السبت 04 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    يومٌ في سجني

    آخر تحديث: الأربعاء، 04 يوليو 2012 ، 00:00 ص

    بقلم الأسير المحرر/ محمد محمود أبو عرب....
    ثارت أصواتهم كالعادة وانفجرت حناجرهم(أصراخ أم نباح )أم ماذا لا أدري لكن هذا هو صباح السجن (عدد عدد) وما أدراكم ما العدد ؟؟؟، الساعة الآن السادسة صباحا ها قد بدأ اليوم الطويل يوم (البوسطة )أي يوم هو وأي وجع وأي تعب فمن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن سجن إلى آخر أكثر من عشر ساعات في الطريق معاناة لا قبلها ولا بعدها و كأن الدنيا ضاقت عليك بما رحبت ، أفٍ لهم ما أسوأ طباعهم وما أشد أصفادهم إنهم زبانية العذاب بالحياة الدنيا أفراد فرقة (نحشون ) كأنهم حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة ، أما شكل البوسطة فظاهرها فيه الرحمة وباطنها العذاب الأليم قسمت أحشائها وقطعت حواشيها بحقد المعادن الصلبة وظلم الآدمي الحاقد , مقاعدها حديد وجدرانها حديد وكل شيء فيها حديدٌ في حديد وما أن تبدأ رحلة العذاب في طريق الآلام حتى يبدأ نوع خاصٌ وفريدٌ من الدوار, وغثيانٌ لم تشعر به من قبل ولا من بعد ولن تعي أبداً ما أقول لأنه يصدقُ القولُ هنا لا يؤلمُ إلا من به الألمُ وسكان هذه الرحلة حالهم بين الحياة والموت لأهم عاشوا فاستراحوا ولا هم ماتوا فسلموا ، أما ربانُ الرحلة فهو من أسوأ خلق الله يتفنن ويتلذذ بإيذاء النزلاء , في بداية الأمر كنت أظن أن التفتيش الدقيق والعاري هو غرضٌ أمني بهدف الحصول على شيء ممنوع ولم أكن أدرك أن المقصود من ذلك هو إذلال وامتهان واحتقار الأسرى حيث يتم الجمع بيننا وبين الأسرى الجنائيين من اليهود وغير اليهود أحدهم مدان بسرقة وأحدهم بإغتصاب ولواط ومخدرات وجُلهم من أفراد العصابات والمافيا , وذلك كي يفهمونا أنكم بنظرنا سواء لا فرق بينكم لكن أميال وأميال بين الثرى والثريا.
    وقد لفت نظري أنهُ كتب على أصفاد اليدين صنع في بريطانيا هذه الدولة التي انشأت دولتهم وأصفاد القدمين صنعت في أمريكا الدولة التي تعهدت بحمايتهم فعجبت لذلك، وفي لحظة إعياءٍ وهذيان بسبب طول الطريق أفقتُ على صوت تنهيدة حارة وكأنها خرجت من أعماق المحيط ، فرفعت رأسي وإذ بإحدى الأسرى المحكومين مدى الحياة يُخرج( الآه ) وهو ينظرُ من ثقوب النافذة الصغيرة بأعلى (البوسطة ) فوقفت لمعرفة سر هذا الصوت وإذ بنا نسيرُ على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ففقتُ في نفسي ( سبحان الله )، رأيت البحر تارةً يبتسم لي وكأنه وجد ضالته , وتارةً رأيته باكياً من قذارة سكانه الذين سكنوه قسرا, كأنه يقول لي لست وحدك مكبلاً فأنا مُذ فارقني أهلي وأنا مكبلا على هذا الحال فعرفت أنه يقصدنا نحن من تم ترحيلنا عام 48، سبحان من رفع جبال الكرمل وجعلها أوتادا ما أجملها شامختا خضراء فقد رأيتني وجلاً من شدة هيبتها وعظمتها فقلت كفاني فخراً أني الآن بين ثناياها وغرابيبها وما إن وصلنا موقع الحريق الذي شب قبل عام تقريبا سمعت الجبال تقول (هنا اشتد غضبي وأفرغتُ جُل حقدي على من سكنني غصباً وجبراً).
    رغم أن رحلتنا سوداء مظلمة جاحدة لكن أجمل ما فيها أنك ترى بأم عينيك فلسطين المحتلة وتجوب أرضٌ لا زالت مفعمة بالحنان، أما القدسُ هذه الفرسُ الجموح التي لا ترومُ إلا الحرية رأيتها باكية حزينة قد ملّت نداء وااااا عرباه وسئمت من صراخ يا مسلمين ولقد ضاع صوتها من كثرة العويل والنواح ، وعندما غابت القبة الذهبية عن ناظري نزلت من عيني دمعةٌ ساخنة لا زلت حتى الآن أحسُ بحرقتها ,دمعتي لو قُدر لها أن تسقط على أرض جرداء قاحلة لأعادت لها الحياة لكن : لقد أسمعت لو ناديت حيــاً لكن لا حياة لمن تنادي ولو نارٌ نفخت بها أضائت لكن أنت تنفخ في رماد.

    (المصدر: وكالة معاً الإخبارية، 2/7/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

قوات الاحتلال الصهيوني تحتل قرية خربة الشونة قضاء صفد، والطابغة والسمكية وتلحوم قضاء طبريا، وعاقر قضاء الرملة

04 مايو 1948

بريطانيا تصدر مرسوم دستور فلسطين المعدل 1923

04 مايو 1923

استشهاد المجاهد مهدي الدحدوح من سرايا القدس متأثرا بجراحه التي أصيب بها في قصف صهيوني على سيارته وسط مدينة غزة

04 مايو 2007

الأرشيف
القائمة البريدية