السبت 27 إبريل 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    عندما طلب السجانون الرحمة من الأسرى

    آخر تحديث: الخميس، 03 مايو 2012 ، 00:00 ص

    بقلم: عيسى قراقع
    وزير شؤون الأسرى والمحررين

    صدر الجزء الثاني من "أحلام بالحرية" للأسيرة المحررة الكاتبة عائشة عودة تحت عنوان "ثمنا للشمس"، تسلط فيه الضوء وبالتفاصيل المجروحة على تجربة الحركة النسوية الأسيرة في سجون الاحتلال وفي مرحلة البدايات القاسية حيث كان الموت والإذلال والإستبعاد يسيطر على حياة الأسيرات الفلسطينيات.
    الكتاب الذي يسجل ملحمة وثائقية وتاريخية هامة في سيرة المناضلات الأسيرات أسماء وبطولات ومعاناة ومواجهات، يبدأ بلازمة هامة تعبر عن التحدي والإصرار على الحرية وكسر القيود وبعبارة تبدأ خطاها في فصول الكتاب بالقول: لا بد أن أرفض الموت، وتنتهي بأن السجن ساحة نضال.
    "ثمنا للشمس"، يصدر في ظل تواصل إضراب الأسرى عن الطعام، فالشمس لازالت حارقة، والاشتباك متواصل بين إرادة الحرية وإرادة السجان، والشمس تطل بوجه أنثى تتدلى من السماء فوق القدس إيمانا وحبا وصلاة.
    عائشة عودة التي استحضرت ذاكرتها بزخم وقوة، وعصرتها على مدار عشر سنوات قضتها في الاعتقال، وبشفافية وصدق وجرأة لملمت تلك الحكايات والجمرات، وأنطقت صمت السجون ورفعت صوت الضحايا، وأظهرت ما كان يدور هناك بين الحديد والفولاذ من حرب وعدوان على الإنسان وخصوبة الأنثى الفلسطينية.
    عائشة عودة الآن تشهق وتلقى الزفرات والصرخات التي لم يسمعها أحد، وتقف أمام الجلاد في حكايتها لتبرز أمامه لائحة اتهامها الطويلة منذ أن عذبوها والقوا بها في العزل الانفرادي وكلبشوها على سرير المستشفى، ومنذ أن حاولوا تجفيف المقاومة والحياة من أجساد الأسيرات المتألقات.
    عائشة عودة تحيي الشهيدات الأسيرات، وتلقي التحية على الصديقات الأجنبيات اللواتي أسرن دفاعا عن فلسطين، وتفتح أبواب قلبها لذلك الحب وتلك الأناشيد والأغاني والمواقف التي احتالت على واقع السجن ودربت الروح على الأمل والمستقبل والسلام الإنساني حتى مطلع الفجر.
    الكتاب يوضح أن سياسات الاحتلال بحق الأسرى والأسيرات لم تتغير منذ بداية الاحتلال من اعتقالات إدارية، وعزل انفرادي وإهمال طبي وممارسة التعذيب واعتداءات وحشية، وزج الأسرى والأسيرات في أقسام الجنائيين، والحرمان من الزيارات والحقوق الأساسية، وكأنها تقول أن العالم عجز منذ بداية الاحتلال الصهيوني في وضع حد له في انتهاك حقوق الأسرى وفق الشرائع والقوانين الدولية والإنسانية.
    ثمنا للشمس يقول لنا أن الأسيرات اعتمدن على قوة إيمانهن بالحرية، وخضن مواجهات طويلة وشاقة للحفاظ على ذاتهن من الاستهداف، واستطعن أن يؤسسن لمفاهيم وثقافة اعتقالية، ويبنين دولة ذاتية بين القضبان بتحقيق الكثير من الانجازات والحقوق بالإضرابات وبالمواجهات وبالإصرار على الحياة الحرة والكريمة.
    ثمنا للشمس يضع بين أيادينا دروسا تاريخية هامة تبدأ برفض التعاطي مع محاكم الاحتلال باعتبارها محاكم غير شرعية، عندما وقفت عائشة في ساحة المحكمة تقول للقضاة: انتم لستم مؤهلين لمحاكمتنا، لأنكم تدافعون عن الاحتلال، انتم ودولتكم من يجب محاكمتهم.
