الحزن يخيم على عدد من منازل الأسرى في جنين

 

بدأت‎ ‎الاحتفالات‎ ‎باستقبال‎ ‎الأسرى المحررين‎ ‎ضمن‎ ‎صفقة‎ ‎التبادل‎ ‎التي‎ ‎وقعت‎ ‎بين‎ ‎‎حركة"حماس"‎‏ والكيان الصهيوني،‎ ‎ورغم‎ ‎أجواء‎ ‎الفرح‎ ‎أثارت‎ ‎الصفقة‎ ‎مشاعر‎ ‎حزن‎ ‎وألم‎ ‎لدى الكثير‎ ‎من‎ ‎العائلات‎ ‎التي‎ ‎‎صدمت‎ ‎لاستثناء‎ ‎أبنائها‎ ‎وشطبهم‎ ‎من الصفقة‎ ‎رغم‎ ‎أن‎ ‎المعايير‎ ‎التي‎ ‎أعلنت‎ ‎تنطبق‎ ‎عليهم.‎
الحاجة‎ ‎فتحية‎ ‎يوسف‎ ‎‎العارضة‎ ‎ورغم‎ ‎ما‎ ‎تتمتع‎ ‎به‎ ‎من‎ ‎معنويات عالية،‎ ‎وتكرارها‎ ‎جملة: "‎افخر‎ ‎أن‎ ‎أولادي‎ ‎مجاهدون"‎ØŒ‎ ‎لكنها‎ ‎لم تحتمل‎ ‎‎الصدمة‎ ‎عندما‎ ‎أنهت‎ ‎إذاعة‎ ‎الأحلام‎ ‎المحلية‎ ‎في‎ ‎جنين‎ ‎أسماء المحررين‎ ‎ولم‎ ‎تستمع‎ ‎لاسم‎ ‎احد‎ ‎من‎ ‎أبنائها،‎ ‎أصيبت‎ ‎‎بصدمة‎ ‎وأغمي عليها‎ ‎ولم‎ ‎تستعد‎ ‎وعيها‎ ‎حتى‎ ‎حضر‎ ‎الطبيب،‎ ‎وعندما‎ ‎استعادت وعيها‎ ‎لم‎ ‎تتوقف‎ ‎عن‎ ‎الحزن‎ ‎‎والبكاء‎ ‎وهي‎ ‎تقول: "‎إنها‎ ‎مصيبة، على‎ ‎الأقل‎ ‎أطلقوا‎ ‎سراح‎ ‎محمود‎ ‎المحكوم‎ ‎مدى‎ ‎الحياة،‎ ‎لمن‎ ‎تركوه وكيف‎ ‎‎سيتحرر‎ ‎وهو‎ ‎يدخل‎ ‎عامه‎ ‎العشرين‎ ‎في‎ ‎الأسر‎ ‎وشطب‎ ‎من‎ ‎كل الصفقات‎ ‎السابقة".
الحاجة‎ ‎التي‎ ‎تجاوزت‎ ‎العقد‎ ‎‎السابع،‎ ‎لم‎ ‎تجد‎ ‎سوى‎ ‎الصلاة‎ ‎والدعاء لتخفف‎ ‎حزنها‎ ‎وألمها،‎ ‎ولكنها‎ ‎عندما‎ ‎تتابع‎ ‎الأخبار‎ ‎وتشاهد‎ ‎صور أبنائها‎ ‎‎الثلاثة‎ ‎المعتقلين‎ ‎محمود‎ ‎واحمد‎ ‎ورداد‎ ‎تنتابها‎ ‎موجه‎ ‎بكاء جديد‎ ‎وتقول: "الله‎ ‎اكبر،‎ ‎لا‎ ‎اصدق‎ ‎أنه‎ ‎لن‎ ‎يعود،‎ ‎ابني‎ ‎‎معتقل‎ ‎منذ ‏20‏‎ ‎عاما،‎ ‎اعتقل‎ ‎في‎ ‎سن‎ ‎‏16‏‎ ‎عاما‎ ‎واليوم‎ ‎يبلغ‎ ‎‏36‏‎ ‎عاما،‎ ‎انه‎ ‎فدائي ومجاهد‎ ‎حقيقي‎ ‎ضحى‎ ‎بكل‎ ‎شيء‎ ‎‎في‎ ‎سبيل‎ ‎وطنه،‎ ‎عذبوه‎ ‎وتحمل وصمد‎ ‎ولم‎ ‎يخن‎ ‎القضية‎ ‎فالحرية‎ ‎أقل‎ ‎مكافأة‎ ‎يستحقها". وأضافت: "هل‎ ‎يدرك‎ ‎‎الذي‎ ‎لم‎ ‎يدرج‎ ‎اسم‎ ‎ابني‎ ‎ضمن‎ ‎الصفقة‎ ‎ما عشته‎ ‎من‎ ‎عذاب‎ ‎طوال‎ ‎عشرين‎ ‎عاما،‎ ‎لم‎ ‎يبق‎ ‎سجن‎ ‎من‎ ‎الجلمة‎ ‎وحيفا ‏والمسكوبية‎ ‎والقدس‎ ‎والخليل‎ ‎إلا‎ ‎ووقفت‎ ‎على‎ ‎أبوابه‎ ‎بمرضي‎ ‎وعجزي انتظر،‎ ‎والدهم‎ ‎توفي‎ ‎وأنا‎ ‎أقاوم‎ ‎مرضي‎ ‎‎بعون‎ ‎الله‎ ‎وكان‎ ‎أملي‎ ‎الأخير‎ ‎في الحياة‎ ‎أن‎ ‎أرى‎ ‎محمود‎ ‎وعانقه‎ ‎وافرح‎ ‎بزفافه".
