الإثنين 06 مايو 2024 م -
  • :
  • :
  • ص

Content on this page requires a newer version of Adobe Flash Player.

Get Adobe Flash player

    تجربة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال

    آخر تحديث: الخميس، 15 مارس 2012 ، 00:00 ص

    خاضت اﻷسيرات منذ بداية تجربة الاعتقال العديد من النضالات والخطوات الاحتجاجية والإضراب المفتوح عن الطعام في سبيل تحسين شروط حياتهم المعيشية وللتصدي لسياسات القمع والبطش التي تعرضن لها.
    فقد شاركت اﻷسيرات باﻹضراب المفتوح عن الطعام عام 1984 والذي استمر 18 يوماً، وفي إضراب عام 1992 والذي استمر 15 يوما، وفي إضراب عام 1996 والذي استمر 18 يوماً، وكذلك في إضراب عام 1998 والذي استمر 10 أيام، إضافة إلى مشاركتهن في سلسلة خطوات احتجاجية جزئية، حيث كانت أبرز المطالب الحياتية للأسيرات تتمثل بالمطالبة بفصلهن عن اﻷسيرات الجنائيات وتحسين شروط الحياة اﻹنسانية داخل السجن، كتحسين الطعام كماً ونوعاً والعلاج الصحي والسماح باقتناء الكتب والراديو والصحف والرسائل وإدخال الملابس والأغراض عبر الزيارات ووقف سياسة القمع والتفتيشات الاستفزازية من قبل السجانات، واستطاعت اﻷسيرات بفعل نضالاتهن وصمودهن تحقيق العديد من المنجزات وبناء المؤسسة الاعتقالية باستقلالية داخل السجن.
    إن معاناة المرأة اﻷسيرة تتعدى الوصف، فهي الأم التي أنجبت أطفالها داخل السجن ليتربى الطفل مدة عامين بين القضبان وفي ظﻼم الغرف المؤصدة، كحالة اﻷسيرات أميمة الآغا وسميحة حمدان وماجدة السلايمة.
    وهي المرأة التي تعاني المرض في ظل اﻹهمال الصحي الذي تتميز به سياسة إدارة السجون، وهي المرأة التي صبرت سنوات طويلة حيث قضت بعض اﻷسيرات مدتاً تزيد عن العشر سنوات، كعطاف عليان وزهرة قرعوش ونادية الخياط وفاطمة البرناوي -  وهي أول أسيرة فلسطينية- وغيرهن.
    وسجل تاريخ الحركة النسوية اﻷسيرة مواقفاً أسطورية عجز الرجال عنها كما حصل عام 1996، عندما رفضت اﻷسيرات اﻹفراج المجزوء عنهن على أثر اتفاق طابا وطالبن باﻹفراج الجماعي، ودون ذلك فضلن البقاء في السجن واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية ليتم اﻹفراج عن جميع اﻷسيرات في بداية عام 1997.
    وقد خاضت اﻷسيرات معركة الحرية بعد اتفاق أوسلو تحت شعار (ﻻ سلام دون إطﻼق سراح جميع اﻷسرى والأسيرات)، وشاركن في الخطوات النضالية إلى جانب بقية اﻷسرى في كافة السجون في سبيل تحقيق أهدافهن بالحرية والإفراج.
    إنها تجربة المرأة الفلسطينية المناضلة: اﻷم والأخت والزوجة والطفلة، القائدة في الميدان، وفي البيت ومربية الأجيال والثوار، مربية القادة والمناضلين، فاﻷم التي لم تودع بنيها إلى الزنازين لم تحبل ولم تلدِ .

