كيف نصنع رأيًا عامًّا يخدم القضية الفلسطينية؟

✍بقلم الأسير المجاهد/ أنور عليان

🔗 سجن النقب الصحراوي 🔗

يلعب الرأي العام دورًا بارزًا ومهمًا في كسب ثقة الشعوب وتغيير المزاج العام للأفراد والأمم وتبديل قناعات بعضهم ورفع مستوى الوعي لديهم؛ وصحوة ضمائر المترددين أو الصامتين أو الغافلين أو المغرَّر بهم، فيدفعهم لحسم أمرهم، وأحيانًا يشكل ضغطًا على الحكومات فيضطرها لاتخاذ قرارات ومواقف سياسية تنسجم مع مستوى الرأي العام.

وقد ينقلب سلبًا إن تفّرد طرف دون آخر بصناعة رأي عام يخدم أهدافه التي يسعى لتحقيقها إذا لم يُواجه بالرواية الحقيقية من الطرف المقابل وقوة صحته.

فنتيجة تأثير الرأي العام انكسرت أنظمة وتهاوت إمبراطوريات وهُزمت جيوش وانتصرت أخرى، وتبدّلت مواقف وأُرجأت قرارات وحوصرت دول اقتصاديًا وسياسيًا كما حصل لنظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا وللاحتلال الفرنسي للجزائر وتحررت تلك البلدان من نير الاستعمار.

من هنا أدركت الحركة الصهيونية مبكرًا أهمية الرأي العام فسعت منذ ولادتها القيصرية للتأثير على الشعوب العربية خاصة والشعوب الغربية عامة عبر التغلغل في الصحافة العربية والأجنبية، فأقاموا شبكة علاقات واسعة مع العديد من الإعلاميين ومُلاك الصحف ووسائل الإعلام بمختلف جوانبها وأسسوا القسم العربي في التلفزيون الصهيوني ومثله عبر الراديو صوت إسرائيل باللغة العربية بتوجيه من أجهزة الاستخبارات الصهيونية، وتمكنوا من شراء صحف ونشر مقالات وأخبار كاذبة ومضللة ومشبوّهة بأقلام غير يهودية مستأجرة أو بأسماء عربية مُستعارة كما كان يفعل الكاتب الصهيوني الشهير إلياهو ساسون، وجندّوا باحثين وكُتّاب أعمدة ومراكز دراسات ومنظمات حكومية وأخرى مجتمعية وشخصيات سياسية مرموقة من أجل الترويج لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين بناءً على حقهم الديني والتاريخي حسب زعمهم والذي لا يوجد له أساس بين الأُمم وفي العلاقات السياسية الحديثة ،ولم يكن له شأن في نشأة الدول، عدا عن استحالة تقسيم العالم بناءً على العصور القديمة.

كما وضعوا مشروعًا ثقافيًا إلى جانب احتلال الأرض كي يخدم أهدافهم السياسية ويبّرر جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، وكان هذا مصدر قوتهم وتأثيرهم على الرأي العام وتركز نشاطهم الثقافي الأدب والمسرح والسينما وكلُّ ما له علاقة بنشر الفكر الصهيوني، وأقاموا معهد دراسات شبه حكومي في رمات غان لترجمة الأدب العبري والكتب والدراسات إلى 40 لغة عالمية، ونجحوا في غسل كثير من الأدمغة التي انساقت وراء روايتهم الزائفة، وفي وقتنا الحاضر طوّروا من أدواتهم الإعلامية الموجّهة تماشيًا مع الحداثة والظروف للتأثير على الرأي العام العربي لقبول الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من المنطقة ومبالغتهم في الحديث عن معاداة السامية لكل من يعارض الاحتلال أو ينتقد ممارساته، علمًا أن هذا المصطلح يحمل في طياته عدوانًا من العدو الصهيوني على جميع الشعوب السامية التي سكنت المنطقة العربية، فتجاهل الأقوام العربية وعدم الاعتراف بوجودهم وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني هو معاداة السامية بحّد ذاته، ولم ييأسوا في العمل على تبييض أخلاقهم أمام العالمين العربي والإسلامي من خلال مزج الأغاني العبرية بالعربية وممارسة التقاليد العربية ومخاطبة بعض قادتهم شعوب منطقتنا باللغة العربية، وتسخير بعض الآيات القرآنية والدين الإسلامي للتأثير على عقول ونفوس ومشاعر الضعفاء من الناس لجذبهم إلى المربع الصهيوني.

