السبت 11 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    ثقافة الإضراب المفتوح عن الطعام

    آخر تحديث: الثلاثاء، 22 مايو 2012 ، 00:00 ص

    بقلم الدكتور: حسن عبد الله

    الإضرابات المفتوحة عن الطعام في تجربة الحركة الأسيرة الفلسطينية، ليست قضية طارئة أو عابرة، فقد كان لها سياقها الطويل الثقافي والاجتماعي والنضالي والأخلاقي والمطلبي، حيث يمكننا أن نؤرخ للمراحل التي قطعتها الحركة الأسيرة في مسيرتها، من خلال عدد من المحطات النوعية للإضرابات المفتوحة عن الطعام في عسقلان والسبع ونفحة والجنيد والمعتقلات الفرعية الأخرى التي افتتحها الاحتلال في المدن الفلسطينية بعد العام 67 في رام الله وجنين وطولكرم والخليل، وكان اللجوء إلى الإضراب في كل مرة اضطرارياً، بعد إغلاق إدارة السجون الأبواب في وجوه المعتقلين وتنكرها لمطالبهم.
    وهذه المطالب لا تتعلق بتحسين الطعام كماً ونوعاً فقط، بل طالما تصدر الثقافي قوائم المطالب. فإدخال الدفتر والقلم احتاج إلى إضراب، والسماح بإدخال الكتاب احتاج أيضا إلى إضراب. وقد فتح إضراب نفحة في العام 1980، ثغرة ثقافية وإعلامية شديدة الأهمية في جدار الحصار، بانتزاع الحق في الاشتراك في الصحف الفلسطينية والعبرية على حد سواء، حيث أن إدخال الصحيفة العبرية تحديداً الى المعتقلات أحدث ثورة معلوماتية وإخبارية حقيقية. فعن طريقها استطاع المعتقلون التعرف على ما يدور في الخارج (فلسطينياً وصهيونياً وعالميا).
    فالصحيفة العبرية هي في الأساس ليست للعرب وإنما للصهاينة. لذلك فإن القائمين عليها وضعوا كل الإمكانات لإخراج صحيفة متطورة تراعي ذوق الفرد الصهيوني وتلبي حاجته الإعلامية والثقافية والسياسية والرياضية والاقتصادية والترفيهية، فأن تصبح هذه الصحيفة متاحة للأسير الفلسطيني، يعني أن سياسة العزل سقطت. ونحن نتحدث هنا عن مرحلة ما قبل السماح بالراديو والتلفاز كنتيجة لإضراب الجنيد في العام 1984. لذلك فإن التعامل مع الصحيفة العبرية تطلب إعداد فريق من المترجمين المستندين إلى فهم سياسي عميق، و من المتمكنين فكريا أيضا، لكي لا تتحول أدمغتهم إلى فريسة سهلة للتوجهات الصهيونية، وهذا سبق وأن عالجته في كتابي "الصحافة العبرية في تجربة المعتقلين الفلسطينيين".
    لكن أهم ما في الإضراب، الذي هو وسيلة نضالية تهدف الى تحقيق مطالب إنسانية، أنه لا يتم بمعزل عن ثقافة الأسير، وأقصد ثقافة القناعة بالإضراب. وثقافة التضحية حتى النهاية. وثقافة الصمود والانتصار على الاحتياجات الإنسانية. وكذلك ثقافة صهر الذات في بحر المجموع، أي في إطار الجماعة المضربة المتماسكة المتلاحمة حتى النهاية. ولا أحد يستطيع أن يعلن الإضراب ويستمر فيه بمعزل عن معرفة التاريخ النضالي والثقافي والمطلبي لتجارب الإضرابات المفتوحة عن الطعام بشكل عام. ولا أحد يستطيع أن يصمد وينجح دون أن يُشغّل في فكره ووجدانه مفاتيح ثقافة الإضراب. ولا نجاح لإضراب شامل بمنأى عن الثقافة الجماعية والوحدوية. فقوة الفرد تستمد من القوة المتجددة للجماعة، وقوة الجماعة تزداد وتكبر من خلال روافد القوة الفردية لكل مناضل.
