الاستشهادي صلاح شاكر: صاحب الانفجار الثاني بعملية بيت ليد المزدوجة

الميلاد والنشأة
هناك في مدينة رفح وفي أحد مخيماتها التي كانت ساحة عنيفة من ساحات المواجهة في الانتفاضة وبالقرب من الحدود المصرية يقبع بيت شهيدنا البطل "صلاح عبد الحميد شاكر"، ذلك البيت الذي رأى فيه النور في 19/4/1969، بعيدا عن بلدته الأصلية "بشيت" التي هاجر منها والده مع أسرته سنة 1948 حيث النكبة الأولى.
نشأ شهيدنا البطل في أسرة متدينة زراعية في داخله حب الدين وهو لازال صغيراً وكانت أسرته تتكون من ثمانية من الذكور وسبعة من الإناث وقبل أن يكمل شهيدنا تعليمه الابتدائي تشاء إرادة الله سبحانه وتعالى أن ينتقل والده إلى الرفيق الأعلى، ثم يكمل شهيدنا دراسته الإعدادية ثم الثانوية التي أنهاها بتفوق حيث حصل على 88% ورفض شهيدنا البطل السفر إلى ليبيا لدراسته الهندسة لأنه لم يكن يرغب في أن يترك الانتفاضة التي تزامنت مع إنهائه الدراسة الثانوية، وكان يرغب في الالتحاق بجامعة النجاح في مدينة نابلس ولكن إغلاق القطاع المستمر حال بينه وبين ذلك وأخيراً درس العلاج الطبيعي في مستشفى الأهلي في مدينة غزة لمدة ثلاثة سنوات حصل من خلالها على الدبلوم، كما كان شهيدنا فناناً تشكيلياً له العديد من اللوحات الفنية ولوحات الخط الجميلة.

صفاته
منذ صغره كان الشهيد يتسم بالهدوء والصمت ودماثة الأخلاق... كان شديد الحب لمساعدة الآخرين… محباً لوالديه مطيعا لهما، محافظا على الصلاة في المسجد القريب من بيته - مسجد الهدى - وكان منضماً لفرقة النشيد التابعة للمسجد.
كان شهيدنا البطل مثالاً للشجاعة التي لا تهاب الموت... يشهد له من عرفه من أبناء المخيم... كان شهيدنا البطل في الانتفاضة شعلة لا تنطفئ فقد أصيب سبع مرات في الانتفاضة، كان لا يشفى من إصابة إلا بعزيمة أكبر من ذي قبل، يروى لنا أحد أصدقائه انه في إحدى المواجهات العنيفة التي كان يشهدها المخيم أصيب الشهيد، وكان ذلك في الصباح الباكر وبعد علاجه في المستشفى خرج، ولكن إلى الساحة المواجهة مرة أخرى ليصاب للمرة الثانية في نفس اليوم مما أثار ذهول من عرفوه.
كان شهيدنا نموذجاً للشاب المسلم الذي يعرف طريقه إلى قلوب الناس كان ذا علاقة طيبة مع كل أبناء الاتجاهات الوطنية منها والإسلامية، يحبه الجميع حيث كان على علاقة طيبة جداً مع إخوانه في حركة المقاومة الإسلامية حماس داعياً للوحدة معهم.
كان أيضاً ذو علاقة طيبة مع إخوانه من أبناء الاتجاه الوطني يشاركهم في نصب الكمائن للجيش في كل المواجهات العنيفة ورغم انشغال الشهيد البطل بالدراسة ورغم مشاركته الفعالة في الانتفاضة كان محباً لكل أنواع الرياضات يمارس كرة القدم والجري لمسافات طويلة حيث اشترك في أكثر من سباق للمارثون، وكان يمارس لعبة الكاراتيه والكنغ فو وكان آخر رياضة مارسها شهيدنا البطل هي رفع الأثقال.

