الأسير علي سلهب يروي فصول معاناة الاسرى في رحلة العذاب القاسية عبر البوسطة

بين‎ ‎ذكرى انتفاضة‎ ‎الأقصى‎ ‎وخطاب‎ ‎الرئيس‎ ‎محمود عباس‎ ‎في‎ ‎الأمم‎ ‎‎المتحده‎ ‎ليطالب‎ ‎العالم الاعتراف‎ ‎بدولة‎ ‎فلسطين‎ ‎وحقها‎ ‎في‎ ‎مقعدها بين‎ ‎شعوب‎ ‎الأرض‎ ‎ØŒ يستقبل‎ ‎الأسير‎ ‎علي‎ ‎‎محمد غازي‎ ‎سلهب‎ ‎من‎ ‎الخليل‎ ‎عامه‎ ‎العاشر‎ ‎في‎ ‎الأسر، مصمما‎ ‎على‎ ‎مواصلة‎ ‎المسيرة‎ ‎وتحدي‎ ‎كل‎ ‎ظروف ‏الاعتقال‎ ‎الماسأوية‎ ‎دون أن‎ ‎يتخلى‎ ‎على‎ ‎الحلم الذي‎ ‎يعتبر‎ ‎خطاب‎ ‎الرئيس‎ ‎عباس‎ ‎تجسيد له‎ ‎وتاكيد‎ ‎على‎ ‎الاصرار‎ ‎على‎ ‎انتزاع‎ ‎الحق الفلسطيني‎ ‎الذي‎ ‎لا‎ ‎تنازل‎ ‎عنه.‎
الأسير‎ ‎سلهب الذي‎ ‎يعتبر‎ ‎من‎ ‎قادة‎ ‎حركة‎ ‎فتح‎ ‎ومؤسسي‎ ‎‎وقاده ذراعها‎ ‎العسكري‎ ‎كتائب‎ ‎شهداء‎ ‎الاقصى، تعرض عقب‎ ‎اندلاع‎ ‎انتفاضة‎ ‎الاقصى‎ ‎للمطاردة‎ ‎ونجا من‎ ‎عدة‎ ‎‎محأولات‎ ‎اغتيال‎‎ØŒ ‎ ‎ولكن‎ ‎ما‎ ‎زالت‎ ‎أثار الرصاص‎ ‎الصهيوني‎ ‎الذي‎ ‎أصيب‎ ‎به‎ ‎اكثر‎ ‎من ‏36‏‎ ‎مرة‎ ‎ما‎ ‎بين‎ ‎خطيرة‎ ‎‎ومتوسطة‎ ‎تقدم‎ ‎شهادة حياة‎ ‎عن‎ ‎تجربته‎ ‎النضالية‎ ‎وصموده‎ ‎رغم‎ ‎أنه يقضي‎ ‎حكما‎ ‎بالسجن‎ ‎‏18‏‎ ‎عاما.‎

البوسطة.. ‎‎رحلة‎ ‎من‎ ‎العذاب
وبين‎ ‎اعتقالاته‎ ‎العديدة‎ ‎خلال‎ ‎الانتفاضة الأولى‎‎ØŒ ‎ ‎والأخير‎ ‎المستمر‎ ‎فإنه‎ ‎من‎ ‎سجنه‎ ‎الحالي ريمون‎ ‎اختار‎ ‎أن‎ ‎يسلط‎ ‎الضوء‎ ‎على‎ ‎أحد أهم‎ ‎محطات‎ ‎العذاب‎ ‎في‎ ‎حياة‎ ‎كل‎ ‎أسير‎ ‎عبر البوسطة‎ ‎لعل‎ ‎المدافعين‎ ‎‎عن‎ ‎حقوق‎ ‎الإنسان كما‎ ‎يقول‎ ‎تتحرك‎ ‎ضمائرهم‎ ‎أمام‎ ‎هذا‎ ‎الموت الحقيقي، ويقول: "قبل‎ ‎أن‎ ‎يضع‎ ‎الموت‎ ‎نقابه ‏الأبيض‎ ‎على‎ ‎وجوهنا، ‎ ‎قررنا‎ ‎فضح‎ ‎ممارسات السجان‎ ‎التي‎ ‎لا‎ ‎تمت‎ ‎للإنسانية‎ ‎بصلة‎ ‎لرسم الصورة‎ ‎الحقيقية‎ ‎‎لزيف‎ ‎ادعاءات‎ ‎المحتل باختبائه‎ ‎وراء‎ ‎قناع‎ ‎الديمقراطية، ‎ ‎سنكشف الحقيقة‎ ‎ولو‎ ‎حتى‎ ‎بقولها‎ ‎سيصبح‎ ‎مصيرنا ‏العزل‎ ‎الانفرادي، سنقولها‎ ‎ولو‎ ‎حتى‎ ‎علقت مشانق‎ ‎عكا‎ ‎من‎ ‎جديد‎ ‎ونحن‎ ‎لسنا‎ ‎أفضل من شهداء‎ ‎فلسطين‎ ‎محمد‎ ‎‎جمجوم‎ ‎وعطا الزير وفؤاد‎ ‎حجازي، ولن‎ ‎يهزنا‎ ‎تهديد‎ ‎ووعيد، لأننا‎ ‎أبناء‎ ‎هذا‎ ‎الشعب‎ ‎وأرض‎ ‎فلسطين‎ ‎التي خرجنا‎ ‎‎من‎ ‎رحمها‎ ‎وأقدامنا‎ ‎مغروسة‎ ‎بثراها كزيتونة‎ ‎جذورها‎ ‎ضاربة‎ ‎بعمق‎ ‎الأرض، كتلك‎ ‎الشجرة‎ ‎‎المقدسة‎ ‎الثابتة‎ ‎أمام‎ ‎هيكل عشتروت‎ ‎اله‎ ‎الحب‎ ‎عند الفينقيين، سنبقى شامخين‎ ‎كشجرة الكرمل‎ ‎فلن‎ ‎يهمنا حريق ‏أوغريقويضيففماذا‎ ‎عساه‎ ‎يفعل‎ ‎من يفقد‎ ‎أغلى‎ ‎مايملك‎ ‎هويته‎ ‎وأهله‎ ‎وأرضه؟، أقل مايمكن‎ ‎ان‎ ‎يقدمه‎ ‎فضح‎ ‎‎الاحتلال‎ ‎ورسم الصورة‎ ‎الحقيقية‎ ‎لكل‎ ‎العالم، ولو‎ ‎أني‎ ‎كنت أعلم‎ ‎بأن‎ ‎الشاعرة‎ ‎البريطانية‎ ‎الايزابيث برأونغ‎ ‎‎انتظرت‎ ‎سنة‎ ‎كاملة وهي‏‏‎ ‎تبحث‎ ‎عن موضوعا‎ ‎لم‎ ‎يكتب‎ ‎به‎ ‎الشعر‎ ‎البريطاني‎ ‎من قبل‎ ‎حتى‎ ‎تتقنه‎ ‎وتكتبه‎ ‎‎لكنت‎ ‎بعثت‎ ‎بحكاية من‎ ‎سطروا‎ ‎بصمودهم‎ ‎أروع‎ ‎آيات‎ ‎التضحية والفداء حكاية‎ ‎رحلة‎ ‎العذاب‎ ‎لتكون‎ ‎ملحمة ‏شعرية‎ ‎كملحمة‎ ‎ايليانا‎ ‎اليونانية‎ ‎أو‎ ‎أعظم.‎

صور‎ ‎مؤلمة
وبخبرة‎ ‎وألم‎ ‎من‎ ‎عايش‎ ‎التجربة‎ ‎المريرة‎ ‎التي لا‎ ‎يستثنى‎ ‎‎منها‎ ‎كل‎ ‎أسير‎‎ØŒ ‎ ‎يتابع‎ ‎الأسير‎ ‎سلهب حديثه‎‎ØŒ ‎ ‎ويقولحديثنا‎ ‎عن‎ ‎رحلة‎ ‎البوسطة، ليس‎ ‎عن‎ ‎رحلة إلى‎ ‎شواطئ‎ ‎‎لوس‎ ‎انجلوس‎ ‎وشلالات‎ ‎نياغرا، ‎ ‎فنحن‎ ‎لا نتحدث‎ ‎عن‎ ‎رحلة‎ ‎عذاب يدور‎ ‎رحى‎ ‎تمثيلها‎ ‎باحدى‎ ‎المدن‎ ‎السينمائية ‏ليتم‎ ‎عرضها‎ ‎على‎ ‎أنها‎ ‎ممثلة، عند‎ ‎سماع كلمة‎ ‎بوسطة‎ ‎أول‎ ‎شيئ‎ ‎يخطر‎ ‎في‎ ‎بال‎ ‎الأسير "العذاب"‎ ‎الذي‎ ‎‎يعايشه‎ ‎خلال‎ ‎نقله‎ ‎من‎ ‎سجن لاخر‎ ‎أو‎ ‎يمثل‎ ‎بها‎ ‎أمام‎ ‎المحاكم‎ ‎الصهيونية، فهي تستهدفه‎ ‎بصحته‎ ‎ونفسيته‎ ‎واستقراراه‎ ‎‎وكل خليه‎ ‎في‎ ‎جسده، وتبدا‎ ‎رحلة‎ ‎العذاب‎ ‎عندما يبلغك‎ ‎السجان‎ ‎بأن‎ ‎تجهز‎ ‎نفسك‎ ‎للسفرية‎ ‎في الليل‎ ‎لتصبح‎ ‎جاهزا‎ ‎‎صباحا‎ ‎بالمعدات‎ ‎التي سترافقك‎ ‎وهي‎ ‎أشياء‎ ‎بسيطة‎ ‎لا‎ ‎تزيد‎ ‎عن‎ ‎حمولة شنطة‎ ‎واحدة‎ ‎فقط‎ ‎تضع‎ ‎فيها‎ ‎حرام‎ ‎ومنشفة ‏ووجه‎ ‎فرشة‎ ‎وبيجامة‎ ‎وبعض‎ ‎أدوات‎ ‎التنظيف الشخصية‎ ‎ولايسمح‎ ‎لك‎ ‎باخراج‎ ‎أي‎ ‎نوع‎ ‎من الكانتينا‎ ‎لأن‎ ‎طبيعة‎ ‎‎الأكل‎ ‎الموجودة‎ ‎بالمعبار سيئ‎ ‎جدا‎ ‎ولايصلح‎ ‎الأكل‎ ‎لسوء‎ ‎طبخه.‎

محطات‎ ‎المعاناة
ويوثق‎ ‎الأسير‎ ‎سلهب‎ ‎إن‎ ‎أقسى‎ ‎‎أيام‎ ‎النقل‎ ‎في البوسطة‎ ‎خلال‎ ‎فصل‎ ‎الشتاء‎‎ØŒ ‎‎ويقول: "تبدأ المعاناة‎ ‎عندما‎ ‎تدق‎ ‎أجراس‎ ‎الساعة‎ ‎الثانية فجرا‎ ‎لتعلن‎ ‎‎عن‎ ‎ولادة‎ ‎رحلة‎ ‎العذاب‎ ‎التي‎ ‎تنكل بكينونة‎ ‎الأسير‎ ‎واستقراره‎ ‎وراحته‎ ‎الجسدية والنفسية‎ ‎خاصة‎ ‎في‎ ‎فصل‎ ‎الشتاء‎ ‎‎فيفرض السجان‎ ‎على‎ ‎الأسير‎ ‎الخروج‎ ‎للبوسطة‎ ‎بأبسط مايملك‎ ‎من‎ ‎الملابس‎‎ØŒ ثم‎ ‎يقاد‎ ‎للتفتيش‎ ‎ليمر‎ ‎يسراديب‎ ‎‎لايرى خلالها‎ ‎سوى‎ ‎الاسلاك‎ ‎والاشباك‎ ‎المغطاه بالصاج‎ ‎والزينكو‎ ‎حتى‎ ‎لايتمكن‎ ‎من‎ ‎رؤية الشمس‎ ‎‎أو‎ ‎حتى‎ ‎الفضاء"ØŒ ويضيف: "يتم ذلك‎ ‎بعد‎ ‎تجميع‎ ‎الاسرى‎ ‎في‎ ‎زنزانة‎ ‎لمدة‎ ‎نصف ساعة، ويحتجز‎ ‎‏12‏‎ ‎أسيرا‎ ‎في‎ ‎‎زنزانةحجمها‎ ‎‏4‏ أمتار‎ ‎مربع‎ ‎ليبدأ‎ ‎التفتيش‎ ‎الرسمي‎ ‎على‎ ‎عدة مراحل‎ ‎عبر‎ ‎أجهزة‎ ‎مراقبة‎ ‎متطورة‎ ‎جدا، ثم فحص‎ ‎‎الأسير‎ ‎بطريقة‎ ‎أولية‎ ‎لم‎ ‎يسبق‎ ‎لها مثيل‎ ‎بتاريخ‎ ‎العالم‎ ‎المعاصر، فيقتاد‎ ‎لزنزانة خاصة‎ ‎بالتفتيش‎ ‎ليتم‎ ‎تعريته‎ ‎من‎ ‎‎جميع ملابسه‎ ‎قطعة‎ ‎قطعة، ‎‎ثم‎ ‎يقتاد‎ ‎لزنزانة‎ ‎أخرى الأولى‎ ‎ليمكث‎ ‎فيها‎ ‎ساعات‎ ‎بانتظار‎ ‎وصول الباص‎ ‎لنقله. لم‎ ‎ينتهي‎ ‎المشهد‎ ‎الذي‎ ‎يرصده الأسير‎ ‎سلهب‎ ‎بلحظاته‎ ‎المريرة‎‎ØŒ ويتابع‏‏"تتعمد‎ ‎الادارة‎ ‎تكديس‎ ‎الاسرى‎ ‎بشكل‎ ‎غير مقبول‎ ‎نهائيا‎ ‎لمدة‎ ‎ثلاث‎ ‎ساعات‎ ‎في‎ ‎نزانة سقفها‎ ‎وجدرانها‎ ‎عبارة‎ ‎عن‎ ‎حلبة‎ ‎سباق ‏للحشرات‎ ‎التي‎ ‎يغلب‎ ‎على‎ ‎تعدادها‎ ‎الصراصير، أما‎ ‎أرضها‎ ‎فمليئة‎ ‎بالمياه‎ ‎ومعها‎ ‎رائحة‎ ‎الرطوبة والعفن‎ ‎المنبعثة‎ ‎‎من‎ ‎الجدران، ‎‎ونستمر‎ ‎على‎ ‎هذه الحال‎ ‎حتى‎ ‎وصول‎ ‎الباص.

طريق‎ ‎الآلام
في‎ ‎المرحلة‎ ‎الثانية‎‎ØŒ تتعدد‎ ‎صور‎ ‎‎الألم‎ ‎التي يرويها‎ ‎الأسير‎ ‎سلهب‎ ‎لطريق‎ ‎الآلام‎‎ØŒ ‎‎ويقول:"قبل‎ ‎أن‎ ‎يتنفس‎ ‎الأسرى‎ ‎الصعداء‎ ‎مع‎ ‎مشاهدة الباص‎ ‎‎الذي‎ ‎يبدو‎ ‎مظهره‎ ‎الخارجي‎ ‎يشرح‎ ‎له الصدر‎ ‎للوهلة‎ ‎الأولى، ‎ ‎فمن‎ ‎لا‎ ‎يعرفه‎ ‎يجهله فمن‎ ‎يراه‎ ‎من‎ ‎الخارج‎ ‎يشعر‎ ‎‎بأنه‎ ‎باص‎ ‎خمس نجوم‎‎ØŒ ولكن‎ ‎هول‎ ‎الكارثة‎ ‎والمصيبة‎ ‎تكمن‎ ‎في داخله‎ ‎فعند‎ ‎دخولك‎ ‎في‎ ‎كثير‎ ‎من‎ ‎الأحيان يتم‎ ‎‎تشغيل‎ ‎المكيف‎ ‎البارد‎ ‎مع‎ ‎أن‎ ‎درجات الحرارة‎ ‎بالأصل‎ ‎تكون‎ ‎متدنية"،ويضيف‎ ‎في داخل‎ ‎هذا‎ ‎الباص‎ ‎‎شيئ‎ ‎لايوصف‎ ‎كراسي‎ ‎فقط من‎ ‎الحديد، ‎ ‎والباص‎ ‎قسمين‎ ‎نصف‎ ‎مخصص لمجموعة‎ ‎تبلغ‎ ‎‏25‏‎ ‎أسيرا‎ ‎مقيدي‏ ‏الأيدي والأارجل، ‎‎والنصف‎ ‎الثاني‎ ‎زنازين‎ ‎ضيقة‎ ‎لاسرى العزل‎ ‎الانفرادي‎ ‎والأسرى‎ ‎الذين‎ ‎‎يحملون "الساكاف"‎ ‎حتى‎ ‎انه‎ ‎ممنوع‎ ‎عليك‎ ‎ان‎ ‎تاخذ معك‎ ‎سجادة‎ ‎صلاة‎ ‎لتضعها‎ ‎على‎ ‎ذلك‎ ‎الكرسي الحديدي‎ ‎‎لتجلس‎ ‎عليه‎ ‎من‎ ‎كثرة‎ ‎الصفيح‎ ‎مما يضطرك‎ ‎في‎ ‎كثير‎ ‎من‎ ‎الاحيان‎ ‎للجلوس‎ ‎على قدميك‎ ‎اغلب‎ ‎الوقت، ولو‎ ‎كان‎ ‎من‎ ‎المسموح‎ ‎لك بان‎ ‎ترتدي‎ ‎اكثر‎ ‎من‎ ‎‎بنطلون‎ ‎لحل‎ ‎جزء‎ ‎بسيط من‎ ‎المشكلة‎ ‎لكن‎ ‎ذلك‎ ‎ممنوع‎ ‎بحجج‎ ‎أمنية واهية، ‎ ‎أما‎ ‎شبابيك‎ ‎الباص‎ ‎جميعها‎ ‎عليها‎ ‎‎شبك ليبقى‎ ‎بداخلك‎ ‎شعور‎ ‎نفسه‎ ‎بانك‎ ‎انت‎ ‎بسجن ومازلت‎ ‎بالاسر، وفي‎ ‎اعلى‎ ‎سقف‎ ‎الباص‎ ‎فتحه للهواء‎ ‎ومادون‎ ‎‎ذلك‎ ‎كله‎ ‎يكون‎ ‎مغطى‎ ‎بجلاتين اسود‎ ‎لاترى‎ ‎جنس‎ ‎البشر‎ ‎من‎ ‎خلاله، وهذه سياسة‎ ‎تعتمدها‎ ‎إدارة‎ ‎الشاباك‎ ‎‎لعزل‎ ‎الأسير عن‎ ‎العالم‎ ‎الخارجي‎ ‎ليبقى‎ ‎أسيرالأوهام‎ ‎وان‎ ‎كل مايحيط‎ ‎به‎ ‎جدران‎ ‎اكلتها‎ ‎الرطوبة‎ ‎والعفونة واسالك‎ ‎‎واشياك‎ ‎وقضبان‎ ‎يريدون‎ ‎من‎ ‎ذلك كله‎ ‎كسر‎ ‎ارادة‎ ‎الأسير‎ ‎الفلسطيني‎ ‎بجعل‎ ‎حياته باردة كالثلج‎ ‎وقاتمة‎ ‎كالرماد‎ ‎‎وصامته‎‎ØŒ لكن‎ ‎انى لهم‎ ‎ذلك‎ ‎فارادة‎ ‎الأسير‎ ‎تنبع‎ ‎من‎ ‎داخله‎ ‎كما ينبع‎ ‎الغدير‎ ‎المترنم‎ ‎في‎ ‎وادي‎ ‎قاديشا‎ ‎هناك كما‎ ‎‎الباذان‎ ‎والليطاني‎ ‎ودجلة‎ ‎والفرات.‎

محطات‎ ‎مؤلمة
