مؤسسة مهجة القدس ©
جنين غراد... ذكرى البطولة والصمود الأسطوري.. والمجازر
تقرير أعدّه Ù…Øمد الرنتيسي لصØÙŠÙØ© الدستور" الأردنية لمناسبة ذكرى مجازر "السور الواقي" ÙÙŠ جنين ÙÙŠ الذكرى السابعة للمجزرة.
مثلت مجزرة مخيم جنين التي ارتكبتها قوات الاØتلال الإسرائيلي ÙÙŠ نيسان عام 2002ØŒ جريمة نكراء قلّ نظيرها ÙÙŠ التاريخ المعاصر، Øيث أقدمت على قتل الأبرياء وتدمير المنازل والمنشآت والمراÙÙ‚ وتسويتها بالأرض، واستهدÙت طواقم الإسعا٠ومندوبي المنظمات الدولية، متØدية بذلك المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، والضمير الإنساني ومشاعر كل Ù…Øبي السلام ÙÙŠ العالم.
وسيظل شهر نيسان شاهدًا على Øجم المأساة التي عاشها أبناء Ùلسطين ÙÙŠ مخيم جنين، كما سيظل شاهدًا على مدى إرهاب وعن٠العصابات الصهيونية التي لم تتورع عن هدم البيوت على رؤوس ساكنيها، بعد أن عجزت عن المواجهة ÙÙŠ ساØات القتال، Ùتكبدت عشرات القتلى والجرØÙ‰ بالرغم من قلة عدد المقاومين وعتادهم مقارنة بما تمتلكه هذه العصابات المهاجمة من طائرات ودبابات وصواريخ وغيرها.
عش الدبابير
أمر ارئيل شارون بالبدء ÙÙŠ عملية "السور الواقي" للرد على العمليات الاستشهادية، وكانت البداية ÙÙŠ رام الله، وسرعان ما امتدت إلى كاÙØ© مدن الضÙØ©ØŒ ليستقر Ù…Ø³Ø±Ø Ø§Ù„Ø¹Ù…Ù„ÙŠØ§Øª أخيراً ÙÙŠ جنين "معقل الاستشهاديين"ØŒ ÙاجتاØت قوات كبيرة من جيش الاØتلال معززة بالدبابات وناقلات الجنود ومدعومة بالطائرات مدينة ومخيم جنين، ظانين أن الأمر سيØسم خلال ساعات، لكنهم Ùوجئوا بمقاومة شرسة كبدتهم العشرات من القتلى والجرØى، وطال الوقت ÙÙŠ هذه العملية على جيش الاØتلال، وما أن اشتد الكرب على هؤلاء المØتلين، Øتى صدرت الأوامر للطائرات بتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها من النساء والشيوخ والأطÙال، ÙدÙمرت وتضررت آلا٠المنازل، واستشهد Ù†ØÙˆ 70 مواطناً بØسب تقرير للأمم المتØدة، ÙˆØ¬Ø±Ø Ø§Ù„Ù…Ø¦Ø§ØªØŒ بينما شردت مئات الأسر وأصبØت دون مأوى.
كانت المأساة كبيرة، وتشهد بارتكاب جرائم إبادة وتطهير يعاقب عليها القانون الدولي، لكن الاØتلال لم ÙŠÙØ³Ø Ø§Ù„Ù…Ø¬Ø§Ù„ لوسائل الإعلام ولا للمنظمات الدولية والإنسانية بدخول مخيم جنين إلا بعد أيام من انتهاء المجزرة ليقوم بطمس معالم الجريمة وإخÙاء أدلة الإدانة.
اعتبرت قوات الاØتلال مخيم جنين هدÙا لعملياتها واصÙØ© إياه بـ"عش الدبابير" ÙˆØاولت اقتØامه أكثر من مرة، وعادةً ما كانت تواجه بمقاومة باسلة، إلى أن قررت Øكومة الاØتلال إعادة اØتلال الضÙØ© الغربية بالكامل، بما Ùيها المخيم، Øيث Øشدت المئات من دباباتها والياتها المدرعة ÙÙŠ أوسع عملية اØتلال أطلقت عليها اسم "السور الواقي"ØŒ وكان الهد٠واضØاً، القضاء على Ùصائل المقاومة الÙلسطينية.