    القسم اﻷول
    المرأة اﻷسيرة ..رحلة اﻵﻻم والصمود

    تعرضت المرأة الفلسطينية لأساليب قمع وحشية أثناء الاعتقال وفي مرحلة التحقيق على يد رجال الشاباك الصهيوني، وقد استخدمت شتى أنواع الضغط النفسي والتهديد والاعتداءات على المعتقلة الفلسطينية من أجل إركاعها واستسلامها وتحويلها إلى إنسانة مفرغة وضعيفة ومحطمة، وكان الاعتقاد السائد لدى المحققين أن المرأة الفلسطينية ﻻ تستطع الصمود والمواجهة، بل أنها أداة ضعيفة يمكن الاستفادة منها للحصول على معلومات وأسرار الثورة، إﻻ أن هذا الاعتقاد سرعان ما تحطم وثبت فشله أمام التحدي الكبير الذي وقفته المرأة الفلسطينية المعتقلة في مواجهة المحققين وأساليبهم التعسفية واللاإنسانية، وقد تجلت معاني بطولية أسطورية لدى المرأة المعتقلة وهي تقف عنيدة متكبرة ومتمردة على التهديد والتعذيب الذي تعرضت له، ولم تهتز قناعاتها الوطنية وإيمانها وانتمائها بقضيتها فتحملت الكثير من التضحيات ولآلام لحماية كرامتها وشرفها والدفاع عن وجودها اﻹنساني بشكل مشرف، وسجلت تجربة المرأة الفلسطينية أروع وأنبل الشهادات التاريخية المليئة بالتضحية والإيثار والصمود في معركة التحقيق التي مرت بها وفي أصعب الظروف وأشدها، ومن الأساليب الوحشية واللاإنسانية التي مورست مع المرأة الفلسطينية اﻷسيرة نذكر منها:

    التهديد بالاعتداء الجنسي:
    وظن المحققون الصهاينة أن هذا التهديد هو سلاحهم الفتاك لإسقاط صمود المرأة وإجبارها على الاستسلام واعطاء الاعترافات كيفما يشاءون حيث تقول الأسيرة رائدة محمد شحادة ( التهديد بالاغتصاب هو السيف الذي سلطوه على عنقي .. اعترفي وإلا هذا الجندي سيقوم باغتصابك أمامنا .. كنت استعد لهذه اللحظة .. وسرت في بدني تيارات هزت كياني هزاً .. ولم تمض إلا لحظات حتى استجمعت أطراف شجاعتي وقلت -افعلوا بي ما تريدون فلا شيء عندي لاقوله لكم.
    وتقول الأسيرة فاطمة الكرد أن المحققين حددوها بإحضار مومسات ليمارسن السُحاق معها وسيقمن باغتصابها بالقوة.. وان حالة من الخوف والقهر والهزيمة قد سيطرت عليها إلا أنها سرعان ما استجمعت قوتها وتتغلب على هذه الرهبة .. واكدت الأسيرة صفاء دعيبس على هذه الأساليب الوحشية بقولها ( قال لي وهو يقترب مني هل كنت عذراء عندما أخذك زوجك .. صوبت له نظرة احتقار .. ثم هددني انه سيجعلني اركع بإحضار من يعتدي على شرفي ) بينما الأسيرة رحاب العيساوي تقول بأنها هددوها بإحضار رجل درزي ليمارس معها الجنس إذا لم تعطهم اعترافاً كاملاً بما يريدونه .. وإنها على الفور وبمنتهى الثبات بدأت تخلع ثيابها وفي هذه اللحظة قذف المحقق بعلبة البيرة في وجهها وهو يصرخ ويسب بألفاظ بذيئة.