وبعد‎ ‎رحلة‎ ‎انتظار‎ ‎اخرى‎ ‎لاكثر‎ ‎من‎ ‎ساعة تنطلق‎ ‎البوسطة‎‎ØŒ ويقول‎ ‎الأسير‎ ‎سلهب: "تبدا محطات‎ ‎جديدة‎ ‎من‎ ‎العذاب‎ ‎عبر‎ ‎صراع‎ ‎طويل من‎ ‎السفر‎ ‎اقله‎ ‎يستغرق‎ ‎‏8‏‎ ‎ساعات‎ ‎‎واكثره‎ ‎‏18‏ ساعة، فتنطلق‎ ‎السفرية‎ ‎من‎ ‎اقصى‎ ‎الشمال‎ ‎من جبال‎ ‎جلبوع‎ ‎الى‎ ‎معبار‎ ‎سجن‎ ‎الرملة‎ ‎كمحطةأولى، ثم‎ ‎‎زنازين‎ ‎عوفر‎ ‎كمحطة‎ ‎ثانية، وخلالها‎ ‎يتم التوجه‎ ‎لعدة‎ ‎سجون‎ ‎اغلبها جنائية‎ ‎لاستقبال وتسليم‎ ‎المساجين، فيقف‎ ‎‎الباص‎ ‎على‎ ‎كل‎ ‎باب سجن‎ ‎لمدة‎ ‎لاتقل‎ ‎عن‎ ‎النصف‎ ‎ساعة‎ ‎لتحمل المساجين‎ ‎وانزالهم"ØŒ ويضيفطوال‎ ‎‎الساعات الطويلة‎ ‎تبقى‎ ‎مقيد‎ ‎اليدين‎ ‎والقدمين‎ ‎بقيود حديدية‎ ‎مؤلمة‎ ‎بشكل‎ ‎كبير،  ‎كما‎ ‎يمنع‎ ‎عليك الوقوف‎ ‎بمكانك‎ ‎‎حيث‎ ‎تجبر‎ ‎على‎ ‎الجلوس طوال‎ ‎الوقت‎ ‎مما‎ ‎يتسبب‎ ‎بشكل‎ ‎بالام‎ ‎حادة بالظهرو‎ ‎بعد‎ ‎هذا‎ ‎الوقت‎ ‎الطويل‎ ‎‎والسجون تصل"للمعبار"وهناك‎ ‎لا‎ ‎تكاد‎ ‎تجد‎ ‎فيه‎ ‎شيئ انساني‎ ‎الا‎ ‎ماء‎ ‎الشرب، Ùˆ‎ ‎يوضع‎ ‎‏15‏‎ ‎أسيرا‎ ‎بغرفة بها‎ ‎‎‏5‏‎ ‎ابراش‎ ‎أي‎ ‎اسرة‎ ‎من‎ ‎طبقتين‎ ‎كل‎ ‎برش‎ ‎فوق البرش‎ ‎الاخر، ‎ ‎مما‎ ‎يضطرك‎ ‎للفرش‎ ‎على‎ ‎الأرض بخمس‎ ‎فرشات‎ ‎‎يمكن‎ ‎وصفهم‎ ‎بانهم‎ ‎يشبهون‎ ‎كل شيئ‎ ‎باستثناء‎ ‎الفرشات"ØŒ ويتابع‎ ‎وصف‎ ‎ساعات الالم‎ ‎لأسير‎ ‎البوسطة‎‎ØŒ ويقول‎ ‎‎الأسير‎ ‎سلهب: "لدى‎ ‎الوصول‎ ‎للمعبار‎ ‎تكون‎ ‎الشمس‎ ‎قد اغربت والقى‎ ‎السواد‎ ‎بوشاحه‎ ‎على‎ ‎ساعات‎ ‎الغروب ‏فيكون‎ ‎تعب‎ ‎السفر‎ ‎افقدك‎ ‎جميع‎ ‎قواك‎ ‎ØŒ فمنذ ساعات‎ ‎الصباح‎ ‎وانت‎ ‎بلا‎ ‎اكل‎ ‎ولا‎ ‎شرب‎ ‎ولاصلاة ولا‎ ‎حتى‎ ‎ذهاب‎ ‎‎لقضاء‎ ‎الحاجة،  ‎وقبل‎ ‎دخول المعبار‎ ‎يتم‎ ‎تفتيشك‎ ‎بشكل‎ ‎دقيق‎ ‎ويتم‎ ‎حجزك بالزنزانة‎ ‎لمدة‎ ‎ساعة‎ ‎لانتهاء‎ ‎‎تفتيش‎ ‎جميع الاسرى‎ ‎حينها‎ ‎فقط‎ ‎يدخل‎ ‎المعبار‎ ‎لتنتظر ساعة‎ ‎اخرى‎ ‎حتى‎ ‎يتم‎ ‎احضار‎ ‎الطعام‎ ‎لك‎ ‎وفي اغلب‎ ‎‎الأوقات‎ ‎الاكل‎ ‎ناقص‎ ‎لايكفي‎ ‎لخمسة، لكننا نهاية‎ ‎المطاف‎ ‎نقبل‎ ‎ماكتب‎ ‎الله‎ ‎لنا‎ ‎ويرضون بنصيبهم"،ويضيف: " بعدها‎ ‎يبادر‎ ‎الاسرى لحملة‎ ‎تنظيف‎ ‎جديدة‎ ‎متجددة‎ ‎لوضع‎ ‎الفرشات على‎ ‎الأرض‎ ‎للنوم، ‎‎وكان‎ ‎يفترض‎ ‎بنا‎ ‎عندما‎ ‎‎نضع راسنا‎ ‎على‎ ‎الوسادة‎ ‎لننام‎ ‎ان‎ ‎نستمع‎ ‎في‎ ‎هذا‎ ‎الليل الهادئ‎ ‎لايقاع‎ ‎بتهوفن‎ ‎أوفنكر‎ ‎أوفردي‎ ‎ولوروسييأو‎ ‎‎كلود، ‎ ‎لكننا‎ ‎نستيقظ‎ ‎الف‎ ‎مرة‎ ‎على‎ ‎اصوات الجرذان‎ ‎وهي‎ ‎تطارد‎ ‎بعضها‎ ‎البعض.

صور‎ ‎لا‎ ‎مثيل‎ ‎لها
في‎ ‎ظلال‎ ‎‎ذلك‎‎ØŒ ‎‎يقول‎ ‎الأسير‎ ‎سلهب: "وقبل ان‎ ‎تحظى‎ ‎اجسادنا‎ ‎بقسط‎ ‎من‎ ‎الراحة‎ ‎وبعد ساعات‎ ‎قليلة‎ ‎ينادي‎ ‎السجان‎ ‎عدد‎ ‎‎ياشباب، وتكون‎ ‎الساعة‎ ‎اعلنت‎ ‎بداية‎ ‎جديدة‎ ‎من المعاناة‎ ‎في‎ ‎الساعة‎ ‎السابعة‎ ‎تنقلنا‎ ‎على‎ ‎متن نفس‎ ‎الخردة‎ ‎التي‎ ‎‎تسمى‎ ‎باص‎ ‎لتعود‎ ‎من‎ ‎جديد لنفس‎ ‎المعاناة‎ ‎التي‎ ‎بحاجة‎ ‎الى‎ ‎من‎ ‎يصفها‎ ‎حق الوصف‎ ‎ومن‎ ‎يرسمها‎ ‎حق‎ ‎الرسم‎‎‎ØŒ فليتنا‎ ‎نمر في‎ ‎رحلتنا‎ ‎هذه‎ ‎على‎ ‎باريس‎ ‎لنقف‎ ‎هنيهة‎ ‎على قبر‎ ‎فكتور‎ ‎هوغو‎ ‎وروسو‎ ‎وواجني‎ ‎وشتوبريان ورنان‎ ‎‎لنعيد‎ ‎لهم‎ ‎الحياة‎ ‎من‎ ‎جديد‎ ‎لانهم‎ ‎خير من‎ ‎سيرسم‎ ‎لون‎ ‎معاناتنا‎ ‎على‎ ‎جدران‎ ‎متحف اللوفر‎ ‎كما‎ ‎تفنن‎ ‎الرسامون‎ ‎من‎ ‎‎قبل‎ ‎روفائيك وميكيل‎ ‎وانجلو‎ ‎وبارصينو‎ ‎وكما‎ ‎تفنن‎ ‎ليوناردو دافنشي‎ ‎في‎ ‎رسم‎ ‎لوحة‎ ‎الموناليزا‎ ‎ليتناغموا‎ ‎من هناك‎ ‎‎لنرسم‎ ‎من‎ ‎دماءنا‎ ‎ماسيشهد‎ ‎عليه‎ ‎العالم اجمع‎ ‎لنملئ‎ ‎اروقة‎ ‎Ø