الإثنين 06 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    رحلة اعتقال الباز هوّنَ مرارتها حريةٌ صنعها في داخله!

    آخر تحديث: الإثنين، 11 يونيه 2012 ، 00:00 ص

    وتستمر رحلتنا مع حكايا الأبطال الذين يؤكدون أن حياة الاعتقال في غايةِ الصعوبة، لكن المعنويات العالية النابعة من الإيمان بالله زودتهم بالصبر، وجعلت الاعتقال فرصةً لتعلم خبراتٍ جديدة ولتخريج القيادات.
    الأسير المحرر جميل الباز يؤكد من جديد أن الاعتقال معاناةٌ لا تنتهي في ظل جيشٍ من الموظفين في مصلحة السجون الصهيونية، حيث لا عملَ لهم سوى جعل حياة المعتقل الفلسطيني جحيماً لا يُطاق، إذ يتفنّنون في اختيار الوسائل التي تجعل حياتهم أكثر صعوبة.
    لكن ما يخفف الألم الكبير - وفق قول الباز - هو التكافل الاجتماعي، حين يحاول الأسرى صناعة الفرحة من بين مرارة الاعتقال، ليخلقوا معاً أجواء احتفالية تهوّن مرارة المعتقل..تعالوا معاً نعرف حكاية معتقل قضى في السجون الصهيونية ما يزيد على عشرين عاماً.

    مدرسة ذات طابع مختلف 
    يستهل الأسير المحرر جميل الباز حديثه بوصف المعتقل أنه مدرسة كبرى، تلقي العلم في داخلها ذو طابعٍ آخر مختلف، موضحاً مقصده: "المعتقل - بلا شك - مقبرة للأحياء، والمفارقة أننا نحن نحاول التغلب عليه بخلق حرية في داخلنا، وذلك بمعنوياتنا الإيمانية والاستعلاء على آلامنا، وفي الوقت ذاته كنا لا نتوانى عن تحدي السجان، فلا نشعره للحظة بأننا ضعاف بل أننا أقوى منه، ونتحداه بكل الوسائل الممكنة وعلى رأسها الإضرابات".
    وتجدر الإشارة إلى أن المحرر الباز اعتقل في 19/7/1991م على إثر قيامه بعملية دهس جنود ، أسفرت عن مقتل جنديٍ وإصابة آخر، فقد أراد أن ينتقم للعذابات التي ذاقها الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى على يد قوات الاحتلال، فخطط للعملية وقام بها دون أن يخبر أي شخص عن نيته، أو يشرك أحداً في ذلك، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً وهو أن يقوم بعمل يؤلم الاحتلال .
    بعد تنفيذه للعملية هرب حتى وصل إلى حدود الأردن، حيث تم اعتقاله بعد يومين من تنفيذ العملية، فخضع لتحقيق صعب ومكثف في سجن عسقلان لمدة 40 يوماً حاولوا فيه الحصول على أكبر قدرٍ من المعلومات، إلا أنه صمم على الإنكار.
    ويضيف: "التعذيب يكون نفسياً أكثر من كونه جسدياً، إذ تعرضت لصنوفٍ عدة من التعذيب الجسدي، كالضرب على الرأس، والصدم بجدران الزنزانة أو وضع كيس مقرف على الرأس، أو إدخالي إلى زنزانة على حوائطها دم؛ كي أشعر بالخوف".
    ومن أساليب التعذيب وضعي على كرسيٍ ارتفاعه 30 سم مقيد الأيدي والأرجل، إضافة إلى الشبح وعدد من أساليب الضغط والهز، أيضا تشغيل الموسيقى الصاخبة بجانبي، بحيث لا أتمكن من النوم طوال الليل.

