎يقول‎ ‎الأسير‎ ‎نخلة " ‎بين دراستي‎ ‎وحبي‎ ‎للتعليم‎ ‎وإصراري‎ ‎على‎ ‎النجاح كأحد‎ ‎‎الأسلحة‎ ‎في‎ ‎مواجهة‎ ‎سياسات‎ ‎الاحتلال،‎ ‎فاديت‎ ‎واجبي‎ ‎بصدق‎ ‎وإخلاص‎ ‎وانتماء‎ ‎فكان الاحتلال‎ ‎لي‎ ‎بالمرصاد‎ ‎‎ورغم‎ ‎الاعتقالات‎ ‎واصلت تعليمي‎ ‎حتى‎ ‎حصلت‎ ‎على‎ ‎البكالوريوس في‎ ‎التربية‎ ‎الإسلامية‎ ‎من‎ ‎جامعة‎ ‎القدس"‎ØŒ ‏وتفانى‎ ‎نخله‎ ‎في‎ ‎خدمة‎ ‎رسالته‎ ‎الجديدة‎ ‎دون أن‎ ‎تغفل‎ ‎عينه‎ ‎عن‎ ‎باقي‎ ‎واجباته‎ ‎ورسالته تجاه‎ ‎شعبه‎ ‎مع‎ ‎اندلاع‎ ‎‎الانتفاضة‎ ‎الأولى‎ ‎فكانت تجربة‎ ‎الإبعاد‎ ‎الى‎ ‎مرج‎ ‎الزهور‎ ‎عام 1993 ‎ØŒ ويقول " ‎الإبعاد‎ ‎كان‎ ‎الثمن‎ ‎الباهظ‎ ‎‎لاقتلاعنا وإرسالنا‎ ‎لنكبة‎ ‎شتات‎ ‎تمردنا‎ ‎عليها‎ ‎ورفضناها لان‎ ‎السجن‎ ‎في‎ ‎الوطن‎ ‎وان‎ ‎كان‎ ‎كريها‎ ‎اقل‎ ‎وطأة من‎ ‎‎عذابات‎ ‎البعد‎ ‎عنه‎ ‎ليصبح‎ ‎أكثر‎ ‎استهدافا تحقيقا‎ ‎لأحلامهم‎ ‎وشعاراتهم‎ ‎التي‎ ‎لن‎ ‎تمر‎‎ØŒ فبعد‎ ‎النكبة‎ ‎لا‎ ‎زال‎ ‎نملك‎ ‎‎الوطن‎ ‎ولن‎ ‎نتخلى عنه‎ ‎وهو‎ ‎لنا‎ ‎وسنعود‎ ‎إليه".

الإبعاد‎ ‎والعودة
واقع‎ ‎الإبعاد‎ ‎وآثاره‎ ‎لم‎ ‎تنل‎ ‎منه‎‎ØŒ‎ ‎فانخرط مع‎ ‎‎إخوانه‎ ‎رافضا‎ ‎الخضوع‎ ‎والاستسلام‎ ‎ØŒ‎ ‎فكان معلما‎ ‎فاضلا‎ ‎لزملائه‎ ‎في‎ ‎الإبعاد‎ ‎في‎ ‎مرج الزهور‎ ‎وحظي‎ ‎بحب‎ ‎‎الجميع‎ ‎في‎ ‎رحلة‎ ‎الإبعاد والغربة‎ ‎التي‎ ‎حولها‎ ‎إلى‎ ‎جلسات‎ ‎من‎ ‎الفائدة وحلقات‎ ‎العلم‎ ‎الشيقة‎‎ØŒ‎ ‎وسط‎ ‎الصمود‎ ‎والثبات ‏ورفض‎ ‎النفي‎ ‎الأبدي‎ ‎ØŒ‎ ‎فتحقق‎ ‎لهم‎ ‎ولكل المبعدين‎ ‎حلم‎ ‎العودة‎ ‎ØŒ‎ ‎ويقول: "لم‎ ‎نتنازل‎ ‎عن هويتنا‎ ‎وحقنا‎ ‎في‎ ‎‎العودة‎ ‎الى‎ ‎أرضنا‎ ‎رغم‎ ‎كل التحديات‎ ‎لذلك‎ ‎عدنا‎ ‎من‎ ‎مرج‎ ‎الزهور‎ ‎لنعمر أرضنا‎ ‎ونتمسك‎ ‎بها‎ ‎ولن‎ ‎نفرط‎ ‎بها‎ ‎حتى‎ ‎‎رغم الاعتقال‎ ‎والسجن".‏

اعتقالات‎ ‎متواصلة
ولم‎ ‎يتوقف‎ ‎الاستهداف‎ ‎والاحتلال‎ ‎لم يكتف‎ ‎في‎ ‎الإبعاد‎‎‎ØŒ‎ ‎فتتالت‎ ‎الاعتقالات حتى‎ ‎تعجز‎ ‎ذاكرة‎ ‎باجس‎ ‎عن‎ ‎إحصاء‎ ‎عدد مرات‎ ‎اعتقاله‎ ‎وسجنه‎‎ØŒ‎ ‎وأفاد‎ ‎تقرير‎ ‎‎لمركز ‏"‎أحرار "‎انه‎ ‎أكثر‎ ‎أسير‎ ‎على‎ ‎الإطلاق‎ ‎تم تحويله‎ ‎للاعتقال‎ ‎الإداري‎ ‎ØŒ‎ ‎ويقول: "‎أصبحت رهينة‎ ‎‎اعتقالات‎ ‎لا‎ ‎بداية‎ ‎لها‎ ‎ولا‎ ‎نهاية, ‎فما أن‎ ‎تنتهي‎ ‎محكوميتي‎ ‎حتى‎ ‎يتلوها‎ ‎تمديد إداري‎ ‎مع‎ ‎رفض‎ ‎متواصل‎ ‎لكل‎ ‎‎استئناف‎ ‎أقدمه فالمحكمة‎ ‎في‎ ‎توافق‎ ‎وانسجام‎ ‎مع‎ ‎ممثل‎ ‎النيابة وهي‎ ‎المخابرات‎ ‎بل‎ ‎هي‎ ‎تنفذ‎ ‎قراراتهم‎ ‎ضاربة ‏عرض‎ ‎الحائط‎ ‎كافة‎ ‎الأعراف‎ ‎والقوانين‎ ‎ØŒ‎ ‎فعبارة واحدة‎ ‎تكفي‎ ‎لتغييب‎ ‎إنسان.

(المصدر:صحيفة القدس الفلسطينية)