10 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • م

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    لمار... ليس وراءك إلا الوراء

    آخر تحديث: الإثنين، 14 مايو 2012 ، 00:00 ص

    بقلم عيسى قراقع
    وزير شؤون الأسرى والمحررين

     

     Ù‡Ø°Ø§ صوتك اسمعه دائما نشيدا للحياة... اركضي ثم اركضي في حدائق عمرك المديد، إلى الأمام إلى الأمام فليس وراءك إلا الوراء، الجوع يحملني إليك خفيفا خفيفا على سلم أصابعك العشرة، ويحفرني في حديقتك الصغيرة كورد على وجهك الجميل، فلا احسب الأيام القادمات المحمولات بالحديد وبالجنود وبالبرد لأنك أول من سيفتح الباب. هذا ما كتبه الأسير ثائر حلاحلة المضرب عن الطعام منذ 75 يوما لأبنته الصغيرة لمار التي ولدت بعد اعتقاله وتبلغ من العمر عامين، مستغلا صحوته بين غيبوبة وغيبوبة، وسريان الملح قليلا في الوريد حامضا حامضا يعطيه الرعشة للكتابة أو التأمل قبل أن يعود إلى الغيبوبة من جديد.
    ماذا يدور ببالك أيتها الصغيرة، لا أب عندك ولا من يجيب على أسئلة الطفولة المكسورة، أو يداعب أمنياتك الوليدة تدرج على عتبات البيت بيضاء بيضاء، تبحث عن صوت في الصورة، وعن مسافة أخرى بين السجن والحديقة، فكل شيء أمامك مفتوح وطويل، ولكنك لا تصلين إليّ، تقفين على الباب ولا تسمعين إلا قيودا تشد عليّ وأنا أصرخ: لا أريد إلا أن أعيش غدا.
    حبيبتي لمار: لست أبا مثاليا لأحضر لك الشمس والقمر والغيم والملابس الجميلة، لم أعطك الوقت كي تجيدي نطق الحروف وتدخلي أرقام الهوية، ولم أرك تكبرين رويدا رويدا بين يديّ مرة واحدة، تشربين الحليب والنوم الهاديء، وتدسين أصابعك في التراب لتنبت وردة أو ينفجر الماء. أنتِ جئت إلى الدنيا، وأنا خُطفت إلى السجن، لا تهمة ولا محاكمة، هكذا قررت دولة الكيان ومحكمتها وقضاتها، كأنهم يا صغيرتي كانوا على موعد لاصطياد فرحتي الأولى بك، يقفون مع الليل ينتظرون مجيئك كي يعتقلوني، ويعلقوني على حبل الاعتقال الإداري سنة وراء سنة، عاريا أمام المحققين، مشبوحا بين جدران نائمة بالصمت والعفونة، مسلوبا من أبوّتي التي بدأت، ومن أحلامي التي جاءت، مسلوبا منك، هبة الحياة والحب والأمل الضاحك.
    حبيبتي لمار، الوقت يمضي، ينتابني السعال كثيرا، وجسدي يذوب شيئا فشيئا، والأطباء من حولي يسخرون، الوقت عندهم صفرا، والوقت عندي أن أصل إليك الآن أو بعد ساعة، قبل أن تجف ذاكرتي ويدخل كابوس الإضراب على أعصابي، وأعلق من جديد بين الحياة والموت، فأتوه عنك في الغياب. ولأنك هنا وهناك، تأتين كل يوم إليّ، تضعين يدك على رأسي، تنامين في حضني، تطلبين أن أسرد لك حكاية قبل النوم، وأن أصطحبك إلى المدرسة صباحا وأشتري لك أي شيء من دكان قريب، استيقظ في منتصف الليل، جسدي بارد جدا، دم يسيل من فمي، صداع يداهمني، كأن فوضى الموت تدب من حولي، أنهض انهض وأقع، فيلقاني صوتك قرب السرير. لمار، اركضي، اركضي، ليلي طويل، الأرض تحتي هاوية، لا سماء ولا هواء، بالملح والصبر أطيل الرجاء، اخترع الأمل للكلام حتى يسقط كلامهم العبري الدخيل، اصرخ ليعلم السجان أني قادر على الحياة أكثر مما توقع، وأني أملك المستحيل، اركضي، اركضي، سأحيا وابلغ جبال القدس وساحة الميلاد وأصلي مع المؤمنين، فجوعي اخضر يظلله الغمام ودرب الحليب. لمار،اعتقلت لأني لا أريد أن يدخل الجنود إلى غرفة سريرك بعد منتصف الليل، يدعسون على مريولك ويوقظون الفراشات من أحلامك الصغيرة، وفتحت إضرابا مفتوحا عن الطعام لأفتح الطريق أمام الضوء في العتمة الكثيفة، ولا أظل قربانا لمحاكمهم الجائرة، أردت أن أوقف الخسارة والنقصان من دم الضحايا، واختار الإقامة فوق العتمة وفوق السحاب، أنا المتعدد المتجدد شقيق الشهداء والشجر العالي ونشيد الختام السعيد.
    لمار: اركضي، اركضي يا ابنتي، إلى الأمام إلى الأمام، ليس وراءك غير الوراء، للحياة عيد، وللموت عيد، وفي صوتك سنابل تحبو، وفي عمرك القادم إصغاء الفجر للملائكة والمعتقلين.

    (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 13/5/2012)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد المجاهد أحمد اسماعيل صالح من سرايا القدس أثناء تنفيذه عملية جهادية شمال قطاع غزة

10 مايو 2002

استشهاد الأسير محمد سلامة الجندي نتيجة التعذيب في سجن الخليل والشهيد من سكان مخيم العروب

10 مايو 1993

الأرشيف
القائمة البريدية