    الضغط النفسي:
    التحقيق رحلة معاناة تتعرض فيها اﻷسيرة لشتى ألوان الممارسات والتعذيب حيث يهدف المحققون إلى استنباها وحشروها معه في غرفة واحدة مليئة بالمرايا العاكسة وفي وسط الغرفة طاولة صغيرة وضع عليها مسدس وطلبوا من والدها أن يقنعها بالاعتراف حيث كان التهديد بحضور اﻷقارب والأهل أحد أسلحة المحققين في انتزاع ما يريدونه من ضحيتهم.
    وكإمرأة تعرضت للاعتقال أكثر من مرة فإنني لم أشعر بالرعب بقدر ما أحسست أثناء التحقيق أنني يجب أن أكون مثل الرجال، لقد ألقوا بي في زنزانة رهيبة كئيبة ومظلمة ليس فيها إﻻ العتمة والبرد وحنفية الماء ساعات طويلة يخيل إليك أنها دهور وأنت وصيد ﻻ صوت وﻻ حركة، ﻻ حس أنا وأفكاري والفراغ والصمت والانتظار المشحون بالقلق، ﺧﻣﺳﺔ عشر يوماً وأنا وحيدة مع هذا الفراغ الموحش ﻻ أعرف الوقت وﻻ الأيام، فقد تاهت ذاكرتي وأكاد ﻻ أعرف ليلي من نهاري، وهذا الوضع النفسي عاشته مثلي مئات اﻷسيرات إذ كانوا يبغون إيصال اﻷسيرة إلى حالة من اليأس والشعور بالوحدة والاستسلام.
    ومن ألوان الاضطهاد النفسي التي تستخدمها أجهزة السلطات الصهيونية القذف بعشرات الساقطات اليهوديات من بنات الهوى اللواتي يندفعن إلى حجرات السجن بتخطيط من المحققين يتصرفن بكل تهتك وابتذال من اجل دفع الأسيرات إلى الاستسلام رغبة في الخروج والخلاص من هذا الواقع المأساوي المثقل بكل ألوان الاضطهاد كما حدث مع الأسيرة عبلة طه إذ هاجمتها مومسات إسرائيليات داخل زنزانتها أمام عيون الشرطة.

    الشبح وعدم النوم:
    يستخدم المحققون أسلوب الشبح للأسيرة الفلسطينية لساعات طويلة ، والشبح يتمثل بوضع كيس له رائحة نتنة على رأس الأسيرة بحيث يغطي وجهها ويجعل تنفسها صعباً ، ويتم تقييد يديها للخلف وتركها واقفة أو مقرفصة ساعات طويلة دون حراك ، ويصاحب ذلك منع الأسيرة من النوم فترات طويلة وكذلك من تناول الطعام في محاولة لإرهاقها وإجبارها على الاعتراف واطاعة المحققين وتقول الأسيرة سهام البرغوثي عن ذلك (انهم يلجأون ألان إلى الشبح وأساليب التعذيب القائمة على إرهاق البدن دون ان يتركوا أثارا ظاهرة على الجسد ولكن هذا اللون من التعذيب له خطورته القاتلة فهو لا يترك أثارا فورية على جسد الإنسان ولكن بمرور الزمن يتسبب في ترك أمراض مزمنة مثل القرحة والروماتيزم والديسك والضغط وغير ذلك.
    تقول الأسيرة رائدة محمد شحادة .. ( وجدت يدين غليظتين متغطرستين تحشران رأسي في كيس ضخم كريه الرائحة خشن الملمس ثم تضعان يدي في قيود محكمة لا فكاك منها لم اعد أرى شيئاً يداي مربوطتان وكيس نتن الرائحة يكتم أنفاسي وصوت يغيض أمر يطلب مني أن اقف بجانب هذا الجدار دون آن أتحرك أو انبس ببنت شفه.

    أصوات التعذيب والموسيقى الصاخبة:
    تفنن المحققون الصهاينة في تعذيب الأسيرات وزرع الرعب والكوابيس في نفوسهم من اجل إخضاعهن واستسلامهن ومن هذه الأساليب اقتياد الأسيرة إلى غرفة منعزلة تتصل بغرفة أخرى وضعوا بها جهاز تسجيل وعليه صوت معتقل فلسطيني يصرخ ويستغيث بقوة وعنف وبصوت يفتت الأكباد ثم يتم نقل المعتقلة إلى غرفة مليئة بالدم والعصي والثياب الممزقة كل ذلك لإخضاع المعتقلة إلى حالة ذهنية وعصبية تجعلها تستسلم دون مقاومة تذكر.