كما جندوا بعض المأجورين لاعتلاء المنابر الإعلامية الصهيونية للترويج للتطبيع والرواية الصهيونية والهجوم اللفظي على الشعب الفلسطيني مثل الصحافية المغربية سميرة بر وهي كاتبة لوسائل إعلام أمريكية زارت الكيان والكنيست الصهيوني مع تسعة صحافيين من جنسيات عربية مختلفة بالتنسيق مع وزارة الخارجية الصهيونية قبل بضع سنوات.

وكذلك إجراء لقاء مع معلم يزعم أنه بحريني يدُعى لؤي شريف على القناة العبرية (13) في برنامج عالم الصباح في تاريخ 05/02/2020م وكان يتكلمّ اللغة العبرية بطلاقة ويدعو لتقبل الاحتلال، وأمثالهم كُثر لكنهم لا يمثلون شعوبنا العربية الكارهة للاحتلال وداعميه.

وفي السنوات الأخيرة شهدت الساحة الفلسطينية تطورًا ملحوظًا وارتفاع في مستوى الوعي العام بأهمية الرأي العام وضرورة حشد الطاقات والدعم والمساندة للقضية الفلسطينية، فنجحوا في استقطاب شرائح واسعة من المجتمعات الغربية الذين يجهلون ما يحدث في فلسطين من جرائم إرهابية منظمة على يد العصابات الصهيونية أو غُسلت أدمغتهم بالرواية الصهيونية الكاذبة أو كانوا لا يرون الحقيقة بكل صورها وأشكالها.

وكان لمعركة الصورة بالغ الأثر في نسف المزاعم الصهيونية لشيطنة الفلسطينيين وتجلّي ذلك في إبراز عدد من الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني كاستشهاد عائلة دوابشة التي قضت حرقًا على يد المستوطنين، أو استشهاد الطفل محمد أبو خضير الذي سكبوا البنزين في فمه عنُوهً وأحرقوه وهو حيًا في مشهد مروّع يندي له جبين الإنسانية، أو استشهاد إبراهيم أبو ثريا من قطاع غزة عام 2017م وكان مقعدًا ومبتور القدمين فقاموا باغتياله من مسافة أمتار معدودة دون اكتراث لإعاقته، أو عرض مشاهد إطلاق الكلاب البوليسية لتنهش أجساد المواطنين الفلسطينيين كما حدث مع امرأتين كفيفتين في طوباس ليلة الخميس 24/02/2022م، أو إطلاق صليات من الرصاص على الشهيد إياد الحلاّق من القدس وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الاعتداء الوحشي على الفتي محمد العجلوني الذي يعاني من متلازمة داون في حي الشيخ جراح يوم الاثنين الموافق 21/02/2022م، وكذلك إطلاق وابل من الرصاص على الطفل محمد علامة من بلدة بيت أمَّر بمحافظة الخليل وهو بين أحضان والده مما أدى إلى استشهاده، والاعتداء بوحشية على الشهيد المسن عمر أسعد من جلجليا قضاء رام الله (80 عامًا) والتنكَيل به وهو مقيد اليدين ومعصوب العينين وهو يحمل الجنسية الأمريكية، وتمزيق جسد المواطنة الأمريكية المتُضامنة مع الشعب الفلسطيني راشيل كوري بأسنان البلدوزر الحديدي على حدود قطاع غزة، هذا عدا عن سلسلة اقتحام البيوت وترويع الأطفال والنساء وقائمة الجرائم الصهيونية تطول ولا حصر لها.

فهم يرون أن ألم العربي ليس كألمهم منطلقين في ممارساتهم الهمجية من عقليتهم الأيديولوجية الكولونيالية المشبعة بالحقد والكراهية للعربي والمتعطشة للدماء والدمار، وقد عَلَّق الكاتَب اليهودي المناهض للصهيونية جدعون ليفي في مقال بصحيفة هآرتس في نيسان عام 2018م عن قتل الأطفال والعجائز والمعاقين الفلسطينيين على يد الاحتلال الصهيوني بأن هؤلاء لا تراهم إسرائيل كبشر ولا ترى مرارة مصيرهم، وفي الكارثة الطبيعية القادمة سترسل إسرائيل بعثة مساعدات والجميع سيذوبون من رحمتها اليهودية والإنسانية لكن لا أَحد يستطيع أن ينكر الجلطة التي أغلقت شريان القلب، الجلطة التي تمنع تزويد الإنسانية والرحمة للقلب الذي أُغلق بشكل نهائي.

