السبت 04 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    المحرر عقل: عشرون عاماً في السجن دون أن يدري

    آخر تحديث: الأحد، 24 يونيه 2012 ، 00:00 ص

    في المعتقل تكون الحياة محدودة ومحسوبة بالورقة والقلم، فالشعور بأن حياتك ليست بيدك أمر مؤلم، لكن ما كان يواسينا هو تسليم أمرنا لله واستغلالنا للوقت، حتى إن السنة كانت تمر دون أن نشعر بها، وإن سألنى أحدكم: "كيف مرت عليك العشرون عاما في المعتقل؟"، فسيكون جوابي "لا أعرف".
    وبالفعل جواب "لا أعرف" هو توصيف مختصر من الأسير المحرر خميس عقل 46 عاما لسنوات الاعتقال المريرة، فهو يؤكد أن ما مضى كان محنة ومعاناة يحاول تناسيها؛ ليبدأ حياة جديدة، دون أن ينسى الدعاء لزملائه الأسرى بأن يفرج الله كربهم، وأن يجعل لهم بعد الضيق مخرجا.. في ثنايا الحديث كان هناك الكثير من الألم الذي بثه عقل.

    ظروف الاعتقال
    خميس عقل هو أبٌ لثلاثة أبناء، حُكم عليه بالسجن(21)  مؤبدًا وعشرين عامًا بتهمة الانتماء لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وقتل عملاء ومستوطنين وزرع عبوات ناسفة.
    كان عقل عضوًا في أول مجموعة لكتائب القسام في المنطقة الوسطى، ما جعل قبل قوات الاحتلال تطارده، وقد اعتقل مصادفة، ففي أثناء وجوده في مدينة خان يونس برفقة مازن النحال، إذا قوة من جيش الاحتلال طلبت منهما أن يزيلا شعارات كتبها نشطاء الانتفاضة على الحائط، وكان معهما أسلحة في السيارة فخشيا أن تقوم قوات الاحتلال باعتقالهما إذا فتشت السيارة؛ فقررا الاشتباك مع القوة حتى نيل الشهادة.
    وكان الاشتباك من مسافة قريبة، على بعد مترين، فأصيب عقل بإصابةٍ خطيرة في فخذه، أما زميله مازن النحال فأُصيب بسبع عشرة رصاصة، ونقل المصابان بطائرة مروحية إلى مستشفى تل شومير في تل أبيب، وأجريت لهم العمليات الجراحية اللازمة، فقد كانت قوات الاحتلال معنية ببقائهما على قيد الحياة؛ للتعرف على هوية كلٍّ من هذين الشخصين، خاصةً أن عقل كان يحمل هوية مزورة، لكن بمجرد وصول أفراد جهاز المخابرات إلى المستشفى تعرفوا إلى هويته.

    لا حيلة سوى الصبر
    وبعد التعرف إلى لمحةٍ موجزة عن ظروف اعتقاله بدأ عقل حديثه بالقول: "كانت بداية الاعتقال صعبة، فأن تجد نفسك في لحظةٍ بين أربعة جدران صعبٌ جدًّا، عندئذٍ لا تدرك أفي حلمٍ أنت أم في حقيقة، فكنتُ كثيرًا ما أغمض عيني وأتخيل أنني في حلم، لكنني ما أن أفتحهما وأرى حولي الجنود الصهاينة حتى أدرك أن الأمر حقيقة".
    ويتابع: "لكن الإنسان الذي اختار هذا الطريق يجب أن يكون قد هيّأ نفسه لأي ظرف، فما كان أمامي من حيلة سوى الصبر، خاصةً في فترة التحقيق التي كانت غاية في الصعوبة؛ فكان المحققون يستغلون إصابتي، إذ كانوا يضربونني بشدة على رِجلي المصابة؛ رغبةً في إيلامي وتحطيم معنوياتي".
    ويشير إلى أن التحقيق بدأ بمجرد أن أفاق من التخدير في المستشفى، ولأنه كان مصابًا فكان التحقيق أشد وطأةً عليه، إذ وضعوه وزميله مازن في قسم بمفردهما وأخذوا يحققون معهما".
    ويلفت إلى أنه حُوّل إلى مستشفى سجن الرملة الذي مكث فيه سبعة أشهر، واصفًا إياه: "هو حقيقةً لم يكن مستشفى، بل سجنًا كغيره من السجون، لا يختلف عنها في شيء سوى وجود أطباء يقومون بالمرور على الحجرات في الصباح والمساء".

    كخزنةٍ مغلقة
    ويواصل عقل قائلًا: "ثم بعد أن شُفيت من إصابتي نقلت إلى عزل الرملة، وهذا القسم حدّث عنه ولا حرج فهو تحت الأرض، ولا تتوفر فيه أي ظروف للحياة ، وكان معروفًا لدى إدارة السجون بأنه "قسم حماس"، إذ أغلب الموجودين فيه ينتمون للحركة".
    وبمزيد من التفصيل يصف واقع السجن أكثر، قائلًا: "الرطوبة في هذا القسم عالية، ولا يوجد في الزنزانة إلا شباكٌ صغير يعلو الأرض بمتر، ولا تتسع الزنزانة لسوى سرير واحد، وحمام صغير، وقد مكثتُ في هذا القسم وحدي سنة وثلاثة أشهر، قضيتها في حفظ القرآن، فقد أنعم الله عليَّ بحفظ نصفه في العزل".
    واستدرك قائلًا: "العزل برغم صعوبته يبقى خلوة يمكن للإنسان الاستفادة منها، فكنا لا نخرج إلى "الفورة" سوى ساعة واحدة، ونكون مكبلي الأيدي والأرجل".
    "لكنك بالتأكيد كنت تشعر بالضجر الشديد في المعتقل؟"، قاطعته بسؤالي ليجيب: "لاشك أن الملل شيء مفروغ منه، لكن الإنسان يجب في النهاية أن يتأقلم، والله يمده من عنده بالصبر؛ لأن الإنسان إذا أطال التفكير في واقعه الإعتقالي فإنه سيصاب بالجنون".
    ويتابع :"كنت أتعامل مع عقلي كخزنة مغلقة، أقوم بفتحها وإغلاقها متى أريد، فلو أطلقت لنفسي عنان التفكير في واقعي وأهلي وأولادي لشعرتُ بالجنون، لكني وكلتُ أمري إلى الله، وكنت أقول: "تركت لك حالي ونفسي وأهلي وأولادي".
    وينبه إلى أن من ليس لديه وازع إيماني وعقدي يمكن أن يصاب بالجنون، لكن من يسلم أمره إلى الله لا يلبث أن يبث الطمأنينة في قلبه.