    الضرب والاعتداء:
    استخدم المحققون أسلوب الشبح للأسيرة الفلسطينية لساعات طويلة، والشبح يتمثل بوضع كيس له رائحة نتنة على رأس اﻷسيرة بحيث يغطي وجهها ويجعل تنفسها صعباً، ويتم تقييد يديها للخلف وتركها واقفة أو مقرفصة ساعات طويلة دون حراك، ويصاحب ذلك منع اﻷسيرة من النوم فترات طويلة وكذلك من تناول الطعام في محاولة لإرهاقها وإجبارها على الاعتراف وإطاعة المحققين وتقول اﻷسيرة سهام البرغوثي عن ذلك: ( إنهم يلجأون الآن إلى الشبح وأساليب التعذيب القائمة على إرهاق البدن دون أن يتركوا آثارا ظاهرة على الجسد ولكن هذا اللون من التعذيب له خطورته القاتلة فهو ﻻ يترك آثارا فورية على جسد اﻹنسان ولكن بمرور الزمن يتسبب في ترك أمراض مزمنة مثل القرحة والروماتيزم والديسك والضغط وغير ذلك).
    تقول اﻷسيرة رائدة محمد شحادة: (وجدت يدين غليظتين متغطرستين تحشران رأسي في كيس ضخم كريه الرائحة خشن الملمس ثم تضعان يدي في قيود محكمة ﻻ فكاك منها لم أعد أرى شيئاً، يداي مربوطتان وكيس نتن الرائحة يكتم أنفاسي، وصوت يغيض أمر يطلب مني أن أقف بجانب هذا الجدار دون أن أتحرك أو أنبس ببنت شفه).
    تفنن المحققون الصهاينة في تعذيب اﻷسيرات وزرع الرعب والكوابيس في نفوسهم من أجل إخضاعهن واستسلامهن، ومن هذه الأساليب اقتياد اﻷسيرة إلى غرفة منعزلة تتصل بغرفة أخرى وضعوا بها جهاز تسجيل وعليه صوت معتقل فلسطيني يصرخ ويستغيث بقوة وعنف وبصوت يفتت اﻷكباد، ثم يتم نقل المعتقلة إلى غرفة مليئة بالدم والعصي والثياب الممزقة كل ذلك لإخضاع المعتقلة إلى حالة ذهنية وعصبية تجعلها تستسلم دون مقاومة تذكر.
    لم يتوان المحققون عن ضرب المعتقلة بشكل همجي ووحشي أثناء استجوابها، وهناك من يدعي حتى الآن أن الاحتلال الصهيوني إنساني ليبرالي، فأي إنسانية تلك التي تمنع فتاة عزﻻء من تغيير ثيابها، وأية ليبرالية تلك التي تهدد بالاغتصاب والعري والركوع والتجويع والحبس الانفرادي، فاﻷسيرة خديجة أبو عرقوب تعرضت للضرب إلى درجة أن نتفوا شعر رأسها أثناء التحقيق معها في الخليل وفي القدس وبالرغم من أن ميثاق جنيف الصادر في 12 آب 1949ØŒ بشأن حماية المدنيين إبان الحرب ينص في البند الحادي والثلاثين على أنه ï»» يجوز أن يمارس أي ضغط  ï»» نفسي وﻻ جسدي ضد المحتلين خاصة بغرض الحصول على معلومات منهم أو من طرف ثالث، رغم هذا النص الصريح إﻻ أن اﻷسيرة خديجة ضربت وعذبت من قبل رجال الشرطة وبشكل وحشي وتقول خديجة: (ضربوني، أرادوا خنقي، نتفوا شعري، هددوا بأنهم سيأتون بجنود ليغتصبوني، لم يكن مجرد تهديد، لقد دفعوا بجندي كالبغل ليختلي بي وبدأ الوحش بفك ثيابه أمام ناظري)ØŒ ولم تردع المحققون أية اعتبارات أخلاقية وإنسانية حتى من الاعتداء على النساء الحوامل، وهذا ما جرى للأسيرة عبلة طه التي تم الاعتداء عليها بالركلات وهي حامل في شهرها الثاني، وعندما بدأت تنزف لم يستدعوا طبيباً بل أخذ المحققون يساومونها لأجل أن تعترف مقابل إحضار طبيب.
    ولعل (ﻣﺳﻠﺦ المسكوبية) يظل شاهداً على الفاشية الصهيونية، تفوح من كل زنازينه وجدرانه روائح الموت والإرهاب في كل متر من هذا السجن شهد ليالي عذاب، وصراخ المرأة الفلسطينية وهي تلتحم وتشتبك مع الجلادين العتاة، وشهادة اﻷسيرة مريم الشخشير نموذج ساطع عن حجم المأساة التي تعرضت لها المرأة الفلسطينية عندما هجم عليها شرذمة من الجنود، خلعوا بمعطفها وحاولوا تجريدها من جميع ملابسها، طرحوها أرضا ثم ثبتوا قدميها في أحد الكراسي وانهالوا عليها ضرباً موجعاً متلاحقاً حتى فقدت الوعي، وبعد أن أفاقت بدأوا ينهالون عليها بالضرب من جديد في كل أنحاء جسدها.