وقد بلعت ذروة التأثير في الرأي العام في معركة سيف القدس في عام 2021م، حيث أثبت الفلسطيني قدرتهم على مخاطبة العالم بالصورة وبجميع اللغات خاصة بعد أن ارتكب الاحتلال سلسلة أخطاء إستراتيجية التي تعبُر عن حجم الارتباك في سلوك قياداته ومنها تدمير برج الجلاء الذي يحوي عددًا من شبكات الإعلام الأجنبية فأثمر هذا الجهد الفلسطيني المتقن عن تحول جذري في الرأي العام في بلاد الغرب وخاصة بين يهود أمريكا واللاتينيين وذوي الأصول الأفريقية المضطهدين والأسيويين والأمريكيين الأصليين في الكونغرس الأمريكي وفي صفوف الحزب الديمقراطي هناك وخروج مئات الآلاف بمظاهرات صاحبة دعمًا لفلسطين يدل على وعي أعمق بالقضية الفلسطينية خاصة بين الأجيال الناشئة مما شكّل ضغطًا هائلًا على الرئيس الأمريكي بايدن والذي اضطرَّه إلى الاتصال بصغيره نتنياهو 6 مرات لإجباره على إيقاف عدوانه على غزة، وإن كان هذا التأثير ليس بالمستوى المطلوب لكنه في تزايد مستمر ويدعو للتفاؤل، ويصيب قادة الكيان بالخيبة والقلق إزاء هذا التحول الملحوظ في الرأي العام وصحوة ضمير بين الليبراليين التقدميين والإعلاميين في أمريكا وبلاد الغرب، وفي الآونة الأخيرة بدأنا نسمع أصوات مرتفعة مناصرة للقضية الفلسطينية ومنددة بسياسة الاحتلال الصهيوني والظلم التاريخي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وتسابق المنظمات الحقوقية والدولية لتصنيف إسرائيل كدولة فصل عنصري تنفذ جرائم ضد الإنسانية، وإعلان كنائس في أمريكا عن هذا الوصف وتفاعل طلاب الجامعات الأمريكية مع نصرة القضية الفلسطينية، فخلال الشهر الجاري سينظم طلاب من أجل العدالة لفلسطين مظاهرات حاشدة دعمًا لفلسطين ورفضًا للاحتلال.

وفي عام 2018م لمسنا بعض الآثار الإيجابية لهذا التحول في الرأي العام الأمريكي حيث طرأ انخفاض بحجم التبرعات المقدّمة للجيش الصهيوني وخاصة بين اليهود الأمريكان تحت سن الخمسين، حيث لا يشعرون بمشاعر إيجابية تجاه إسرائيل وجيشها.

فيجب عدم الاستخفاف أو اللامبالاة بالرأي العام فهو سلاح معنوي قاتل لبعض الأنظمة الطاغية في عدوانها، وحين تكون جذوة الصراع مشتعلة وتوثق جرائم الاحتلال بموضوعية تصل الحقيقة الغائبة لكل عقل رشيد في الكرة الأرضية فيصطف إلى جانب الحق والعدالة، ويتضاعف الزخم الشعبي المناهض للاحتلال مما يشكل عامل ضغط قوي على الحكومات لتتحرّك من أجل لجم عدوان الاحتلال أو على الأقل وضع حدّ للتمادي في طغيانه، وهنا تقع مسؤولية كبرى ليس فقط على الشعب الفلسطيني بل أيضًا على عاتق الجاليات العربية في بلاد الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ببث روح الوعي في القضية الفلسطينية من خلال وسائل الإعلام المختلفة وتنظيم الندوات والمحاضرات والمهرجانات في الجامعات والتجمعات السكانية الهامة.

فهل سيأخذ كلًا منا دوره في خدمة القضية الفلسطينية العادلة؛ ليكون شريكًا في النصر القادم بإذن الله ورفع الظلم عن المظلومين؟؟

03/04/2022Ù…