    مصيدة العصافير 
    تحمل الباز عذاب التحقيق، ولم يتوقع قط أنه سيقضي في التحقيق أقل من ستة أشهر، لاسيما أنه كان مصمماً على عدم الاعتراف بشيء، وادعى أن الحادثة كانت قضاءً وقدراً ونتيجة شعوره بالنعاس في أثناء قيادة السيارة، ورغم حذره الشديد في أثناء التحقيق سقط في فخ العصافير الذي لم يكن على وعيٍ بأساليبه، فبعد خمسة وعشرين يوماً خُدع بمعتقل "عميل" عرضَ عليه المساعدة، فأفضى له بسره، وهكذا انقلبت الأمور رأساً على عقب، وحدث في القضية تحولات وأضيفت إليها اتهامات لم تكن في ملفه من قبل، فبعد أن كانت المحكمة قد اقتنعت بأقواله فإذا بها تتهمه بأنه قد نفذ الحادثة عمداً، ليُحكم عليه بالسجن المؤبد وخمسة عشر عاماً، الأمر الذي يرجعه الباز إلى ذلك الشخص الذي على الأرجح أبلغ الصهاينة ما فضفض به له.

    مقبرة الأحياء 
    ويرسم الباز صورةً لظروف المعتقل بشكلٍ عام، قائلاً: "يتعمّد الاحتلال أن يجعل من السجن مقبرةً للسجناء الفلسطينيين، فالقانون مغيب وهم يفعلون ما يشاءون، إذ إنهم يتلاعبون في أصناف الطعام، بل يقدمون لحوماً وأسماكاً فاسدة نشم رائحتها من قبل أن يدخلوها إلى الزنزانة".
    ويتابع: "التهوية سيئة جداً في الزنازين، حتى دهانها يكون باللون الأصفر، وهو لونٌ صعب لا ترتاح له العيون، حتى لباسنا يتحكمون فيه ويفرضون علينا لوناً معيناً، كما حاولوا فرض الزي البرتقالي علينا في عام 2011م" .
    ويتطرق لأسرى حماس الذين ينتمي إليهم، مشيراً إلى أنه كان هناك توزيعٌ للمهام بين المعتقلين، سواء كانت أمنية أو إدارية أو ثقافية، إضافة إلى خمس جلسات تربوية يومية.
    ويردف قائلاً: "كنا نشعر بالترابط بيننا، والتنظيم كان يدار بطريقة جيدة، بحيث إن أي مشكلة لأي معتقل يتم تسويتها في الحال، فقد عملت لفترات طويلة في قسم المالية، وفي الإدارة وكممثل لأقسام الأسرى، وكنت أقضي وقتي في قراءة الكتب و مشاهدة نشرات الأخبار، وحصلت على درجة "البكالوريوس" في تاريخ الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية، ودبلوم دعاة ومحفظين من الكلية الجامعية للعلوم المهنية والتطبيقية".
    ليس أمامي سوى الصبر 
    ما جعل الباز قادراً على الصبر في المعتقل هو أنه توصل لنتيجةٍ مفادها أنه لا سبيل أمامه سوى الصبر على محنة الاعتقال، لإدراكه أن مدة اعتقاله طويلة وما لديه حيلة سوى الصبر، وأنه ترك زوجته وأولاده يتولاهم الله.
    حول ذلك يقول: "تولدت لديَّ اقتناع بأن الاعتقال صار واقعاً لا محالة، وما من حلٍ سوى التأقلم، وأن عليَّ أن أتوقع من عدوي كل ما هو سيئ، فقد رسمت لنفسي حياة جديدة وكنت أقضي وقتي في ممارسة الرياضة وفي الطهي للمعتقلين".
    خرج الباز من التحقيق إلى العزل الانفرادي، إذ مكث مدة عامين في عزل الرملة، يقول عن هذه المرحلة: "كانت مرحلةً في غاية الصعوبة استعنتُ على قضائها بعبادة الله وقراءة وحفظ القرآن، وكتاب (إحياء علوم الدين للغزالي).
    ووصف زنزانة العزل بأنها كانت أسفل الأرض بـ190سم، ولها شباك صغير لا يتجاوز طوله الأربعين سنتيمتر ويتم إغلاقه في حال نشوب خلاف بين المعتقل والسجان، مضيفاً: "كنا نعاني من الرطوبة، وعدم التهوية، والزيارات تكون كل ثمانية أشهر تقريباً، ومن شدة سوء الوضع مر علي فترة لم أكن أميز بين أولادي في أثناء الزيارات".