    علمٌ وثقافة
    وفي فترة الاعتقال الأولى يبين عقل أن بعض القادة البارزين كانوا معتقلين معه، ومنهم صلاح شحادة وإسماعيل أبو شنب، فكانت الحياة في المعتقل جميلة - حسب وصفه - عامرة بالتعليم والثقافة، إذ كانوا يحضرون في اليوم الواحد أربع جلسات، ويمارسون الرياضة، فكان وقتهم مشغولًا بالفعاليات.
    ويذكر مستأنفًا حديثه الشائق: "كان العدو يغتاظ من كثرة جلساتنا التثقيفية، وتفاعلنا الاجتماعي، كان يحسدنا على تنظيمنا والتزامنا وأدبنا، وتفاعلنا مع بعضنا بعضًا، حتى إن طبيبًا صهيونيا كان يقول: "إني أعرف لأي تنظيم ينتمي المعتقلون من أسنانهم، فشباب حماس أسنانهم نظيفة؛ لأنهم لا يدخنون، أما البقية فأسنانهم صفراء؛ بسبب كثرة التدخين".
    ويتابع: "كان لنا الكثير من مواقف العزة مع الاحتلال، ولتكاتفنا ووقوفنا يدًا واحدة أمام السجان؛ فرضنا هيبتنا وشروطنا على إدارة المعتقل، فأي شرطي لم يعجبنا كنا نهددهم فقط بأننا غير مسئولين عن حياته؛ فكان يغيرونه في اليوم التالي، إذ كان ممثلنا في السجون عندما يتكلم مع الإدارة يتكلم من موقف قوة، أما إدارتهم فكانت تقيم له ألف حساب، ما جعلهم يتوخون الحذر معنا".

    الطرافة تهِّون صعوبتها
    وبالرغم من كل الألم.. حياة المعتقل لم تكن تخلو من مواقف طريفة تهوّن صعوبة الأيام، في هذا الشأن يضيف عقل: "ذات مرة عُينّت أميرًا لأحد الغرف، وهناك اقترح عليَّ أحد زملائي أن نقوم بملء الغرفة بالماء والسباحة فيها فقمنا بذلك، وأخذنا نسبح، وحين جاء السجان جُن لما رآنا، وذهب ليشكونا إلى أمير حماس في ذلك الوقت وهو الشهيد إسماعيل أبو شنب، فجاء أبو شنب برفقة السجان، وكنا قد تخلصنا من المياه وأعدنا كل شيء إلى نصابه، حينها اتهمنا الشرطي بأنه كان يُهيّأ له وأننا لم نفعل شيئًا".
    ويتابع قائلًا: "كما أننا كنا عندما يتقرر الإفراج عن أحد زملائنا نفعل به الأعاجيب، كأن ندهنه بالشوكولاتة أو المربى، فكنا نفرح له كثيرًا بالرغم من محكومياتنا العالية، إذ كنا نشعر بإخواننا ونحب بعضنا بعضًا".
    وبصوتٍ يملؤه الصدق يقول: "بالرغم أن محكوميتي كانت عالية، وقد مرَّ عليَّ الآلاف ممن اعتقلوا ثم أفرج عنهم، في حين أنا لا أزال في مكاني، كنت أهيئ نفسي للبقاء طوال العمر في المعتقل، وفي الآن نفسه أعيش على الأمل بأنه قد يُفرج عني في أي لحظة، وأنه إذا قدر لي الإفراج فإن الله سيسبّب الأسباب لذلك، ما جعلني أندمج في حياة الاعتقال، ولا أطلق العنان للتفكير في الأهل والأولاد، وأحاول أن أتناسى؛ حتى أستطيع مواصلة الحياة، لكن حين تحدث بعض المناسبات مثل أفراح أبنائي أفكر فيهم رغمًا عني، إلا أن وجود زوجتي من خلفي التي لن أنسى فضلها ما حييت - إذ قامت بتربية الأولاد وتزويجهم وأنا في المعتقل وظلّت تنتظرني عشرين عامًا - كان يشعرني بالطمأنينة".

    (المصدر: صحيفة فلسطين، 23/6/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

قوات الاحتلال الصهيوني تحتل قرية خربة الشونة قضاء صفد، والطابغة والسمكية وتلحوم قضاء طبريا، وعاقر قضاء الرملة

04 مايو 1948

بريطانيا تصدر مرسوم دستور فلسطين المعدل 1923

04 مايو 1923

استشهاد المجاهد مهدي الدحدوح من سرايا القدس متأثرا بجراحه التي أصيب بها في قصف صهيوني على سيارته وسط مدينة غزة

04 مايو 2007

الأرشيف
القائمة البريدية