    القسم الثاني
    قراءة في المسيرة الاعتقالية في سجون النساء

    أقامت سلطات الاحتلال منذ عام 1967 ثلاثة مراكز لاعتقال المناضلات الفلسطينيات، اﻷول في نابلس، والثاني في القدس (المسكوبية) والثالث في غزة، وقد شهدت المناضلات في هذه المراكز معاملة قاسية جداً، وزاد من قساوة ذلك قلة عدد المعتقلات في اﻷسر في مرحلة البدايات (1967- 1980) اﻷمر الذي جعل الطلائع اﻷول للمناضلات اﻷسيرات وعلى رأسهن فاطمة البرناوي وتريزا هلسة وعبلة طه أكثر معاناة من غيرهن، خاصة وأنهن واجهن السياسة الشرسة التي استهدفتهن، ومع ذلك فقد أثبتت أسيرات الثورة قدرتهن على الصمود والمواجهة بالتعاون والتعاضد والتكامل التام والكامل مع أسرى الثورة في المعتقلات الأخرى.
    لقد كانت مراكز توقيفهن الثلاث اﻷول (غزة، القدس، نابلس) مراكز قمعية حقيقية انعدم فيها الحد اﻷدنى من الشروط الصحية والمعاملة اﻹنسانية فكان الضرب والإذلال والإهانة من السمات البارزة لتلك المراكز، وقد تشابهت حالات القمع والإجراءات القاسية التي طبقت على سائر السجون الإجراءات التي استهدفت النساء اﻷسيرات.
    وكانت اﻷسيرة الفلسطينية فاطمة البرناوي أول أسيرة تدخل تجربة الاعتقال، وهي من مواليد القدس كانت تعمل ممرضة ﻓﻲ مستشفى قلقيلية، اعتقلت في أواخر عام 1967، وكان معتقل النساء في سجن الرملة هو المعتقل الذي تم به احتجاز اﻷسيرات حتى عام 1986، حيث تم نقل اﻷسيرات بعد عملية تبادل اﻷسرى عام 1985 إلى معتقل تلموند، وبعد اﻹفراج عن 25 أسيرة فلسطينية في بداية عام 1997 أعيد استخدام سجن الرملة كمكان ﻻحتجاز اﻷسيرات.
    لقد كان معتقل النساء في الرملة (نفي ترتسا) الذي يقع بالقرب من سجن الرملة عبارة عن غرفة واحدة، ولكن بعد توافد العديد من الجنائيات اليهوديات وبعض المناضلات الفلسطينيات قامت إدارة السجن بإنشاء قسم كبير خاص بالمعتقلات والسجينات ونتيجة تطور نشاط الحركة الثورية وتصاعد المقاومة الفلسطينية أخذ عدد اﻷسيرات الفلسطينيات يزداد في المعتقل، وإثر ذلك اضطرت إدارة السجن إلى إقامة قسم خاص بالمناضلات الفلسطينيات وقد أدينت معظم المعتقلات اللواتي اعتقلن في تلك الفترة بالقيام بأعمال عسكرية ضد العدو الصهيوني وصدرت بعضهن أحكام عالية وصلت إلى مدى الحياة.
    واتسمت نضالات المعتقلات في المرحلة اﻷولى للمعتقل بالعفوية والتخبط دون تحديد أولويات أو مبادئ للحياة الاعتقالية وهذا يعود إلى افتقار المعتقلات في تلك الفترة إلى الوعي السياسي والتنظيمي وضعف الاتصال بينهن على مختلف الأصعدة، وكانت العلاقات بين المعتقلات مختلطة وغير منظمة في المرحلة اﻷولى فلم يكن هناك تنظيمات أو فصائل تحكمها قوانين وضوابط، بل كان هناك تجمع عام لجميع المعتقلات اللواتي تغلب على علاقاتهن السمة الشخصية أكثر من العلاقة التنظيمية الواعية، وحتى فترة متأخرة راوحت أوائل الثمانينات لم يكن هناك