الأسرى المرضى.. بين ألم المعاناة وخطر الإعدام البطيء

بين ألم الفراق والبعد عن ذويهم وعائلاتهم، وألم الأمراض التي باتت تفتك بأجسادهم يوما تلو الآخر، ما زال الأسرى في سجون الاحتلال؛ وخاصة المرضى الذين يتعرضون إلى أبشع أساليب التعذيب النفسي والجسدي ولاسيما استمرار مصلحة السجون بالتعمد باستخدام سياسة الإهمال الطبي بحقهم، مما أدى إلى تفاقم وتدهور وضعهم الصحي وانتشار بعض الأمراض الخطيرة كالسرطان والسكري والضغط والفشل الكلوي وعدد من الأمراض الأخرى في انتهاك واضح لأبسط حقوق الإنسان في تلقي العلاج وخدمات الرعاية الطبية.
ويبلغ عدد الأسرى المرضى المصابين بمرض السرطان 28 أسيرا من بين ما يقارب 1400 من الأسرى الذين يعانون من الإصابة بأمراض مختلفة داخل السجون الصهيونية، وما يقارب 150 أسيرا منهم يعانون المرض وبحاجة ماسة لإجراء عمليات جراحية عاجلة لتفادي تفاقم هذه الأمراض، بالإضافة إلى عدد كبير منهم الذين يعانون من أعراض والآم مختلفة يُواجهون "الموت البطيء"، ويقيم بعضهم داخل مشفى سجن الرملة منذ اعتقاله.
وأكد مركز أسرى فلسطين للدراسات، أن 23 أسيرا داخل سجون الاحتلال يعانون من مرض السرطان القاتل بمختلف أنواعه، بعضهم معتقل منذ العام 2003، دون أن تقدم لهم إدارة السجون علاجاً مناسباً لحالتهم الصحية سوى المسكنات الأمر الذي يشكل خطورة حقيقية على حياتهم ويعرضهم للموت في أي لحظة.
يعد السرطان المرض الأكثر فتكاً بحياة الأسرى، نتيجة الرفض الصهيوني بتقديم التشخيص والعلاج المباشر والمناسب مبكرا، كما يصاب بعض الأسرى بتقرحات وتلف بالأمعاء والمعدة، ويعاني آخرون من الشلل وضمور العضلات والسكري والضغط وغيرها، وكان أخرهم الأسير الشهيد "ميسرة أبو حمدية" الذي عانى من مرض السرطان لسنوات دون أن يقدم له علاج مناسب.
يعاني الأسير إبراهيم خليل محمد البيطار (33 عاما) من مرض سرطان الدم، ولا يقدم له العلاج سوى دواء الكرتزون، وبدأ يعاني من فقر الدم وآلام شديدة في الأمعاء ونتيجة التهابات الأمعاء ظهر لديه ورم أسفل الظهر مؤخراً، كما تراجعت صحة الأسير المصاب بسرطان الغدد الدرقية "يسرى المصري" من غزة، وقد استفحل فيه المرض وانتشر في جسده نتيجة استمرار الإهمال الطبي، وقد قام الاحتلال باستئصال الغدة له في ديسمبر الماضي لكنه لا يزال يشتكى من آلام شديدة في كل أنحاء جسده، مثل ضيق التنفس والغثيان وفقدان البصر والهزال والإرهاق الشديد.
وكذلك الأسير "عامر محمد بحر" من أبو ديس بالقدس والمصاب بسرطان الأمعاء، حيث تراجعت صحته بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وهناك خشية من انتشار التهابات الأمعاء إلى مناطق أخرى في جسده، وتم نقله إلى المستشفى أكثر من مرة  للعلاج، حيث قرر له الطبيب في مستشفى سوروكا علاجا كيماويا عبر إبرة خاصة، كان من المفترض أن يتلقاها منذ 9 أشهر، لكن الاحتلال يرفض إعطاءها للأسير لأنها غالية الثمن، ولا يتلقى سوى المسكنات إضافة إلى الكرتوزون.

"مقبرة" بكل المقاييس
وقال الأسير المحرر عثمان الخليلي من مدينة نابلس والذي يعاني من شلل نصفي منذ عام 2007 وكذلك من مرض السكري: "إن الأوضاع الصحية للأسرى المرضى في سجون الاحتلال خطيرة وصعبة جدا، وسياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة السجون بحقهم أصبحت أداة لحصد المزيد من أرواحهم".
ورفض الخليلي تسميته بمشفى الرملة، ويقول: إنه "مقبرة" وسجن بكل المقاييس، وأداة لتصفية الأسرى طبيا بكل وسائل الانحطاط واللإنسانية ولا يصلح لعلاج البشر، إذ يحشر الأسرى المرضى فيه بالعشرات أحيانا داخل غرفة واحدة لا تزيد عن 15 مترا مربعا، للعلاج الكامل والتشخيص الطبي، ولا يوجد فيه سوى طبيب واحد، وهو عام وغير مختص، وتوصف "حبة الأكامول" علاجا وحيدا لكل الأمراض.
وبين الخليلي، أن الاحتلال يقوم كل يوم بتطوير سياسة استهداف الأسرى وإهمالهم  طبيا بإملاءات من أجهزة الشباك في محاولة للاستفراد بهم بشكل علني برفض إدخال الأطباء المتخصصين لتشخيص حالتهم المرضية، مؤكدا على أن إدارة السجون قامت  في الآونة الأخيرة بانتهاك كافة القوانين والاتفاقيات الدولية بإجبار الأسرى على تناول أدوية ممزوجة بمواد مخدرة الأمر الذي انعكس على الأسرى المرضى الذين نالت الأوجاع والآلام من أجسادهم.
وشدد الخليلي على ضرورة فضح هذه السياسات والانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى، ومحاولة كسب تأييد العالمين العربي والإسلامي من أجل الضغط على مؤسسات حقوق الإنسان بالتحرك لوقف هذه الجرائم التي ترتكب بحق الأسرى، مبيناً أنها تتنافي مع كافة المواثيق والاتفاقيات الإنسانية والحقوقية الدولية.