    «Ø«Ù…نا للشمس» يوضح الأكاذيب والأضاليل التي تلجأ إليها المؤسسة الأمنية الصهيونية حول تعذيب الأسرى وانتزاع الاعترافات منهم تحت التهديد، وعندما بدأت عائشة عودة في المحكمة تتحدث عن ممارسة التعذيب بحقها ونفت المحكمة كل ذلك، خاطب الأسير يعقوب عودة زميلته عائشة في المحكمة قائلا: لماذا الاندهاش من تفصيل صغير في طاحونة كذبة كبرى يا رفيقة، إنهم يقلبون حقائق وطن بكامله.
    "ثمنا للشمس" هو تمرد الأسيرات على العمل في مرافق الإنتاج الصهيونية، ورفضهن العمل بالسخرة كالعبيد، لتبدأ مرحلة بناء الذات والمؤسسة الاعتقالية والنضالية في سجون الاحتلال، مرحلة أخرى أسقطت المفهوم الصهيوني للسجن عندما اعتقدوا أن السجن هو إعدام بلا مقصلة.
    «Ø«Ù…نا للشمس» يضع الطبيب (كوهين) أمام المحاكمة عندما حاول إجبار الأسيرة حياة عبيدو على تناول الطعام بالقوة خلال الإضراب المفتوح عن الطعام، بتغذيتها البرابيش ووصول الغذاء الى الرئتين، وهو نفس الطبيب الذي يرتدي زي الجلاد الذي قتل الأسرى علي الجعفري وراسم حلاوة واسحق مراغة خلال إضراب سجن نفحة الصحراوي.
    "ثمنا للشمس"، طاقة حق إنسانية واجتماعية هائلة تتفجر في العتمة، وعلى لسان عائشة عودة وهي تهتف في وجه السجانات وفي وجه الضعفاء: أنا لست سجينة، أنا أكثر حرية من عشرات الملايين الذين يقبعون في بيوتهم مكبلين بخوفهم، هم السجناء وليس أنا.
    "ثمنا للشمس"، هو الاستمرار في رفع الواقع بكل أدوات النضال، من خلال تحويل السجن الى عبء على المحتلين والتواصل مع الحياة بالفرح والأغنية والقراءة والصبر والتحمل، وكما تقول عائشة: نحن طاقة محركة في جميع الاتجاهات، لم يكن بالإمكان خلقها لو بقينا في الماء الراكد مجرد ربات بيوت.
    "ثمنا للشمس" يقول لنا أن المنتصرين أيضا يشعرون بالهزيمة، ويتحول انتصارهم في لحظة من اللحظات الى هزيمة ويبدأون بطلب الرحمة من الضحايا، فالسجانة خلال حرب تشرين 1973 فاجأت الأسيرات بقولها: سيصل الجنود العرب الى السجن الليلة أو غدا ويفتحون الأبواب ويخرجونكن من السجن، وربما يضعوننا نحن مكانكن في السجن، وتحملن المفاتيح بدلا منا، لي طلب واحد منكن: أن تعاملننا مثل معاملتنا لكن.. أنا لا أذكر أني أسأت لأي منكن.
    السجانة تطلب الرحمة، سؤال الخوف للمحتلين والجلادين، القلق الأخلاقي والإنساني والوجودي لهم عندما يصبح المنتصر الواثق بقوته مهزوما، وكما تقول عائشة: عدل السماء أن لا يبقى المهزوم مهزوما، ولا المنتصر منتصرا.
    "ثمنا للشمس"، هو أسطورة المرأة الفلسطينية، حكاية الأنثى الرائعة والجميلة والعنيدة والمقاومة، الجريحة و الشهيدة والأسيرة في صراعها العالي ضد الظلام والمحتلين والثقافة المجتمعية البائدة، ولم تكن الشمس بعيدة، بل سطعت واقتربت بكل دفئها مشرقة في أنشودة عائشة عودة وهي تحول الذكريات الى قوة دافقة في سيرة شعب لا ينسى ولا يعتذر.

    (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 3/5/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

اغتيال المجاهد وائل إبراهيم نصار "قرعان" من سرايا القدس بقصف صهيوني وسط قطاع غزة

27 إبريل 2006

قوات الاحتلال الصهيوني ترتكب مجزرة في قرية خربة المنصورة قضاء مدينة حيفا

27 إبريل 1948

الأرشيف
القائمة البريدية