غضب‎ ‎وسخط‎ ‎لا‎ ‎يتوقف‎ ‎ينتاب‎ ‎‎الحاجة‎ ‎الصابرة،‎ ‎ولكنها‎ ‎تخرج عن‎ ‎هدوئها‎ ‎المعتاد‎ ‎لتقول: "إلى‎ ‎متى‎ ‎سأبقى‎ ‎انتظر‎ ‎ولم‎ ‎يبق‎ ‎درب للسجون‎ ‎إلا‎ ‎‎وسلكته،‎ ‎ابني‎ ‎احمد‎ ‎محكوم‎ ‎‏20‏‎ ‎عاما‎ ‎وقضى‎ ‎‏19‏‎ ‎عاما ويمكنه‎ ‎أن‎ ‎ينتظر‎ ‎عامه،‎ ‎ورداد‎ ‎محكوم‎ ‎‏20‏‎ ‎عاما‎ ‎وقضى‎ ‎‎‏13‏‎ ‎عاما‎ ‎ولا أطالب‎ ‎به،‎ ‎لكن‎ ‎محمود‎ ‎محكوم‎ ‎مدى‎ ‎الحياة،‎ ‎إنها‎ ‎صدمه‎ ‎واحمل‎ ‎حركة حماس‎ ‎والمفاوضين‎ ‎‎المسؤولية،‎ ‎كان‎ ‎بإمكانهم‎ ‎أن‎ ‎يستمروا‎ ‎في‎ ‎المفاوضات وعدم‎ ‎إبرام‎ ‎الصفقة‎ ‎قبل‎ ‎تحرير‎ ‎كل‎ ‎الأسرى‎ ‎القدامى".‎
وارتسمت‎ ‎معالم‎ ‎الحزن‎ ‎والألم‎ ‎على‎ ‎محيا‎ ‎المحرر‎ ‎همام‎ ‎تركمان‎ ‎بعدما لم‎ ‎يعثر‎ ‎على‎ ‎اسمه‎ ‎شقيقه‎ ‎الأسير‎ ‎محمد‎ ‎‎يوسف‎ ‎سليمان‎ ‎تركمان المعتقل‎ ‎منذ‎ ‎عام‎ ‎‏28‏ / ‎‏10‏ / ‎‏1992‏‎ ‎والمحكوم‎ ‎بالسجن‎ ‎المؤبد‎ ‎إضافة‎ ‎لـ‎ ‎‏50‏ عاما‎ ‎في‎ ‎‎القوائم،‎ ‎وقال: "‎كل‎ ‎أبناء‎ ‎شعب‎ ‎فلسطين‎ ‎الأحرار‎ ‎يرحبون بالإفراج‎ ‎عن‎ ‎أي‎ ‎أسير‎ ‎وأي‎ ‎عملية‎ ‎لتحرير‎ ‎الأسرى‎ ‎‎الغائبين‎ ‎عن‎ ‎أذهان كافة‎ ‎العرب‎ ‎والمسلمين‎ ‎ولكن‎ ‎جاءت‎ ‎هذه‎ ‎الصفقة‎ ‎ممزوجة‎ ‎بالفرحة والألم: ‎فرحة‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎‎هذا‎ ‎العدد‎ ‎والألم‎ ‎الذي‎ ‎كان‎ ‎بمثابة‎ ‎صفعة لأهالي‎ ‎غالبية‎ ‎الأسرى‎ ‎وخيبة‎ ‎أمل‎ ‎للغالبية‎ ‎العظمى‎ ‎منهم‎ ‎هؤلاء الذين‎ ‎بنوا‎ ‎‎آمالا‎ ‎كبيرة‎ ‎على‎ ‎أن‎ ‎يكون‎ ‎أبناؤهم‎ ‎مدرجين‎ ‎ضمن المفرج‎ ‎عنهم".