إعدام الأسرى
وفي ذات السياق، أكد الأسير المحرر محمد أبو جلالة المفرج عنه في صفقة تبادل "وفاء الأحرار" أن إدارة مصلحة السجون لا تقوم بتقديم العلاج للمرضي إلا عندما تصل حالة المريض إلى وضع متدهور يقدمون له العلاج لمنعه من الموت فقط، مشيراً إلى أن العلاج المقدم  للأسرى المرضى فيه تقصير كبير ولا يفيدهم في أغلب الأحيان.
وقال أبو جلالة: "كانوا يعطوننا الحد الأدنى من العلاج المسكنات لمنع موتنا وخاصة لأصحاب الأمراض المزمنة مثل فقر الدم والكلي وقرحة المعدة "مضيفا" في حال حاجة أحد الأسرى إلى أي عملية مثل البواسير والقرحة أو قطع المعدة أو الدوالي رغم أنها هامة وخطيرة إلا أنها تؤجل لعدة مرات وقد يستغرق ذلك سنوات".
وطالب الأسرى بأن يكون لديهم وعي ثقافي وصحي بالنسبة لتناول الأدوية من خلال معرفة الدواء ونوعيته وأثاره الايجابية والسلبية تفادياً لأي مخاطر قد تنجم جراء استعماله، متهما دارة مصلحة السجون الصهيونية بالعمل على إعدام الأسرى الفلسطينيين وتتصرف وفق أجندة صهيونية عنصرية تاريخية قائمة على أساس عنصري.

أدوية مخدرة
ومن جانبه بين ممثل الأسرى في مستشفي سجن الرملة سابقا الأسير المحرر الذي تم الإفراج عنه في صفقة "وفاء الأحرار" أكرم سلامة أن هناك قانونا في مصلحة السجون ينص على إجراء التجارب الطبية على الأسرى الفلسطينيين الأمنيين دون غيرهم، حيث يتم السماح لطلبة الطب بإجراء "تجارب طبية" على الأسرى من عمليات جراحية وتجربة بعض الأدوية على الأسرى في سلوك ينتهك كافة القوانين الإنسانية.
وأضاف سلامة، "متسائلا"هل من الممكن أن تقول لنا لمصلحة السجن ما هو الدواء الذي يأخذه معتصم رداد كل ثلاث شهور لمدة أربع ساعات ويؤدي إلى فقدان وعيه في أغلب الأحيان", مشيرا إلى أن هذا المحلول عبارة عن مادة غير إشعاعية وغير كيماوية اكتشفت في الهندسة الطبية لحالات مرضى السرطان.

قوانين مطاطة
وحول طبيعة الأدوية التي يتناولها الأسرى المرضى أشار سلامة إلى أن مصلحة السجون تقوم  Ø¨Ø¥Ø¹Ø·Ø§Ø¡ الأسرى بعض الأدوية الممنوع صرفها إلا في الضرورة القصوى وباستشارة طبيب متخصص وبكمية محدودة كونها تحتوي على مواد مخدرة مثل مادة الهيروين عالية الخطورة ومن هذه الأدوية  "لترامدكس" Ùˆ"اكساتونين" Ùˆ"نمبين Ùˆ"اكس برد" وغيرها من الأدوية.
وبين سلامة أن النواحي القانونية في مصلحة السجون مطاطة  تخدم الاحتلال فقط , حيث تماطل في تشخيص حالتهم الصحية والموافقة على إجراء عمليات جراحية لهم من سنة إلى سنتين مما يؤدي إلى تفاقم وضعهم الصحي وانتشار الأمراض في أجسادهم مما يشكل خطرا على حياتهم.
وطالب بضرورة قيام الإعلام الفلسطيني بواجبه تجاه الأسرى وخاصة المرضى منهم وفضح كافة الانتهاكات التي تمارس بحقهم والتي سيكون لها تابعات خطيرة على صحة الأسرى في الوقت الحاضر وفي المستقبل.
ستبقي أصوات ورسائل الأسرى الأحياء الأموات من خلف القضبان من مقبرة مستشفي سجن الرملة تدوي عالية أنقذونا من كل ما يمارس بحقنا فالأمراض تنهش أجسادنا وسط إهمال طبي متعمد فنحن نموت كل يوم وإلى متى سيستمر الصمت فصمتنا أفقدنا "205" شهيدا من بينهم 74 أسيرا نتيجة للقتل العمد 53 نتيجة للإهمال الطبي 71 أسيرا نتيجة التعذيب وسبعة شهداء نتيجة إطلاق النار عليهم مباشرة داخل السجون.

(المصدر: صحيفة الاستقلال، 20/2/2014)