لجان اعتقالية تمثل المعتقلات لدى إدارة المعتقل وﻻ حتى لجان تنظيمية تحكم العلاقات بصورة منظمة، وعلى الرغم من ذلك فقد خاضت المعتقلات منذ أوائل السبعينات وحتى عام 1980 العديد من النضالات من أجل المحافظة على هويتهن السياسية كمناضلات يمثلن المرأة الثائرة والانتزاع حقوقهن اﻹنسانية من إدارة السجن التي تحاول دائماً وبشتى الطرق إذابة الهوية النضالية للأسيرات وقتل روح الثورة فيهن، حيث عمدت إدارة المعتقل إلى إجبار المعتقلات على العمل في مرافق العمل الإنتاجية والمشاركة في طهي الطعام لجلاداتهن، وهذا الأسلوب يدخل ضمن إستراتيجية العدو الهادفة إلى تحويل اليد التي كانت تحمل السلاح ضده إلى يد تشارك في بناء وتدعيم اقتصاده وإلى تفريغ المناضلات الفلسطينيات من محتواهن الوطني وتحويلهن إلى مجرد أدوات، وقد أخذ هذا الوضع يتجه وجهة جديدة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات عندما دخلت إلى المعتقل مجموعات من المناضلات اللواتي قطعن شوطاً ﻻ بأس به من الوعي السياسي والتنظيمي، فبدأت تظهر داخل المعتقل أطر تنظيمية واضحة تتعامل فيما بينها حسب ضوابط وقوانين محددة، حيث اتسم النضال في هذه المرحلة بسمة منظمة وعملية بعيدة عن الهوجائية والتخبط والتسرع وأفرزت من قبل السجينات لجنة اعتقالية للحوار مع إدارة المعتقل ولتمثيل المعتقلات، ومن ذلك الحين أصبح الوضع يسير بخطى حثيثة واعية نحو اﻷفضل إذ بدأت اﻷسيرات بتحديد أولويات الصراع وبناء أسس سليمة لوضع اعتقالي عن طريق خوض النضالات ضد القوانين المفروضة عليهن والتي ﻻ تتناسب مع مبادئهن كثائرات فكان اﻹضراب الشهير الذي خضنه بتاريخ 28/4/1970 .
    وتمثل شكل اﻹضراب بفصل طعامهن عن طعام السجانات تعبيراً عن رفضهن المشاركة في صنع طعام سجاناتهن وقد امتد هذا اﻹضراب لمدة تسعة أشهر متواصلة مارست إدارة المعتقل خلال هذه الفترة أساليب الضغط والإرهاب حيث صودرت الكتب والمذياع ومنعت اﻷسيرات من الخروج إلى (ساحة النزهة) أو ما تسمى (الفورة) وتقلصت زيارات اﻷقارب إلى زيارة واحدة كل شهرين في محاولة يائسة من إدارة السجون لشل اﻹضراب وكسره كما تخلل هذه الفترة رش الغاز السام والمسيل للدموع بكميات كثيفة جداً مما سبب إصابة العديد من اﻷسيرات بإصابات بالغة وحروق وتشويهات وبعد تسعة أشهر توج نضال اﻷسيرات بقبول اﻹدارة بمطلبهن وتبع ذلك تثبيت ((اللجنة الاعتقالية)) كممثل شرعي للمعتقلات لدى اﻹدارة وتحسينات أخرى في الأمور الحياتية للمعتقلات مثل نوع وكمية الطعام المقدم لهن، وقد تجلت صورة المرأة الفلسطينية القادرة على خوض الصراع بأصعب أشكاله والعيش ضمن أصعب الظروف الاعتقالية والمحافظة على هويتها النضالية.