    أنتم مفترض أن تموتوا 
    لم يكن الباز مهادناً لسجانيه خلال فترة اعتقاله، بل كان دائم الاعتراض على سياساتهم المجحفة بحق الأسرى، يستذكر في إحدى المرات عندما اعترضَ على رداءة الطعام المقدم لهم، فإذا بضابطٍ من مصلحة السجون يقول له: "أتريد أن تتناول طعاماً جيداً، ونحن من المفترض أن نفقأ عينيك ونثقب أذنيك، ونخلع أسنانك ونضعك في بئر ثم ننزل لك الطعام عن طريق حبل".
    فكان رد الباز عليه: "تأكد أنك يوماً ما ستفتح لي باب هذه الزنزانة، وتقول لي: "تفضل يا جميل الباز أنت مفرجٌ عنك"، فجن جنون الضابط إزاء هذه الإرادة العالية.
    ويذكر أن أعضاء "الكنيست" اليهود عندما كانوا يزورون المعتقل، ويشكو لهم الأسرى سوء الأوضاع التي يعيشونها، فإنهم كانوا يقولون: "أما زلتم على قيد الحياة؟ أنتم المفترض أن تموتوا".
    ورغم كل الظروف الصعبة التي كان يعيشها الباز كان الأمل في الإفراج يراوده دائماً، فكان يحضّر نفسه كل أسبوع بعد صلاة الجمعة للإفراج عنه ، طوال العشرين عاما الفائتة.
    ويستأنف حديثه: "قبل الإفراج عني شاهدتُ في منامي قبل صلاة الفجر اسمي مخطوطاً بخط اليد في قائمة المفرج عنهم ، يسبقني أسيران ويتلوني آخر وكلهم تبدأ أسماؤهم بحرف الجيم، وعندما أخبرتُ زملائي بذلك صاروا يضحكون، لكن عندما جاءت قائمة الأسماء كان اسمي مكتوباً بنفس الخط والترتيب الذي رأيته".

    محرومون أبسط حقوقنا 
    الحياة في المعتقل كانت بين شد وجذب بين المعتقل والسجانين ، يقول الباز: "كانوا يفتشوننا يومياً مرتين أو ثلاثة، ولم يكونوا يراعون حرمةً لأغراضنا الشخصية، حتى معلقة "البلاستيك" كنا نقوم بلحمها بولاعة مهربة؛ حتى يتسنى لنا استخدامها لأطول فترة ممكنة".
    ويتابع: "في إحدى المرات جاء الضابط ليسلّم إلي قطعة صابون جديدة، فعندما لمحَ معي قطعة قديمة قاربت على الانتهاء رفض أن يعطيني الجديدة، وفي مرةٍ أخرى ألححتُ على الضابط كثيراً كي يزيد لنا كمية الملح "كانت ملعقة أسبوعياً"، فصار ينصرف إلى بيته في نهاية الدوام من الباب الخلفي؛ كي لا يلبي لي طلبي".
    واستمر قائلاً: "كانوا يأتون لنا أحياناً بالحمص وقد وضعوا فيه أعقاب السجائر، فنضطر لأكله لأنه لا بديل أمامنا، أيضا كانوا يخلطون لنا الخبز القديم بالجديد".
    ويستذكر بمرارة ما حدث له في أول يومٍ من أول "رمضانٍ" قضاه في المعتقل، إذ أخرت إدارة المعتقل وجبة الإفطار إلى الساعة العاشرة ليلاً، وعندما اعترض أحد المعتقلين على أنهم وضعوا له ملعقة أرز بدلاً من ملعقتين، كما هو منصوص عليه في القانون، أداروا عربة الأكل وتركوهم جياعاً لليوم التالي، فصاموا يومين متتاليين دون أن يدخل جوفهم أي طعام،" وكانوا في بقية الأيام يؤخرون وجبة الإفطار إلى ما بعد صلاة العشاء"، كما يوضح الباز.
    ويردف: "حتى إعداد كوب الشاي كنا محرومين إياه، فقد مللنا من مطالبتهم بأن يوفروا لنا الإمكانيات لإعداد كوب شاي، فقمنا بتهريب كمية من الشاي، ثم قمت أنا بنزع أسلاك الكهرباء كي نتمكن من تسخين الشاي، فكنا نسخن الشاي داخل كوب بلاستيكي بوصله بالدائرة الكهربائية للضوء الكهربائي".