وأضاف: "‎بنينا‎ ‎هذه‎ ‎الآمال‎ ‎على‎ ‎الكثير‎ ‎من‎ ‎‎المعايير‎ ‎أهمها‎ ‎الأقدمية في‎ ‎السجن‎ ‎والمرضى‎ ‎وعدم‎ ‎التحيز‎ ‎لفصيل‎ ‎فلسطين‎ ‎دون‎ ‎الآخر‎ ‎وعدم الأخذ‎ ‎بعين‎ ‎‎الاعتبار‎ ‎وجود‎ ‎عدد‎ ‎من‎ ‎الأشقاء‎ ‎من‎ ‎ذوي‎ ‎الأحكام‎ ‎العالية وإبقاؤهم‎ ‎جميعا‎ ‎رهن‎ ‎القيود‎ ‎وغير‎ ‎ذلك‎ ‎من‎ ‎تلك‎ ‎‎المعايير".
لم‎ ‎يغمض‎ ‎جفن‎ ‎لوالدة‎ ‎تركمان،‎ ‎وتكررت‎ ‎مشاهد‎ ‎الدموع‎ ‎والإحزان في‎ ‎كل‎ ‎جنبات‎ ‎منزلهم‎ ‎في‎ ‎جنين،‎ ‎‎فوقع‎ ‎الصدمة‎ ‎كان‎ ‎كبيرا‎ ‎لأن‎ ‎العائلة كما‎ ‎قال‎ ‎همام: "‎تلقت‎ ‎دوما‎ ‎وعود‎ ‎وتطمنينات‎ ‎أن‎ ‎الأولوية للقدامى، شقيقي‎ ‎‎يعتبر‎ ‎من‎ ‎قدامى‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎تم‎ ‎التأكيد‎ ‎من‎ ‎قبل‎ ‎كثير‎ ‎من أصحاب‎ ‎أو‎ ‎من‎ ‎المسؤولين‎ ‎عن‎ ‎ملف‎ ‎التفاوض‎ ‎حول‎ ‎‎قضية‎ ‎الصفقة‎ ‎على انه‎ ‎من‎ ‎ضمن‎ ‎المشمولين‎ ‎في‎ ‎الصفقة،‎ ‎وكانت‎ ‎الصاعقة‎ ‎للوالدة‎ ‎ولنا‎ ‎بأن اسمه‎ ‎غير‎ ‎مدرج‎ ‎بين‎ ‎‎الأسماء‎ ‎المفرج‎ ‎عنهم‎ ‎فكانت‎ ‎نتيجة‎ ‎ذلك‎ ‎أن‎ ‎تم نقل‎ ‎الوالدة‎ ‎وعدد‎ ‎من‎ ‎أشقائي‎ ‎للمشفى‎ ‎من‎ ‎هول‎ ‎الصدمة".
واستنكر‎ ‎‎همام‎ ‎التلاعب‎ ‎بمشاعر‎ ‎أهالي‎ ‎الأسرى‎ ‎الذي‎ ‎تم‎ ‎من‎ ‎قبل الكثير‎ ‎من‎ ‎المحطات‎ ‎المحلية‎ ‎وبعض‎ ‎المسؤولين‎ ‎والتداخل‎ ‎‎بالتصريحات المتناقضة‎ ‎والذي‎ ‎كان‎ ‎نتيجته‎ ‎إصابة‎ ‎الكثير‎ ‎من‎ ‎أمهات‎ ‎الأسرى‎ ‎بنوبات قلبية‎ ‎وحالات‎ ‎هستيريا،‎ ‎‎وفي‎ ‎رسالة‎ ‎وجهها‎ ‎للجميع‎ ‎قال‎ ‎متسائلا :‎‏‏"‎متى‎ ‎سيتم‎ ‎الإفراج‎ ‎عن‎ ‎باقي‎ ‎الأسرى‎ ‎الذين‎ ‎كنا‎ ‎متأملين‎ ‎الإفراج عنهم‎ ‎‎كم‎ ‎من‎ ‎السنوات‎ ‎سيقضون‎ ‎في‎ ‎السجون‎ ‎التي‎ ‎جدرانها‎ ‎لو‎ ‎نطقت لتكلمت‎ ‎عن‎ ‎معاناتهم؟"‎

(المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 19/10/2011)