ÙÙŠ الساعات الأولى من ليل الثالث من نيسان، تناقل المواطنون أنباء وصول تعزيزات مدرعة ضخمة وقوات كبيرة من المشاة الإسرائيلية من عدة اتجاهات صوب مدينة جنين ومخيمها، وكانت تلك الليلة ماطرة وعاصÙØ© غير أن أمر وصول هذه التعزيزات الضخمة لم يكن Ù…Ùاجأة لأØد، Øيث بدأ المقاتلون يجهزون دÙاعاتهم المتواضعة ويعدون العدة للمواجهة بما تيسر من إمكانيات، ÙÙŠ Øين تهيأ المواطنون بتأمين بعض المواد الغذائية، وبات الكل يدرك بأن الدور اليوم على جنين ومخيمها.
اقترب صوت هدير الطائرات ومØركات الدبابات وبدأ يطغى على الأصوات الأخرى، وما أن دخلت آليات الاØتلال إلى المدينة، Øتى صدØت مكبرات الصوت من مساجد جنين ومخيمها، تدعوا المقاتلين والأهالي للاستعداد لخوض معركة الشر٠والكرامة.
كانت Øرارة الإيمان والعزيمة لدى المقاتلين، تبدد برودة الطقس الماطر والعاصÙØŒ خاصة وأن أهالي جنين تمكنوا من صد Ù…Øاولة Ø§Ù„Ø§Ø¬ØªÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ø£ÙˆÙ„Ù‰ بكل بسالة، غير أن الكل كان يتساءل.. كم سيستمر صمود المقاومة هذه المرة، وهل Ø³ØªÙ†Ø¬Ø Ø¥Ø³Ø±Ø§Ø¦ÙŠÙ„ ÙÙŠ الانتقام من "عش الدبابير" كما توعدت قبيل Ø§Ù„Ø§Ø¬ØªÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ø¬Ø¯ÙŠØ¯..ØŸ.
جنين غراد..
لقد صنع المداÙعون عن مخيم جنين، الملØمة الوطنية التي اعتز بها العالم الØر بأسره، Ùصمدوا عشرة أيام بإمكانياتهم المتواضعة أمام أكثر من (300) دبابة اØتلالية ومئات الجنود المدججين Ø¨Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© إلى الإسناد الجوي، وهو ما مهّد لانتصار المقاومة مجدداً ÙÙŠ عملية "الرصاص المصبوب" ÙÙŠ غزة مؤخراً.
ووصÙت الصØاÙØ© المØلية والعربية مقاومة المداÙعين عن جنين ومخيمها ÙÙŠ تصديهم للاجتياØØŒ بمقاومة المداÙعين عن "ستالين غراد"ØŒ (المدينة السوÙييتية التي قاومت ببسالة الغزاة النازيين خلال الØرب العالمية الثانية)ØŒ Øتى أن الرئيس الراØÙ„ "أبو عمار" أطلقها مدوّية Øينذاك، من قلب الØصار ÙÙŠ مقر المقاطعة برام الله: "هذا شعب الجبارين، وهذه جنين جراد".
وبعد أن عجزت قوات الاØتلال عن اقتØام مخيم جنين، واستبدلت ÙˆØدات جيشها أكثر من مرة، تضاع٠العدوان الاØتلالي على المخيم، إذ بدأت الجراÙات العسكرية الضخمة بهدم المنازل على من Ùيها وتسويتها بالأرض، دون أي اعتبارات إنسانية، Ùهدمت "445" منزلا، ما أدى إلى تشريد أكثر من خمسة آلا٠مواطن ÙÙŠ رØلة لجوء وتشريد جديدة، وهذه المرة من المخيم إلى القرى المØيطة.
شهداء يمضون.. وناجون يتذكرون
ومع إطلالة نيسان من كل عام، يستذكر أهالي جنين هذه المجزرة الرهيبة، ويستقبلونها بمشاعر ممزوجة من الÙخر والألم، Ùإلى جانب التغني بأسطورة الصمود التي Øطمها أبطال المخيم وقادة الخلايا العسكرية لمختل٠الÙصائل الÙلسطينية التي لبت النداء على قلب رجل واØد، Ùإن هذه الØادثة الأليمة قد تركت ÙÙŠ قلوبهم وذاكرتهم جرØاً لا يندمل.
الشاب Ø£Øمد طوالبة، شقيق الشهيد Ù…Øمود طوالبة، Ø£Øد قادة معركة الدÙاع عن المخيم، قال لـ"الدستور": "كنت ÙÙŠ الخامسة عشرة من عمري وقت المجزرة، لكني لا زلت أتذكر Ù„Øظة سقوط Ø£Øد الصواريخ على بيت جارنا عبد الله أبو سرية، وكي٠تطايرت نواÙØ° بيتنا، نزلنا لنتÙقد Ø£Øوال الجيران، Ùوجدنا Ø£Ùراد العائلة مدÙونين تØت الردم، Ùأخذنا Ù†ØÙر بأصابعنا، ووجدنا ابنهم "مصطÙÙ‰" Øياً، لكن بسبب عدم قدرة طواقم الإسعا٠الوصول إلى المكان استشهد بين أيدينا".