    رجالٌ أقوياء 
    ومما يرويه الباز أن الأسرى قرروا في أحد الأيام، بعد أن تعبوا من الممارسات الصهيونية ضدهم، أن يقوموا بكسر نافذة في الباب أبعادها " 15x30سم" بأيديهم، مضيفاً: "استنفرنا جميعاً وأخذنا نضربها حتى كسرت فعلاً وتهشم الحديد بين أيدينا، فما هي إلا لحظات حتى جاءت قوات كبيرة من ضباط وجنود مصلحة السجون، وجن جنونهم عندما رأوا النافذة قد كسرت".
    ويتابع الحكاية: "أخذوا يتفاوضون مع الأخ القائد يحيى السنوار لأخذ قطع الحديد، ليضمن لهم أن يأخذوها دون أن نؤذيهم، فطالبنا بأن يتم تحسين أوضاعنا فوعدونا بذلك، ثم أرسلوا لنا جندياً درزياً ليأخذ قطع الحديد، فكان يجمعها وهو في غاية الخوف منا".
    وعن قرار الإضرابات قال إنه خطوةٌ في منتهى الصعوبة، لكنها كانت شكلاً مهماً للتحدي، فكانت تسبقها تعبئة وشد لأزر المجموع، حتى لا يسقط أحدٌ في منتصف الطريق
    ومن أساليب السجان التي استخدمها لإنهاء الإضراب قال: "كانوا في أثناء الإضراب يأتوا لنا بمائدة مليئة بأنواع الفواكه المختلفة، أو يجعلوا الأسرى المدنيين يقومون بشواء لأجنحة الدجاج - مثلاً - في ردهات المعتقل، فكانوا يفعلون كل ما بوسعهم ليجبرونا على فك الإضراب، لكننا كنا نصمد برغم ذلك".

    ومن المواقف الأكثر صعوبة على نفس الباز زواج ابنته البكر "إيمان" وهو في المعتقل، حيث كان الموقف صعباً عليه بصفته أبا، تلاه زواج أبنائه وبناته جميعاً الأحد عشر وهو في غياهب السجون.

    (المصدر: صحيفة فلسطين، 9/6/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد بلال البنا وعبد الله أبو العطا بقصف طائرات الاحتلال شرق الشجاعية

05 مايو 2019

استشهاد المجاهد عبد الفتاح يوسف رداد من سرايا القدس بعد اصابته واعتقاله من قبل قوات الاحتلال

05 مايو 2005

اغتيال أحمد خليل أسعد من سرايا القدس عندما أطلقت النار عليه وحدة صهيونية خاصة في منطقة الجبل بمدينة بيت لحم

05 مايو 2001

اغتيال الأسير المحرر خليل عيسى إسماعيل من بيت لحم خلال اطلاق نار وبشكل متعمد ومن نقطة الصفر ومن الجديرذكره أن الشهيد أمضى أكثر من 10 سنوات في سجون الاحتلال

05 مايو 2001

استشهاد رسمي سالم ديب من الجهاد الإسلامي باشتباك مسلح مع القوات الصهيونية جنوب لبنان

05 مايو 1995

استشهاد الأسير أحمد إبراهيم بركات في معتقل النقب الصحراوي، والشهيد من سكان نابلس

05 مايو 1992

استشهاد الأسير المحرر محمد شاكر أبو هشيم من طولكرم خلال مواجهات مع قوات الاحتلال

05 مايو 1990

الأرشيف
القائمة البريدية