انتماؤه
عرف شهيدنا البطل صلاح شاكر الإسلام منذ صغره، وعرف بحركته حركة الجهاد الإسلامي، وهو لا يزال شبلاً في المرحلة الابتدائية حيث كان دائم الاشتراك في المعسكرات الصيفية التي كان تعقدها الحركة كإحدى وسائلها لنشر فكرة الجهاد في قلوب الناس وذلك في بداية الثمانينات في مسجد الشهيد حسن البنا في منطقة عنان وذلك على شاطئ البحر... وكبرت في داخله بذرة الجهاد إلى أن جاءت الانتفاضة المباركة لينتمي صلاح إلى اللجان الشعبية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي حيث كان مشهوراً بخطه الجميل الذي كان يزين جدران المخيم ولوحات العزاء للشهداء وقد تم اعتقاله ضمن الضربة الشهيرة التي قامت بها المخابرات الصهيونية ضد حركة الجهاد الإسلامي وذلك في شهر 12/ 89 ليخرج شهيدنا البطل بعد 18 يوماً قاهراً جلاده رافضاً الاعتراف ليواصل طريقه مرة أخرى ولينضم أخيراً إلى الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين (القوى الإسلامية المجاهدة - قسم) مجدداً معها العهد على مواصلة طريقه حتى نيل الشهادة التي طالما كانت حلمه الكبير.

حلمه بالشهادة
كانت الشهادة حلمه الكبير الذي يكبر معه في كل يوم وهو يرى الحقد الصهيوني بنصب فوق رؤوس أبناء شعبه حيث لم يبق بيت واحد في مخيمه إلا وفيه شهيد أو جريح أو معتقل، وقد نال بيته نصيب من ذلك فقد شاهد الجيش الصهيوني؛ وهو يعتقل أخيه المهندس أحمد ليمضى في السجن ثلاث سنوات وشاهد الجيش مرة أخرى وهو قادم لاعتقال أخيه الدكتور محمود لمدة عام ونصف، وحتى هو نفسه لم يسلم من الاعتقال كما أسلفنا ولا من الإصابة وتشاء إرادة الله أن يكون شهيدنا يوم مجزرة الأقصى 8/10/1990 يقضى فترة تدريبه في أحد مستشفيات القدس ليشارك في إسعاف جرحى المجزرة وليرى بأم عينيه فظائع ومجازر جديدة في تاريخ شعبه… كانت تلك الأحداث تنمى في نفسه دافع الشهادة ليتأثر لكل المعذبين من أبناء شعبه ودينه وليرسم البسمة ولو للحظة قليلة على وجوه المجروحين والحيارى.
ورغم ذلك كانت شهادته بهذا الشكل مفاجأة للجميع - يقول أخوه المهندس أحمد: كنا نتوقع أن يستشهد صلاح لأنه كان دائم الحديث عن الشهادة وكان دوماً في مقدمة الصفوف في المواجهات ضد العدو في الانتفاضة ولكن طبيعته الهادئة والكتومة لم تجعلنا نتوقع أن يستشهد في عملية عسكرية نوعية كالتي حدثت.
أما والدة الشهيد أنور عزيز فكما تروى أنها بكت على صلاح كثيراً ربما أكثر من ابنها الشهيد أنور لأنها لم تتوقع أن يكون هذا الشاب الطيب الهادئ الذي يحرص على زيارتها دوماً هو الشهيد منفذ هذه العملية البطولية المباركة.