أما عن شهادة شقيقه Ù…Øمود، Ùقال: "نتذكر Ù…Øمود كل يوم، أما ÙÙŠ ذكرى المجزرة Ùنتذكر بطولاته ورÙاقه يوم أن Øطموا أسطورة جيش الاØتلال، ويكÙينا Ùخراً أن Ù…Øمود استشهد واقÙاً برصاصة قناص غادر، بعد أن Øاصرهم داخل دباباتهم، وهو لا يملك غير بندقية "إم 16" والإيمان ÙÙŠ قلبه".
ويروي عماد أبو بكر، وهو ضابط إسعا٠ÙÙŠ جمعية الهلال الأØمر الÙلسطيني، Ù„Øظات قيامه بواجبه الإنساني منذ اليوم الأول للاجتياØØŒ Ùيقول: "مع بدء Ø§Ù„Ø§Ø¬ØªÙŠØ§Ø ØªØركنا بسيارة إسعا٠وقد أخرجنا 25 جريØا من بين أزقة وبيوت المخيم، إضاÙØ© إلى 13 شهيدا، بينما لم نتمكن من جمع جثامين أخرى بسبب إطلاق النار تجاهنا بكثاÙØ©".
ويضيÙ: "ÙÙŠ Ø£Øد الأيام، Øاولنا إسعا٠جريØØŒ لكنه استشهد بين أيدينا، وبعد دقائق ابلغنا عن جرØÙ‰ بØالة خطرة، Ùتوجهنا إليهم، وما كدنا نبلغ المكان المطلوب بجانب مدرسة الزهراء Øتى قامت دبابة بإطلاق النار على سيارة الإسعا٠وأÙشلت مهمتنا Øيث اضطررنا للعودة إلى المستشÙى، وهناك أطلق الجنود النيران علينا Ùتركنا سيارة الإسعا٠هاربين إلى داخل غرÙØ© الطوارئ واØتجزنا داخل المستشÙÙ‰ لمدة يومين".
أما زميله أشر٠أبو قنديل Ùيقول: "بعد اتصالات ومداولات مضنية، سمØوا بدخول طاقم إسعا٠إلى المخيم ÙˆÙور وصولنا ØÙŠ الزهراء أخذت دبابة تطلق النار Ù†Øونا ولما أنزلونا من السيارة أمرونا بخلع ملابسنا والانضمام إلى مئات الرجال الذين اجبروا على Ø§Ù„Ø§Ù†Ø¨Ø·Ø§Ø Ø£Ø±Ø¶Ø§ وهم شبه عراة ومØاطون بالنساء والأطÙال ÙÙŠ Øالة يرثى لها، وهناك ابلغنا الأهالي عن وجود ثلاثة جرØÙ‰ بØالة خطيرة اØدهم قطعت ساقه والثاني يده Ùيما أصيب الثالث بشظايا ÙÙŠ وجهه، وبعد ساعة من المداولات سمØوا لنا بارتداء ملابسنا وتقديم المساعدة للجرØى، لكنهم الزمونا بالبقاء تØت الشمس ÙوقÙنا Ùوق الجرØÙ‰ لتظليلهم مدة ساعة ونص٠وهم ينزÙون وقد نقلنا Ø§Ù„Ø¬Ø±ÙŠØ Ø§Ù„Ø£ÙˆÙ„ Ùقط، أما الآخران Ùقد استشهدا جراء المماطلة ÙÙŠ Ø§Ù„Ø³Ù…Ø§Ø Ù„Ù†Ø§ بنقلهما.
سبع سنوات يبØØ« عن العائلة !!
بعد مرور سبع سنوات على المجزرة، لا زال المواطن Ø£Øمد Øسين Ùراج، ÙÙŠ السبعين من العمر، يجهل أين أصبØت زوجته، كما لا يجد أثراً لجثة ابنه الذي قال له الجيران انه استشهد، ومن شدة Øزنه ومصابه يعجز عن تØديد مكان المنزل الذي كان Ùيه، والذي تØول إلى كومه من الØجارة، ÙÙŠ مخيم جنين المستباØ.
