جريحات في غزة يرسمن فلسطين.. بالإبرة والخيط

جريحات يعملن في فن التطريز

موضوعات ذات صلةً

• الأسير المجاهد محمود صليبي يتنسم عبير الحرية
• مداهمات واعتقالات تطال 9 مواطنين بالضفة

جهزت نداء كرات الخيوط وتعمّدت اختيار الأسود والأبيض والأحمر والأخضر منها ليس مصادفة بقدر ما تحاول التعبير عن انتمائها إلى علم بلادها الذي دأبت على رسمه في أعمالها الفنية.
أمسكت الإبرة وعقدة الخيط وبدأت رسم خريطة فلسطين على قماشة نُسجت بخيوط الصمود والتحدي لتمسح بذلك جرحًا عميقًا خلّفته آلة العدوان الصهيونية ضد شعبها.
نداء سليمان فتاة أتمت ربيعها الثامن عشر، وتعيش شمال قطاع غزة، وكانت قد أصيبت وأفراد عائلتها بجروح في جسدها خلال العدوان الصهيوني على غزة في ديسمبر سنة 2008 الذي خلّف أكثر من ألف شهيد.
اعتادت الذهاب إلى جمعية السلامة الخيرية لتمارس هوايتها في التطريز على القماش، إذ أن الجمعية خصصت وحدةً تهتم بالجرحى من فئة الإناث لتطوير اهتماماتهن بهذا الفن.
وتتوسط نداء صديقاتها الجريحات على طاولة دائرة تقضي عليها معظم وقتها خلال يومها في الجمعية، ثم تناثرت عليها الخيوط وقطع القماش وتشابكت الأيادي لإخراج العمل بصورة متقنة.
وتقول نداء إنها تأتي بصورة شبه يومية إلى الجمعية للعمل على إنجاز عملها في فن المطرزات الذي عمدت به دائمًا إلى ترسيخ تراثها والسعي إلى تعزيزه.
تعلّمت الفتاة الطموحة التطريز نقلاً عن والدتها الجريحة أيضًا، فالأخيرة صممت على زرع هذا الفن في ابنتها منذ صغر سنها وقبل إصابتها، كما تقول إنها أبدعت أكثر منها.
وفي العدوان على غزة سنة 2008 قصفت قوات الاحتلال منزل عائلة سلمان ما أدى إلى إصابة واستشهاد عدد من أفرادها، ولكن نداء لم ترضخ لمحاولات الاحتلال الرامية إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وطموحاته، فأكدت أنها مستمرة في الحفاظ على تراثها ونقل هوايتها إلى الآخرين من أجل الوصول إلى العالمية.
جميلة سلمان والدة نداء تعمل أيضا مدربة للجريحات في وحدة التطريز في الجمعية، وتقول: إن الفكرة بدأت بعد اختتام فعاليات مخيم نظمته الجمعية وعرضت خلاله مجموعة من أعمال التطريز.
لم تشأ جميلة قتل الهواية الموجودة لدى الفتيات، فتواصلت مع مجلس إدارة الجمعية لعرض فكرة إنشاء وحدة تهتم بهذا الفن يجري فيها تدريب الجريحات، فكان القبول.
الإدارة وافقت على الفكرة التي دخلت حيز التنفيذ بدعم مالي بسيط لا يتجاوز500  Ø¯ÙˆÙ„ار أمريكي، ومع ذلك نجحت رغم الصعوبات التي واجهتها في بداية العمل مع الفتيات، كما تقول جميلة.
ويتطلب إتقان فن التطريز من الشخص المتعلم أن تكون لديه الموهبة ليكون حقلاً خصبًا للتعلّم والإنتاج المرتبطين بالإبداع.

ويبدو جليًا أن جميلة والفتيات معها يركزن في أعمالهن على التراث في محاولة لإحيائه عبر الأجيال المقبلة من جهة، وإظهاره بصورته الأصلية أمام الزوار الأجانب من جهة أخرى.
ووحدة التطريز التابعة لجمعية السلامة الخيرية تكون قبلة للزوار خاصة الوفود الأجنبية التي جاءت لكسر الحصار الصهيوني المفروض على غزة، لأنها من إنتاج فتيات يتحدين الاحتلال.
وتهتم الوفود الزائرة في غزة خاصة الأجانب بمثل هذه المشغولات التي تحمل قيمة تراثية تعبّر عن القضية الفلسطينية التي هي محط أنظار العالم.
ويشارك في وحدة التطريز نحو عشر فتيات تشرف جميلة على تدريبهن وهي بالنسبة لهن أم قبل أن تكون مدربة، وتسعى كما يقلن إلى الترويح عنهن نفسيًا في ظل معاناتهن من الإصابة.
كذلك تسعى جميلة إلى تطوير الوحدة أكثر مما عليه الآن، وتحاول زيادة قدرة الفتيات على الإنتاج تمهيدا لإمكانية المشاركة في معارض عالمية يمكن خلالها ترسيخ التراث الفلسطيني.
وجمعية السلامة الخيرية لرعاية الجرحى خيرية غير ربحية وتأسست في أكتوبر عام 2004 نتيجة الهجوم المتكرر على غزة الذي ترك أعدادًا كبيرة من الجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة.

(المصدر: صحيفة الرسالة، 30/9/2013)

تعليقات الفيسبوك