يوم استشهاده
في صباح يوم الأحد الموافق 22/1/95 ينطلق شهيدنا البطل هو ورفيق دربه الشهيد البطل أنور سكر نحو الحلم الذي طالما انتظرا تحقيقه، ويكون الهدف محطة لنقل الجنود الصهاينة الذين طالما أذاقوا أبناء شعبنا المرارة - ينطلق الفارسان وعلى أجسادها الطاهرة كمية كبيرة من المتفجرات حيث تقدم الفارس الأول الشهيد أنور سكر مفجراً نفسه ليسقط عدد من القتلى والجرحى، وشهيدنا البطل تتحرك عيناه في انتظار اللحظة الحاسمة دقيقة تمر ثم أخرى وأخرى ثالثة حتى تجمع عدد كبير من الجنود وفجأة وعلى غير توقع ينطلق الانفجار الثاني لتصعد روح الشهيد البطل إلى حيث أرادت وتخرج أرواح الجنود الصهاينة من أجسادهم القذرة إلى حيث يكرهون، وتبدأ أرقام القتلى في الارتفاع لتكون النتيجة اثنين وعشرين خنزيراً قتلى وإصابة أكثر من 60 آخرين في عملية اهتزت لها الدولة العبرية، وليخرج رابين بعد ساعات من وقوع العملية معلناً عجزه عن مواجهة الشهداء حيث قال "ماذا تريدون منى أن أفعل... هل أعاقبهم بالموت فهم يرغبون فيه" ولتخرج الصحف العبرية لتعلن أن دولة كاملة تبكى وليفرح أبناء شعبنا بعد أن شفا صدورهم بقتل اليهود.
يقول أخو الشهيد المهندس أحمد في معرض رده على سؤالنا عن كيفية تلقى خبر استشهاد شقيقه فيقول:
"خرج الشهيد في الساعة الحادية عشرة ليلاً دون أن يخبرنا أنه لن يعود في تلك الليلة على عكس عادته مما جعلنا في الصباح الباكر نشعر بالقلق عليه فذهبنا إلى أصدقائه الذين لم يكن عندهم أية أخبار عنه، وزاد قلقنا عندما سمعنا نبأ العملية حيث بدأ أقرباؤنا والجيران يأتون لسؤالنا عن صلاح وازداد قلقنا إلى أن سمعنا الخبر من إحدى وكالات الأنباء عن إعلان حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تبنى العملية باسم شهيدى القوى الإسلامية المجاهدة - قسم - صلاح شاكر وأنور سكر فحمدنا الله سبحانه وتعالى ورضينا بقضاء الله وقدره".
أما والدة الشهيد الحاجة أم علي فتقول: "أنها كانت تشعر أن صلاح يريد الشهادة لأنه كان دائم الحديث عنها وكان يرفض الزواج دون سبب واضح رغم توافر كل الظروف المناسبة لذلك" وتضيف أم علي قائلة: قبل العملية بيوم واحد كنت أنا وصلاح نتناول طعام الإفطار فقلت يا ولدي لقد رأيت حلماً أريد أن أقصه عليك، لقد رأيت يا ولدي والدك المرحوم الليلة يبنى بيتاً أبيض اللون، فسألته عن هذا البيت: لي أم لصلاح؟ فلم يجب. ثم استيقظت وأنا أعلم يا ولدي إن رؤية الميت وهو يبنى بيتاً أنه يريد أحداً إلى جواره فرد عليها الشهيد صلاح أنه رأى هو الآخر حلماً، حيث رأى أنه وفي طريقه إلى المسجد، شاهد جملاً أبيض جلس أمامه فركب الشهيد على ظهره وفجأة وإذ بجناحين يظهران للجمل ويطير إلى السماء، مما أثار الفرح في نفسه لأنه في شوق إلى الصعود إلى السماء.
وأضافت والدة الشهيد أنه في ليلة العملية شعرت بالقلق لأنه لم يخبرني أين سيبيت ليلته فطلبت من إخوته البحث عنه فلم يجدوه. وتضيف والدته أن الشهيد ترك لها وصية يطلب فيها منها أن تحج إلى بيت الله الحرام من نقوده التي إدخرتها له لزواجه، وقد نفذت الوصية وحجت ودعت له هناك، وهي فخورة بصلاح وصديقه أنور حيث تحدثت بأبيات خرجت من قلبها لتعبر عن فرحتها: "صلاح استشهد الله يرحمه وسلامة أخوته .. وشباب فلسطين مطرحه.. يا صلاح شاكر يا أسمر يا حبيبي .. فجرت القنابل في بيت ليد .. يا أنور سكر يا أنور سكر .. فجرت القنابل بين العسكر.. ولا تحسبونا من حمل القنابل كلينا.. حملنا القنابل وفجرنا القنابل .. ونطقنا الله أكبر .. وعلى النبي صلينا .. وعوض الله علينا".
ولقد وجهت والدة الشهيد صلاح شاكر في نهاية حديثها لنا نداء حار إلى الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي وإلى جمعيات حقوق الإنسان وكل أصحاب الضمائر الحية أن يحاولوا إعادة جثمان ابنها ليدفن قريباً منها فهي كما تقول ليس حزينة لاستشهاده ولكن الحزن لأنها في شوق لزيارته ولا تقدر لأنه بين أيدي أعداء الله.

(المصدر: سرايا القدس، 22/1/2013)