لقد Ùقد الرجل السبعيني صلته بالØياة بÙقدان أغلى ما يربطه بها، وبات يشعر بأنه كالميت، ويروي الرجل المسن وهو ينØني Ùوق عصاته "ØاÙÙŠ القدمين"ØŒ ما Øدث له بعد أن قصÙت طائرات الاØتلال المنطقة التي كان يسكنها ÙÙŠ مخيم جنين، Ùيقول: "اختبأت ÙÙŠ بداية الهجوم مع زوجتي وبناتي الثلاث وأبنائي الأربعة ÙÙŠ غرÙØ© النوم لاعتقادنا بأنها Ù…Øمية أكثر من غيرها من قص٠الطائرات وقذائ٠الدبابات، وبعد ثلاثة أيام أشرت على العائلة بالمغادرة، كان كل همي إنقاذهم، وأنا بقيت لأرى ما يستجد".
ويضي٠وهو يجهش بالبكاء: "ذهبت البنات إلى أقرباء لهن، ورØلت زوجتي وولديّ الصغيرين اللذين لم يتجاوزا الثالثة عشرة من العمر، دون إن يأخذوا معهم شيئا، ومنذ ذلك الØين لم أسمع عنهم شيئا".
ويستذكر Ù„Øظة خروجه من منزله Ùيقول: "رأيت الجراÙات تقترب من بيتي Ùخرجت مسرعا، Ùجنود الاØتلال لم يكلÙوا أنÙسهم عناء تÙقد ما إذا كان هناك Ø£Øد ÙÙŠ المنزل أم لا، ولو لم أنتبه لقتلوني".
كانت أعن٠المعارك تدور بين المقاومين وجيش الاØتلال ÙÙŠ منطقة "الØواشين" وسط المخيم، Ùقامت قوات الاØتلال بتجري٠المنطقة، ومعها جرÙت منزل Ø£Øمد Ùراج، ومنذ ذلك الØين وهو يسكن عند معارÙه، وقد أخبره الجيران أن ابنه عبد الرØمن استشهد، Øيث رأى Ø£Øدهم جثته، ومنذ سبع سنوات لا يعر٠شيئا غير هذا، ويقول: "ابني الأكبر ذهب مع المجاهدين ولم يعد، وابني "ÙŠØيى" خرج من بين الأنقاض Øيا، هذا ما قاله الناس".
"آس٠لأني لم أدمر كل شيء"
منذ عشرات السنين، لم يعر٠تاريخ النضال الوطني الÙلسطيني معارك بطولية كتلك التي خاضها المقاتلون ÙÙŠ مخيم جنين، ومن قبله ÙÙŠ البلدة القديمة بنابلس، ومن بعده ÙÙŠ معركة "الÙرقان" الأخيرة ÙÙŠ غزة، Ùقد أعادت هذه المعارك الأسطورة، الشعور بالثقة والعزة والكرامة، إلى أبناء الشعب الÙلسطيني والأمة العربية والإسلامية، وكان لها ما لها من التأثيرات المعنوية والسياسية على واقع هذا النضال.
ÙˆÙÙŠ المقابل، لم يشهد التاريخ أيضاً، عدواناً بهمجية ووØشية ووقاØØ© العدوان الإسرائيلي على الÙلسطينيين، ÙÙÙŠ مجزرة مخيم جنين – على سبيل المثال لا الØصر - لم تقبل إسرائيل بدخول لجنة تقصي الØقائق إلى المخيم، إلا بعد مواÙقة اللجنة على الشروط الإسرائيلية، والتي كان أهمها أن لا تنشر شيئًا عما Øدث، إلا بعد اطّلاع الاØتلال عليه ومواÙقته على النشر.
وهذا الجندي الإسرائيلي، "موشي نيسيم" Ø£Øد قتلة الأبرياء ÙÙŠ جنين، يقول ÙÙŠ ØªØµØ±ÙŠØ Ù„Ù‡ Øول المجزرة: "أردت تØويل المخيم إلى ملعب كرة قدم"ØŒ ويشير بÙخر إلى أنه عمل مدة 72 ساعة دون توق٠على تدمير المنازل وزجاجة "الويسكي" ÙÙŠ يده، ويضيÙ: "لم يكن ير٠لي جÙÙ† وأنا أدمر منازلهم، لأن ذلك سيØمي Øياة جنودنا، وقد توسلت إلى الضباط كي يسمØوا لي بتدمير كل شيء، ÙØين تتلقى أمراً بتدمير منزل، هناك دائما بضعة منازل أخرى مجاورة تزعجك.. أنا آس٠لأني لم أدمر كل شيء".