    ولم يكن هذا الصراع هو نهاية المطاف، فالمسيرة النضالية واصلت تفاعلها وارتقاءها، حيث كانت هناك إضرابات أخرى بهدف تحسين اﻷوضاع العامة، وتدرجت اﻷسيرات في خطواتهن النضالية لتغيير القوانين الجائرة والمفروضة عليهن، حتى كان إضراب 12/11/1984 المفتوح عن الطعام حيث حدد مطلب رفض العمل في مرافق العمل الإنتاجية الصهيونية وحصر العمل في مواقع الخدمات التي تخص اﻷسيرات أنفسهن كالتنظيف والمطبخ والخياطة إضافة إلى فصلهن التام عن السجينات الجنائيات ووضعهن في قسم خاص بهن وتوفير ظروف إنسانية واعتقالية كتلك الموجودة في بقية السجون، وقد انتصرت إرادة اﻷسيرات في نهاية المطاف، وجدير بالذكر أن الصراع مع إدارة المعتقل ﻻ يتوقف من مجرد استجابة اﻹدارة لمطالب جزئية ومحددة للأسيرات إذ سرعان ما تحاول اﻹدارة الانقضاض على إنجازات اﻷسيرات.
    وقد خاضت اﻷسيرات سلسلة من الخطوات النضالية مع سائر الحركة اﻷسيرة في السجون لأجل تحسين أوضاعهن ووضع حد للسياسات الصهيونية الهادفة إلى قهر وإذﻻل اﻹنسان اﻷسير، فقد شاركن في اﻹضراب الشهير الذي استمر سبعة عشر يوماً بتاريخ (27/9/1992)، ملحمة القيد (والذي شاركت به كل السجون من أجل إغلاق قسم العزل في نيتسان الرملة وتحسين شروط الحياة داخل السجون.
    والذي ميز نضال اﻷسيرات، هي الملحمة المجيدة التي سطرنها في 18/6/1995  في اﻹضراب السياسي الذي خاضته الحركة اﻷسيرة تحت شعار "الحرية كل الحرية للأسرى دون شرط أو تمييز" على أثر عدم تطرق اتفاقيات إعلان المبادئ التي وقعت بين Ù….ت.ف وحكومة الكيان الصهيوني في 13/9/1993 لموضوع اﻷسرى ورداً على سياسة الابتزاز والمساومة الصهيونية وفرض الشروط المذلة على قضية المعتقلين.
    ويبقى أن نذكر أنه لم يحدث في تاريخ الحركة اﻷسيرة ذلك الموقف الملحمي الأصيل الذي عبرت عنه اﻷسيرات في بداية عام 1997على أثر التوقيع على اتفاقية إعادة الانتشار في الخليل عندما رفضن اﻹفراج المجزوء على أثر اعتراف حكومة الكيان الصهيوني ورفضها اﻹفراج عن خمس أسيرات دون سائر اﻷسيرات الأخرى، فأعلن التضامن مع بعضهن البعض وفرضن شعار إما اﻹفراج للجميع، وإلا فلا نريد اﻹفراج، مما اضطر السلطات الصهيونية وبعد مماطلة استمرت أربعة عشر شهراً إلى اﻹفراج عن جميع اﻷسيرات.

    (المصدر: منتديات الرباط الفلسطينية)


    أضف تعليق



    تعليقات الفيسبوك

حسب التوقيت المحلي لمدينة القدس

حالة الطقس حسب مدينة القدس

استطلاع رأي

ما رأيك في تضامن الشارع الفلسطيني مع الاسرى في معركتهم الأخيرة في داخل سجن عوفر؟

43.5%

16.7%

35.2%

4.6%

أرشيف الإستطلاعات
من الذاكرة الفلسطينية

الاستشهاديان محروس البحطيطي وحازم الوادية من سرايا القدس يقتحمان موقع كيسوفيم ويوقعان عددا من القتلى والجرحى في صفوف جنود الاحتلال

06 مايو 2002

الأسرى داخل السجون يعلنون الإضراب عن الطعام إحتجاجاً على أوضاعهم السيئة

06 مايو 2002

استشهاد المجاهد محمد عبد الله زقوت من الجهاد الإسلامي في مواجهات مع قوات الاحتلال وسط قطاع غزة

06 مايو 1989

الأرشيف
القائمة البريدية