    للإضرابات المفتوحة عن الطعام مفرداتها وتجسيداتها الثقافية، التي تستعمل للإعداد والتهيئة قبل الإضراب وخلاله وبعده. وللإضرابات كذلك مفردات وتجسيدات في الثقافة الصحية (كي يتعامل الأسير مع الإضراب في اليوم الأول والثاني والعاشر والعشرين الثلاثين.. كيف ومتى يشرب الماء والملح، متى ينام ومتى ينهض، كيف يتحرك داخل الزنزانة، وكيف يقتصد محتفظاً بسعراته الحرارية، لا يهدرها ولا يبددها دون قنونة وتدبير).
    لقد قرأت خلال فترات اعتقال في الثمانينيات من القرن الماضي، إرشادات صحية تثقيفية حول التصرف في الإضراب، وكيفية التعامل بعد إنهاء الإضراب، وطبيعة الأكل والتدرج في تناول الطعام.. الخ. واستعدت ذهنياً هذه التعليمات، بينما كنت استقل سيارة أجرة في طريقي إلى عملي، وأنا استمع إلى أحد الأطباء من محطة إذاعية محلية، وهو يعطي توجيهات صحية للأسرى ما بعد الإضراب. وقارنت ما ذكره الطبيب بما استخلصه المعتقلون في سنوات طوال من الإضرابات من جيل إلى آخر، في تجاربهم حول التصرف في الإضرابات المفتوحة عن الطعام، وكذلك بعد الانتهاء منها، لأكتشف أن الخبرات الصحية للمعتقلين قطعت شوطاً أبعد بكثير من تعليمات وتوجيهات الطبيب الذي بادر مشكوراً.
    وإذا كان للإضراب حاضنته الثقافية، فإن له مفردات وآليات إعلامية. فالتحضير للإضراب داخلياً، طالما احتاج إلى جلسات وحوارات وإعلام داخلي مكثف، جنباً إلى جنب مع تهيئة الخارج للتضامن والإسناد، بأسلوب ثقافي وإعلامي تعبوي، له مصطلحاته وأدواته التي تجمع بين طرح الحقائق والمعطيات واستقطاب التعاطف، بلغة باتت معروفة للذين جربوا الاعتقال.
    إن الثقافة الوحدوية هي إحدى العناصر الرئيسة في حسم المعركة لصالح المعتقلين. وكلما كانت الجبهة الداخلية متماسكة، يخوض المعتقلون معركة الأمعاء بنفس أقوى وأطول، لأن إدارة السجن طالما راهنت على الانقسامات والخلافات الداخلية. أدرك أن الكتابة في هذا الموضوع تتطلب إسهابا وتفصيلاً لا يتسع له مقال، فالقضية تصلح لأن تكون مادة رسالة ماجستير أو دكتوراه لكن لا بد من القول كخلاصة أن الإضرابات المفتوحة عن الطعام رغم ملحميتها، فإنها لم تأخذ حقها من التوثيق والتأريخ على المستوى البحثي، ولا من حيث تبيان تفاصيلها الإنسانية. لقد سجل بعض الذين خاضوا التجربة مذكراتهم اليومية في الإضرابات، وكتبت حول التجربة ذاتها بعض المقالات القصائد والقصص القصيرة، إلا أن كل ما كتب وتم توثيقه لم يرتق بعد إلى مستوى هذه التجربة الإنسانية الصعبة والخطرة، في ظل الصراع الذي يستعر خلال الإضراب ما بين إرادة الحياة والموت المتربص.

    (المصدر: صحيفة القدس الفلسطينية، 20/5/2012)

     


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

استشهاد المجاهد أحمد السويركي من سرايا القدس أثناء تصديه لاجتياح قوات الاحتلال المتوغلة في حي الزيتون بمدينة غزة

11 مايو 2004

استشهاد الأسيرين المحررين عماد نصار وحسين أبو اللبن خلال الانتفاضة الأولى والشهيدين من غزة

11 مايو 1993

استشهاد الأسير عبد القادر أبو الفحم في سجن عسقلان خلال مشاركته في الإضراب عن الطعام والشهيد من سكان جباليا، وهو أول شهداء الحركة الأسيرة الذي يستشهد في معركة الإضراب عن الطعام

11 مايو 1970

قوات الاحتلال الصهيوني تحتل مدينة صفد، وقرى فرونة والأشرفية قضاء بيسان، وبيت محيسر قضاء القدس، والبصة قضاء عكا

11 مايو 1948

العصابات الصهيونية ترتكب مجزرة يافا؛ والتي أدت إلى استشهاد 95 فلسطينيا وجرح 220 آخريين

11 مايو 1921

الأرشيف
القائمة البريدية